المحاضرة الأولى: عاشوراء في ضوء فكر الإمام الخامنئيّ دام ظله

الهدف:
التعرّف إلى سبب ثورة الإمام الحسين عليه السلام وهدفه، وأصول إحياء عاشوراء في فكر الإمام الخامنئيّ دام ظله.


تصدير الموضوع:

روي عن الإمام الرضا عليه السلام: "إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهليّة يحرّمون فيه القتال، فاستحلّت فيه دماؤنا وهُتِكت فيه حرمتنا وسُبِي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأُضرِمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمة في أمرنا. لا إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذلّ عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، وأورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فلْيبكِ الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام"1.


101


1- لماذا ثار الإمام الحسينعليه السلام؟
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله في سياق حديثه عن دروس الثورة الحسينيّة: لماذا ثار الحسين عليه السلام؟ لماذا ثرت يا حسين برغم كونك شخصيّة لها احترامها في المدينة ومكّة، ولك شيعتك في اليمن؟ اذهب إلى مكان لا شأن لك فيه بيزيد ولا ليزيد شأنٌ بك، تعيش وتعبد الله وتُبلّغ.

ويوجد في الإجابة عن هذا السؤال ثلاثة اتّجاهات، هي:

أ- الأول:
ثورة الإمام عليه السلام لطلب الحكم: إنّ هدف ثورة أبي عبد الله الحسين عليه السلام هو إسقاط حكومة يزيد الفاسدة وإقامة حكومة بديلة. هذا القول شبه صحيح وليس بخطأ، فلو كان القصد بهذا الكلام هو أنّ الحسين عليه السلام ثار لأجل إقامة حكومة، بحيث إنّه لو رأى أنّه لن يصل إلى نتيجة لقال لقد قمنا بما علينا فلْنرجع، فهذا خطأٌ. أجل، إنّ الذي يتحرّك لأجل الحكم، يتقدّم حتّى يرى إلى حيث يرى إنْ كان الأمر ممكنًا، فإذا رأى أنّ احتمال حصول هذا الأمر أو الاحتمال العقلائيّ غير موجود، فتكليفه هو أن يرجع. فإذا كان الهدف تشكيل الحكومة فالجائز هو أن يتحرّك الإنسان إلى حيث يُمكن، وعندما يُصبح غير ممكنٍ يجب أن يرجع.

ب- الثاني:
ثورة الإمام عليه السلام لطلب الشهادة: ويرى بعضهم على العكس من ذلك، وأنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يعلم بعدم


102


تمكّنه من إقامة الحكومة، ولهذا فإنّه قد جاء لأجل أن يُقتل ويستشهد. وقد شاع هذا الكلام على الألسن كثيراً مدّة من الزّمن، وكان بعضٌ يُبيّن ذلك بعباراتٍ شاعريّة جميلة، القول بأنّ الإمام عليه السلام ثار لأجل أن يستشهد، لأنّه عليه السلام رأى أنّه لا يمكنه عمل شيء بالبقاء، فقال: يجب أن أعمل شيئًا بالشهادة، وبنظرة أوليّة إلى هذا الكلام يتّضح أنه ليس لدينا في المصادر والأسانيد الإسلاميّة ما يجوّز للإنسان إلقاء نفسه في القتل، أنّ الشهادة، الّتي نعرفها في الشّرع المقدّس والآيات والرّوايات، معناها أن يتحرّك الإنسان ويستقبل الموت لأجل هدفٍ مقدّس واجب أو راجح، هذه هي الشّهادة الإسلاميّة الصّحيحة. أمّا أن يتحرّك الإنسان لأجل أن يُقتل، أو بحسب التّعبير الشّاعريّ أن يجعل دمه وسيلةً لزلزلة الظّالم وإيقاعه أرضًا، فمثل هذه الأمور لا علاقة لها بواقعةٍ بتلك العظمة. إذًا هذا الأمر وإن كان فيه جانب من الحقيقة لكن لم يكن هدف الحسين عليه السلام.

ج- الثالث:
ثورة الإمام عليه السلام لأداء الواجب: لا يُمكننا القول إنّ الحسين عليه السلام ثار لأجل إقامة الحكومة، ولا القول: إنّه ثار لأجل أن يستشهد، بل يوجد شيءٌ آخر في البين. أتصوّر أنّ القائلين إنّ الهدف هو الحكومة أو الهدف هو الشهادة قد خلطوا بين الهدف والنتيجة. فقد كان للإمام الحسين عليه السلام


103


هدفٌ آخر، والوصول إليه يتطلّب طريقًا وحركةً تنتهي بإحدى النتيجتين: الحكومة أو الشّهادة، وكان الإمام مستعدًّا لكلتا النتيجتين، فقد أعدّ مقدّمات الحكم وكذا مقدّمات الشهادة، ووطّن نفسه على هذا وذاك، فإذا تحقّق أيّ منهما، كان صحيحًا، لكن لم يكن أيّ منهما هدفًا، بل كانا نتيجتين، وأمّا الهدف فهو شيءٌ آخر.

