المحاضرة الثالثة: فتنة السلطة في القرآن الكريم

تصدير الموضوع:
قال تعالى: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ1.

الهدف:

بيان مخاطر السلطة الفاسدة في النصوص وخطورة أيِّ شكل من أشكال إعانتها.


175


المقدَّمة
المتأمِّل في هذه الآية يرى أن الله تعالى ختمها بحمده لنفسه وذلك بعد أن تمَّ قطع دابر الذين ظلموا، لأن الحاكم الظالم والسلطة الظالمة أشد على آيات الله وإيمان الناس من أي فتنة أخرى، بل إنّ الحاكم الظالم يرى في وجود الله تحدِّيًا لوجوده وسلطانه وجبروته فيحاول النيل من أتباع الإيمان وتعذيبهم والحدّ من وجودهم وقدراتهم، لأنه يراهم المنافس الأصعب والرقم الأول الذي يجب التخلُّص منه بخلاف أنبياء الله ورسله والأئمة الأطهار الذين لا يرون لأنفسهم أيَّ وجود سوى انعكاس لآيات الله وظلٍّ لحكمه فلا تغيرهم المناصب ولا تُدخل في نفوسهم أيَّ تكبر أو تعجرف، أو أنهم يرون لأنفسهم مكانة على الناس وهذا ما نقرأه في قصة نبي الله يوسف عليه السلام حيث بقي في عيون الناس محسناً حال كونه سجيناً وحال كونه عزيز مصر. قال تعالى:
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ


176


نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ2.

وقال تعالى:
﴿قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ3.


177


محاور الموضوع
إياكم والسلطان الجائر

حذّرت النصوص الشريفة أي لون من ألوان التودد والعلاقة بالسلطان الجائر معتبرةً أن ذلك من أوسع أبواب سخط الرحمن ورضى الشيطان، وفيما يلي بعض النصوص التي أشارت إلى بعض العناوين التي تندرج في العلاقة بالسلطان الجائر.

١- مخالطته ومعونته:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "إياكم ومخالطة السلطان فإنه ذهاب الدين، وإياكم ومعونته فإنكم لا تحمدون أمره"4.

٢- ملازمته:
عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من لزم السلطان افتتن، وما يزداد من السلطان قربًا إلا ازداد من الله بعدًا"5.

٣- أبوابه وحواشيه:
عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إياكم وأبواب السلطان وحواشيها،


178


فإن أقربكم من أبواب السلطان وحواشيها أبعدكم من الله عزَّ وجلَّ، ومن آثر السلطان على الله عز وجلَّ أذهب الله عنه الورع وجعله حيران"6.

٤- المسارعة لقضاء حاجته:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من خفَّ لسلطان جائر في حاجة كان قرينه في النار"7.

٥- مدحه:
عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من مدح سلطانًا جائرًا وتخفف وتضعضع له طمعًا فيه، كان قرينه إلى النار"8.

٦- الخضوع له:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "أيما مؤمن خضع لصاحب سلطان أو من يخالطه على دينه طلبًا لما في يديه من دنياه، أخمله الله ومقته عليه ووكله إليه، فإن هو غلب على شيء من دنياه وصار في يده منه شيء، نزع الله البركة منه"9.

ومن المفيد هنا الإشارة إلى أن أعظم الأعمال أجراً بل لعله أفضل الجهاد من يقول كلمة الحق في وجه السلطان الجائر ومن يعظه ويذكِّره الآخرة والحساب ويحاججه ويبين له


179


مساوئ أفعاله وعاقبة الظلم وأكل حقوق العباد.

والقرآن الكريم يحدثنا عن ذهاب نبي الله موسى عليه السلام الى أعتى عتاة الأرض وهو فرعون ليذكره ويواجهه بالحجة والمنطق وليدحض زيف أعماله التي كان يغشّ الناس بها.

قال تعالى مخاطباً نبي الله موسى عليه السلام:
﴿اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى* قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى *  قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى * فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى10.

وفي موقع آخر يعد الله موسى عليه السلام بالنصر والغلبة بعد تأييده بأخيه. قال تعالى:
﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ11.


180


فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أَحَبُّ الجهاد إلى الله كلمة حقٍ تقال عند ذي سلطانٍ جائر"12.

وعن الإمام الباقر عليه السلام: "من مشى إلى سلطان جائر فأمره بتقوى الله وخوفه ووعظه، كان له مثل أجرالثقلين من الجنّ والإنس ومثل أعمالهم"13.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله عزَّ وجلَّ أوحى إلى نبي من أنبيائه... إئت هذا الجبار فقل له إني لم أستعملك على سفك الدماء واتخاذ الأموال، وإنما استعملتك لتكفَّ عني أصوات المظلومين، فإني لن أدع ظلامتهم وإن كانوا كفارًا"14.

أحاديث موضوعة في وجوب طاعة السلطان

وبما أن موقع السلطان يشكِّل رأس الهرم في السلطة، وصلاحه وفساده له إنعكاساته المهمة على صلاح العباد وانحرافهم كان من الطبيعي أن تتسلل الأيدي الخبيثة لتضع


181


الأحاديث الكاذبة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتي تأمر الناس بوجوب طاعة السلطان وإن كان جائراً.

ورأينا من المناسب إدراج بعض هذه الأحاديث هنا لأنّ هناك من يروّج لهذه المفاهيم ويطرحها على أنها من صلب الشريعة وهي من الشريعة على طرف نقيض.

وإليك بعض هذه النماذج:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طاعة السلطان واجبة، ومن ترك طاعة السلطان فقد ترك طاعة الله عزَّ وجلَّ ودخل في نهيه، وإن الله عزَّ وجلَّ يقول:
﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾"15.

عن الإمام الكاظم عليه السلام: "يا معشر الشيعة لا تذلوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم، فإن كان عادلًا فاسألوا الله إبقاءه، وإن كان جائرًا فاسألوا الله إصلاحه"16.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله جلَّ جلاله: لا تشغلوا أنفسكم بسبّ الملوك، توبوا إلي أعطف قلوبهم عليكم"17.


182


عن الإمام الصادق عليه السلام: "من تعرض لسلطان جائر فأصابته منه بلية لم يؤجر عليها ولم يرزق الصبر عليها"18.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تسبوا السلطان، فإنه فيء الله في أرضه"19.


183


هوامش

1- سورة الأنعام، الآية 45.
2- سورة يوسف، الآية 36.
3- سورة يوسف، الآية 78.
4- ميزان الحكمة، ج2، ص 1334.
5- المصدر نفسه.
6- م.ن.
7- م.ن.
8- م.ن.
9- ميزان الحكمة، ج2، ص 1334.
10- سورة طه، الآيات 42 ـ 48.
11- سورة القصص، الآية 35.
12- ميزان الحكمة، ج2، ص 1944.
13- ميزان الحكمة، ج3، ص 1944.
14- الوافي ج3، ص 162.
15- ميزان الحكمة، ج2، ص 1335.
16- ميزان الحكمة، ج2، ص 1335.
17- المصدر نفسه.
18- م.ن.
19- م.ن.