المحاضرة الثانية: وظائف تلاوة القرآن وأسرارها

تصديرالموضوع:
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ1.

الهدف:

استثارة دواء لداء القلب وهو القرآن الكريم الذي يفضي إلى نتائج علاجيّة لأمراض القلب.


21


مقدّمة:
إن قلب العبد كجسده معرّض للإصابة بالمرض أو الموت ويزيد القلب عليه أنه يصاب بالصّدأ أو القساوة. فيدل على المرض والقساوة قوله تعالى: ﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ2.

ويدل على موته: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ3.

وأما ما يدل على الصدأ الذي يصيب القلب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد"4.

وكما أن للجسد علاجاً فكذلك هناك علاج للقلب لأن النسبة بين المرض والصحة والموت والحياة نسبة البصر والعمى، فيحل البصر فيما له قابلية العمى والمهم هو بيان الدواء بعد بيان الداء، يقول العلامة الطباطبائي قدس مرض


22


القلب ـ في عُرف القرآن ـ هو الشك والريب المستولي على إدراك الإنسان فيما يتعلق بالله تعالى وآياته وعدم تمكن القلب من العقد على عقيدة دينية5، هذا وغيره يؤدي إلى مرض القلوب، وأما موت القلوب فيحصل بالنفاق ويتجسد بالمنافقين.

وأما سلامة القلب وصحته هو استقراره في استقامة الفطرة، ولزومه مستوى الطريقة، ويؤول إلى خلوصه في توحيد الله تعالى وركونه إليه عن كل شيء يتعلّق به هوى الإنسان6، قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ7.


23


محاور الموضوع:
وظائف تلاوة القرآن وأسرارها:

من هنا نبدأ بأعظم عملية علاجية لداء القلب لأن تلاوة الآيات الشريفة تقود القارئ إلى الالتزام بآداب القراءة وبعبارة أخرى فإن وظائف التلاوة تفضي إلى نتائج علاجية للقلب وتقوّم السلوك العملي للفرد، والوظائف هي:
الأوّل: ينبغي للقارئ أن يبتدئ التلاوة بالاستعاذة ومن أسرارها أنها تغلق أبواب المعصية وهو هدف بحد ذاته يطلبه الناجون ففي الحديث عنهم عليه السلام: "أغلقوا أبواب المعصية بالاستعاذة"8. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ9. وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن التعوّذ من الشيطان عند كل سورة تفتحها؟ فقال: "نعم، فتعوذ بالله


24


من الشيطان الرجيم" وذكر أن الرجيم أخبث الشياطين10.

الثانية: الافتتاح بالبسملة والتسمية ولا تفتح أبواب الطاعة إلا بها، هذا ويضاف إليه الذكر المتكرر لصفتي الرحمة الرحمانية والرحمة الرحيمية حيث ترسخان ملكة العفو والمغفرة في نفسه الإنسان وتزيده اطمئناناً، ففي الحديث "وافتحوا أبواب الطاعة بالتسمية"11.

الثالثة:
باعتبار أن الآيات الشريفة ليست بالنثر ولا بالشعر فلا بد أن تكون القراءة بأسلوب ينسجم مع طبيعة الآيات وهو يختلف عن أسلوب النثر والشعر وقد اصطلح عليه القرآن بالترتيل حيث يقول: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا12، وقد فسّره الإمام عليه السلام بقوله: "بينه تبياناً، ولا تنثره نثر الرمل، ولا تهذّ هذّ الشعر، قفوا عند عجائبه"13... ومن أسرار التلاوة ما انطوى عليه فئة من المؤمنين وهم المتقون حيث إنهم يرتلونه


25


ترتيلاً فيحزّنون به أنفسهم ويستثرون به دواء دائهم14.

الرابعة: من أهم وظائف التلاوة التركيز والتأمل في الآيات وتوجه العقل إلى باطنها وهو ما يعبّر عنه بالتدبر يقول القرآن الكريم ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ15.

ومن أسرار التدبر هو كسر الأقفال عن القلوب لنثر بذور الهداية فيها فتنبت استقامة وبصيرة ووعياً، يقول الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا16,، وفي الحديث: "آيات القرآن خزائن العلم فكلما فتحت خزانه فينبغي لك أن تنظر فيها"17.

إذ التدبر في القراءة كالتفقه في العبادة، فإذا فقدت القراءة التدبر كذلك تفقد العبادة التفقه، فعنه عليه السلام: "ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبُر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه"18.