وبشكلٍ مختصر لو أردنا بيان هدف الإمام الحسين عليه السلام، نقول: إنّ هدف ذلك العظيم كان عبارة عن أداء واجبٍ عظيم من واجبات الدّين لم يؤدّه أحدٌ قبله، لا النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولا أمير المؤمنين عليه السلام ولا الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، إنّه واجبٌ يحتلّ مكانًا هامًّا في البناء العامّ للنّظام الفكريّ والقيميّ والعمليّ للإسلام. وبرغم أنّ هذا الواجب مهمٌّ وأساس، فلماذا لم يؤدَّ حتّى عهد الإمام الحسين عليه السلام؟ كان يجب على الإمام الحسين عليه السلام القيام بهذا الواجب ليكون درسًا على مرّ التّاريخ، كما أنّ تأسيس النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للحكومة الإسلاميّة أصبح درسًا على مرّ تاريخ الإسلام، وكما أصبح جهاد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل الله درسًا على مرّ تاريخ المسلمين وتاريخ البشريّة إلى الأبد. كان ينبغي للإمام الحسين عليه السلام أن يؤدّي هذا الواجب ليُصبح درسًا عمليًّا للمسلمين وعلى مرّ التاريخ.

إذًا، لقد كان الهدف أداء هذا الواجب، وعندها تكون نتيجة أداء الواجب أحد الأمرين، إمّا الوصول إلى الحكم والسّلطة وقد كان الإمام


104


الحسين عليه السلام مستعدّاً لذلك، لكي يعود المجتمع كما كان عليه في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام، وإمّا الوصول إلى الشّهادة وهو عليه السلام كان مُستعدًّا لها أيضاً2.

2- عاشوراء في ضوء فكر الإمام الخامنئيّ دام ظله

يركّز الإمام الخامنئيّ دام ظله في العديد من الأمور والثوابت العاشورائيّة التي ينبغي الاهتمام بها، وملاحظتها بشكل دائم، ومنها:

أ- محرّم شهر العاطفة والحزن:

للعاطفة - كما يذكر الإمام الخامنئيّ - دورٌ مميزٌ في واقعة كربلاء وفي استمرارها، أدّى إلى إيجاد برزخٍ بين النهضة الحسينيّة والشيعيّة من جهة وبين النهضات الأخرى من جهة ثانية، فواقعة كربلاء ليست قضية جافّة ومقتصرة على الاستدلال المنطقيّ فحسب، بل قضيّة اتّحد فيها الحبّ والعاطفة والشفقة والبكاء.

إنَّ الجانب العاطفيّ جانب مهمّ، ولهذا أمرنا بالبكاء والتباكي، وتفصيل جوانب الفاجعة، فلقد كانت زينب الكبرى عليها السلام تخطب في الكوفة والشام خطباً منطقيّة، إلّا أنّها في الوقت نفسه تقيم مآتم العزاء، وقد كان الإمام السجاد عليه السلام بتلك القوّة والصلابة ينزل


105


كالصاعقة على رؤوس بني أميّة عندما يصعد المنبر، إلّا أنّه كان يعقد مجالس العزاء في الوقت نفسه.

ب- أهميّة إحياء عاشوراء:

لقد تحدّث الإمام الخامنئيّ دام ظله في أكثر من مناسبة شارحاً خصائص عاشوراء وضرورة الاهتمام بإحيائها: قائلاً: "إنّ مراسم عزاء الإمام الحسين عليه السلام وفضل إحياء ذكرى عاشوراء، من أهمّ ما يميّز الشيعة عن سائر إخوتهم المسلمين، فمنذ أن أصبحت ذكرى مصيبة الإمام الحسين عليه السلام سنّة يعمل بها، تفجّرت فيوض ومعنويّات في قلوب محبّي أهل البيت عليهم السلام وأذهانهم، وما زالت تتفجّر إلى يومنا هذا وستبقى كذلك بفعل ذكرى عاشوراء. فإحياء هذه الذكرى هو في الحقيقة عمل ذو فضل عظيم، ومن هنا كانت مسألة البكاء والإبكاء على مصاب الحسين عليه السلام سائدة حتى زمن أئمتنا عليهم السلام، وينبغي أن لا يفكّر أحد بعدم جدوى البكاء، في زمن الفكر والمنطق والاستدلال، فهذا فكر خاطئ، لأنّ لكلّ شيء مكانه، ولكلّ سهمه في بناء شخصية الإنسان، العاطفة من جهة والمنطق والاستدلال من جهة أخرى، أمور كثيرة لا تحلّ إلّا عن طريق العاطفة والمحبّة، ولن يؤثر فيها المنطق والاستدلال3.

