المحاضرة الثانية: الظلم في الحياة الاجتماعيّة

الهدف:
إيضاح نظرة الإسلام إلى الظلم، وموقفه من الظالمين، ومظاهر الظلم في الحياة العامّة والاجتماعيّة.


تصدير الموضوع:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ما من مؤمن يعين مؤمناً مظلوماً إلّا كان أفضل من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام، وما من مؤمن ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا نصره الله في الدنيا والآخرة، وما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا خذله الله في الدنيا والآخرة"1.


27


تمهيد
الظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء: وضع الشيء في غير موضعه المختّصّ به، إمّا بنقصان أو بزيادة، وإمّا بعدول عن وقته أو مكانه.. والظلم يقال في مجاوزة الحقّ الذي يجري مجرى نقطة في الدائرة ويقال فيما يكثر وفيما يقلّ من التجاوز2.

١- قبح الظلم عند البشر

تشهد دراسة التاريخ البشريّ بأنّ الإنسان مهما كان دينه ومسلكه وانتماؤه، وأينما حلّ في بقاع الأرض، يُدرك بنفسه قُبح الظلم وحُسن العدل، كما يُدرك بنفسه حسن الوفاء بالعهد وقبح نقضه، وحُسن معونةِ المظلومين ونصرتهم، وقُبح إعانه الظالمين ونصرتهم.

ولهذا فإنّ الخروج على هذه القاعدة من قبل المتكبّرين في الماضي والحاضر، وظلم الشعوب وسلب مقدّراتها وعدم إعطائها ما تستحقّه هو من أجلى مصاديق الظلم والتكبّر والتعالي، بخاصّة أن أساس الظلم نابع إمّا من جهل الفاعل بقبح الظلم، أو كونه سفيهاً غير حكيم فهو يمارس الظلم مع علمه بقبحه وبرغم قدرته على القيام بالعدل، أو من احتياجه للظلم لحفظ مصالحه ومشاريعه وإن كان على حساب حقّ الناس وكرامتهم.


28


٢- وجوب نصرة المظلوم في الإسلام
جاء الإسلام والناس متفرّقون شيعًا وأحزابًا وقبائل، فجمع الله به الناس، وألَّف به بين قلوبهم: قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا3.

وقد ربَّى الإسلام أبناءه على استشعار أنّهم أفراد في مجموعة وأنّهم أجزاء من هذه الجماعة الكبيرة، فالمسلم بشعوره أنّه جزء من الجماعة يحبّ للأجزاء الأخرى مثل ما يحبّ لنفسه. فإنّ انتماء المسلم للجماعة يترتّب عليه حقوق وواجبات، ومن أعظمها واجب التناصر بين المسلمين. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الله عزّ وجلّ: "وعزّتي وجلالي لأنتقمّنّ من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمّنّ ممّن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره فلم ينصره"4. وقد أوصى الإمام علي عليه السلام ولديه الحسن والحسين عليه السلام بقوله: "وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم عَوْناً"5.

ودعا الإمام الصادق عليه السلام إلى الالتصاق والاندكاك بجماعة المسلمين فقال: "من فارق جماعة المسلمين قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"6 .


29


٣- مظاهر الظلم في الحياة الاجتماعيّة
جعل الإسلام كلّ مسلم مسؤولاً في بيئته الاجتماعيّة، يمارس دوره الاجتماعيّ من موقعه، ولتنظيم الحياة الاجتماعيّة شرّع العديد من التشريعات التي تحفظ حقوق الفرد والمجتمع في آن واحد، وبمراعاتها تتحقّق السعادة لجميع الناس، والخروج على هذا النظام الاجتماعيّ يعني ظلم الآخرين وإيقاع الظلم عليهم، ونحن لتتضّح الصورة أكثر، سنطرح مصاديق الظلم الاجتماعيّ بملاحظة التشريعات الاجتماعيّة.

أ- حرمة الظلم:
إنّ حرمة ظلم النفس أو الآخرين من الواضحات في الدين الإسلاميّ، بل من واجبات كلّ مسلم تجاه أخيه المسلم تقديم العون له متى احتاج إليه، ودفع الظلم عنه إن كان مظلومًا، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يشحذ همم المسلمين ويحثّهم على نصرة المظلوم مبيّنًا أنّ الجزاء سيكون من جنس العمل: "ما من امرئ يخذل ٱمرأ مسلماً عند موطن تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه عرضه إلّا خذله الله عزّ وجلّ في موطن يحب فيه نصرته وما من ٱمرئ ينصر ٱمرأ مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلّا نصره الله في موطن يحبّ فيه نصرته"7.

ب- النهي عن كلّ ما يفسد الأواصر الاجتماعيّة:
نهى القرآن الكريم عن الاعتداء على الآخرين، بالظلم أو القتل أو غصب الأموال والممتلكات والاعتداء على الأعراض: ﴿وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ8.


30


وحصر التعاون بالبرّ ونهى عن الإثم والعدوان، قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ9.

ج- النهي عن السخرية واللمز:
قال تعالى ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ10.

د- النهي عن هتك حرمات البيوت:
وحرّم دخول بيوت الآخرين دون إذن منهم: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا11.

هـ حرّمة الظنّ الآثم والتجسّس على الناس: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا12.

و- حرمة إشاعة الفاحشة في المجتمع الإسلاميّ: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ13.