26


الخامسة: الحضور القلبي مع كل آية وأن تتلى مع الحزن والانكسار، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اقرأوا القرآن بالحزن فإنه نزل بالحزن"19. وقد روي في البحار أن الإمام الرضا عليه السلام وهو في طريقه إلى خراسان كان يكثر في الليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مرّ بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة وتعوّذ به من النار20.

القلب السليم:

بعد الإشارة إلى أن البعد المعنوي في الإنسان الذي نعبّر عنه أحياناً بالقلب أو الروح، قد يصيبه ما يحجبه عنه الله تعالى بسبب المعاصي والآثام وأخطر ما فيها النفاق حيث يؤدّي إلى موته ولكي نحافظ على سلامته ونعمل على صونه ليبقى سليماً مطمئناً والسبيل إلى ذلك من خلال ذكر الله سبحانه وتعالى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ21 والطمأنينة فعل نتيجة للخشوع


27


﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ22.

ولم يتوقف تأثير تلاوة آيات القرآن عند حد معيّن بل يصل إلى الكيان الوجودي للفرد فيصيّره في العالم الملكوتي بمقدار تفاعله مع الآيات الشريفة حيث يقول الله تعالى: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا23. هذه من صور الدنيا، وأما صورته البرزخية فيقول الإمام الصادق عليه السلام: "من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله مع السفرة البررة وكان القرآن حجيراً مانعاً عنه يوم القيامة، يقول القرآن: يا رب إن كل عامل قد أصاب عمله غير عاملي فبلّغ به أكرم عطاياك، فيكسوه الله حلتين من حلل الجنة، ويوضع على رأسه تاج الكرامة ثم يقال له للقرآن هل أرضيناك فيه؟ فيقول القرآن نعم"24.


28


حظ القلب:
أولاً: زيادة الإيمان: باعتبار أن التالي لأجزاء القرآن سيجد موضوعات قرآنية متعددة تنقله من حال إلى حال ويجول مع كل فكرة تبعاً للمستطردات القرآنية. فتنير قلبه وهذا مما يزيد في إيمانه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ25. فعلى سبيل المثال نلاحظ أن السعي بين التشويق والتخويف كما هو عليه حال المتقين الذين وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً وتطلعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنوا أنها نَصب أعينهم، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم"26. يعرج بأرواحهم من هذا العالم إلى عالم آخر فيزدادون تعلقاً بالله تعالى.

ثانياً: شرح الصدر وتنوير السريرة: الصدور الضيقة الحرجة والسرائر المظلمة تفتقر إلى الانشراح والاستنابة وأفضل عامل


29


لهما معاً هو تلاوة القرآن الكريم ففي الحديث: "أفضل الذكر القرآن، به تشرح الصدور، وتستنير السرائر"27.

خاتمة: من أسرار القرآن أنه يوفر لكل ذي حاجة حاجته ويجد كل طالب ضالته فيه فهو ريُّ النفوس الظمأة وربيع القلوب وطريق العلماء، وبذلك وصفه أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: "جعله الله ريّاً لعطش العلماء،وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاج لطرق العلماء، ودواء ليس بعده داء ونوراً ليس معه ظلمة"28.


30


هوامش

1- سورة البقرة، الآية 121.
2- سورة الحج، الآية 53.
3- سورة الأنعام، الآية 122.
4- شرح نهج البلاغة، ج2، ص23، وكذا الحال خ2441.
5- تفسير الميزان، الآية 52 من سورة المائدة، ح5، ص378.
6- تفسير الميزان، الآية: 52، المائدة، ج5، ص377.
7- سورة الشعراء، الآيتان 88 ـ 89.
8- بحار الأنوار، ج92، ص316.
9- سورة النحل، الآية: 98.
10- بحارالأنوار، ج92، ص215.
11- بحارالأنوار، ج92، ص316.
12- سورة المزمل، الآية 4.
13- بحارالأنوار، ج92، ص215.
14- نهج البلاغة، خطبة 193.
15- سورة ص، الآية 29.
16- سورة محمد، الآية 24.
17- بحار الأنوار، ج92، ص316.
18- بحار الأنوار، ج92، ص316.
19- الكافي، ج2، ص614، وكنز العمال، خ2777.
20- بحار الأنوار، ج92، ص210.
21- سورة الرعد، الآية 28.
22- سورة الحديد، الآية 16.
23- سورة مريم، الآية 58.
24- مستدرك الوسائل، ج2، ص604.
25- سورة الأنفال، الآية 2.
26- خطبة المتقين 192.
27- غررالحكم.
28- نهج البلاغة، خطبة 198.