ج- الإسهام في حبّ أهل البيت عليهم السلام:
ينبغي - كما يذكر الإمام الخامنئيّ دام ظله - أن تسهم هذه المجالس في زيادة حبّ آل


106


البيت في قلوب الناس، لأنّ الرابطة العاطفيّة رابطة ذات قيمة عظيمة، عليكم أن تعملوا ما من شأنه أن يزيد من حبّ الناس المشاركين للحسين بن عليّ عليه السلام وآل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومصادر المعرفة الإلهيّة، وإذا ما قمتم في هذه المجالس، لا قدر الله، بما من شأنه عدم تقريب المستمع عاطفيّاً من أهل البيت عليهم السلام، أو قمتم بما من شأنه إبعاده عنهم لا سمح الله، وانزجاره ممّا يسمع، يعني نقلتم الواقعة بشكل يبعد المستمع عاطفياً عن أهل البيت عليهم السلام، عندها ستفقد مجالس العزاء أحد أكبر فائدة قامت من أجلها، بل ستصبح أحياناً مضرّة، عليكم أن تعلموا ما ستفعلونه، أنتم القائمين على المجالس والخطباء فيها، اعرفوا كيف تزيدون من عواطف الناس تجاه الحسين بن علي عليه السلام وأهل بيت النبوة4.

د- إيضاح مبادئ الثورة الحسينيّة:
يجب - كما يؤكّد الإمام الخامنئيّ دام ظله - أن تتوضّح مبادئ قيام عاشوراء للناس، فيجب أن لا نأتي إلى مجالس الحسين بن عليّ عليه السلام ونرتقي المنابر ونخطب ويخرج - وهو من أهل الفكر والتأمل وما أكثرهم في مجتمعنا اليوم من شباب وشيوخ ونساء ورجال -، هذا المستمع وهو يتساءل: لم جئتُ إلى هنا وعلام ذرفت الدموع؟ ما القضية؟ لماذا يجب البكاء على الحسين عليه السلام؟


107


لماذا قدم الحسين إلى كربلاء لتحصل واقعة عاشوراء؟ يجب أن تجيبوا عن هذه الأسئلة قبل أن تتبادر لأحد، يجب أن تتوضّح مبادئ واقعة كربلاء5.

هـ المحافظة على مجالس العزاء التقليديّة: يحرص الإمام الخامنئي دام ظله على المحافظة على مجالس العزاء التقليديّة وإثارة عواطف الناس اتّجاه الحسين عليه السلام وأهل بيت النبوّة عليهم السلام، فيقول: هناك أمور تقرّب الناس من الله ومن الدين، مجالس العزاء التقليديّة هذه تقرّب الناس من الدين، وهذا ما أوصى به الإمام الراحل، إنّ الجلوس في المجالس والاستماع إلى العزاء والبكاء واللطم على الرؤوس والصدور والخروج في مواكب العزاء، كلّ ذلك يثير عواطف الناس تجاه أهل بيت النبوة عليهم السلام وهذا أمر عظيم6.

ويقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: "إنّ هذه المواكب الحسينيّة التي تتحرّك وتنشط في الأيّام العشرة الأُولى من شهر محرّم في كلّ عام هي كماء المطر الذي يجري على الأرض فيطهّرها وينظّفها ويزيل الأوساخ والأقذار كافّة منها، وهكذا تلك المواكب، فهي تطهّر بيئتنا الاجتماعيّة من كلّ الوساوس والشبهات والتلقينات الفاسدة التي يبثّها الأعداء، وتضفي عليها روحاً جديدة عابقةً بالعشق لله تعالى والإيمان به7.


108


هوامش

1- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 190.
2- راجع: الإمام الخامنئي، إنسان بعمر 250 سنة، إعداد لجنة التأليف في مركز المعارف للتأليف والتحقيق، دار المعارف الإسلاميّة الثقافية، لبنان - بيروت، 2015م، ط2، ص 202-204. من خطاب لسماحته بمناسبة عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام، بحضور جموع من المصلين، بتاريخ 10 محرم الحرام 1416 ه.
3- من خطاب لسماحته لدى استقباله العلماء والفضلاء وطلبة محافظة كهكيلويه وبوير أحمد في مصلّى مدينة ياسوج بتاريخ 29 ذي الحجة 1414ه.
4- من خطاب لسماحته لدى استقباله العلماء والفضلاء وطلبة محافظة كهكيلويه وبوير أحمد في مصلّى مدينة ياسوج بتاريخ 29 ذي الحجة 1414ه.
5- من خطاب لسماحته لدى استقباله العلماء والفضلاء وطلبة محافظة كهكيلويه وبوير أحمد في مصلّى مدينة ياسوج بتاريخ 29 ذي الحجة 1414ه.
6- المصدر نفسه.
7- المصدر نفسه.