31


وهكذا يوفِّر القرآن في هذه اللائحة الطويلة والعريضة، ما يضمن توفير الحصانة للمجتمع البشريّ، وهو يضع النظام الدقيق والشامل، من أحكام، وقيم أخلاقية، ليكون الأمان والتآلف والتعايش والتكافل معالم أصيلة في الحياة الاجتماعيّة.

٤- الظلم في الحياة الاجتماعيّة بين الأسر والأرحام

أكثر ما يتجلّى الظلم الاجتماعيّ في هذه الدائرة في ظلم الأزواج لزوجاتهم، وفي ظلم الأبناء لأبويهم، وفي ظلم الأرحام بعضهم لبعض.

أ- ظلم الأزواج لزوجاتهم: ويكون بالإيذاء بالكلام الجارح والإهانة والضرب المُبرّح، ومنع النفقة الواجبة، وعدم إعطائها لحقوقها الواجبة في الإسلام. ومن الواضح أنه يجب على الزوج مراعاة زوجته بمعاشرتها بالمعروف قال الله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا14. ومن مصاديق العشرة بالمعروف حسن الصحبة، قال الإمام عليُّ بن أبي طالب عليه السلام في وصيّته لمحمد بن الحنفية: "إنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كلِّحال، وأحسن الصحبة لها، ليصفو عيشك"15.

ومن حقّها أن يتعامل زوجها معها بحسن الخلق، وهو أحد العوامل التي تُعمّق المودّة والرحمة والحبّ داخل الأُسرة، قال الإمام عليّ بن


32


الحسين عليه السلام: "لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة، ليجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها، وحسن خُلقه معها واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها..."16.

والنهي عن استخدام القسوة مع المرأة، وجعل من حقّ الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها، ففي جوابه عن سؤال خولة بنت الأسود حول حقّ المرأة قال: "حقّك عليه أن يطعمك ممّا يأكل، ويكسوك ممّا يلبس، ولا يلطم ولا يصيح في وجهك"17.

ب. ظلم الوالدين: ويكون بعقّهما بأيّ كيفيّة أو سلوك حتّى بالنظر إليهما بمقت، وقد حدّد القرآن صراحة كيفيّة التعامل معهما في الآيات ٢٣- ٢٤ من سورة الإسراء حيث قال تعالى:
- ﴿
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.

- ﴿
وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا﴾.

- ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾.

- ﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ﴾.

- ﴿
وَلاَ تَنْهَرْهُمَا﴾.

- ﴿
وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا18.


33


ج- ظلم الأرحام: ويكون بقطع الصلة معهم أو أكل حقوقهم بغير حقّ، خلافاً لما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الرحم معلّقة بالعرش، وليس الواصل بالمكافىء، ولكنّ الواصل من الذي إذا انقطعت رحمه وصلها"19.

وقال أبو ذرّ الغِفاريّ رضي الله عنه: "أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أصل رحمي وإن أدبَرَت"20.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "صِلُوا أرحامكم وإن قطعوكم"21.

الآثار الايجابيّة لمراعاة حقوق المجتمع

تحدّثت الروايات الكثيرة عن ثواب من راعى حقوق أفراد المجتمع منها:
أ- الدفاع عن الأعراض: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من ردّ عن عرض أخيه المسلم وجبت له الجنة البتّة"22.

ب- الإيثار والكرم:
وروي عن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام: "من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن كسا مؤمناً كساه الله من الثياب الخضر"23.


34


هوامش

1- الحرّ العاملي، الشيخ محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، إيران - قم، ١٤١٤ه، ط٢، ج١٢، ص٢٩٢.
2- الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، طليعة النور، لا.م، ١٤٢٧ه، ط٢، ص٥٣٧.
3- سورة آل عمران، الآية ١٠٣.
4- الشيخ محمد الريشهري، ميزان الحكمة، تحقيق ونشر دار الحديث، لا.م، لا.ت، ط١، ج٢، ص١٧٧٤.
5- الرضي، السيد أبو الحسن محمد الرضي بن الحسن الموسوي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام-، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، ١٣٨٧ه - ١٩٦٧م، ط١، ص٤٢١.
6- الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، ١٣٦٣ش، ط٥، ج١، ص٤٠٥.
7- أحمد بن حنبل، المسند مسند أحمد -، دار صادر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج٤، ص٣٠.
8- سورة المائدة، الآية ٨٧.
9- سورة المائدة، الآية ٢.
10- سورة الحجرات، الآية ١١ .
11- سورة النور، الآية ٢٧.
12- سورة الحجرات، الآية ١٢ .
13- سورة النور، الآية ١٩.
14- سورة النساء، الآية ١٩.
15- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم، لا.ت، ط٢، ج٣، ص٥٥٦.
16- الحراني، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم، ١٤٠٤ه - ١٣٦٣ش، ط٢، ص٣٢٣.
17- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضي، إيران، ١٣٩٢ - ١٩٧٢م، ط٦، ص٢١٨.
18- سورة الإسراء، الآيتان ٢٣ ـ ٢٤.
19- أحمد بن حنبل، المسند مسند أحمد -، مصدر سابق ج٢، ص١٦٤.
20- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم، ١٤٠٣ه - ١٣٦٢ش، لا.ط، ص٣٤٥.
21- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ط٢، ج٧٤، ص٩٢.
22- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، ثواب الأعمال، تقديم السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، إيران - قم، ١٣٦٨ ش، ط٢، ص١٤٥.
23- المصدر نفسه، ص١٣٦.