الحكمة والصلابة

حكمة زينب عليها السلام وصلابتها في ثورة عاشوراء
انظروا إلى زينب الكبرى عليها السلام, في الواقع لا يمكننا ترسيم أبعاد شخصيّة زينب الكبرى عليها السلام في بضع جمل، كما إنّ الحديث عنها في مطوّلات الكلام والشعر ليس ممكناً.

على الإنسان أن يتعرّف إلى تلك الأوضاع والظروف وأن يلمسها وأن يدرك العمل الذي قامت به زينب عليها السلام ليفهم أيّ عظمة كانت لها عليها السلام! لا يمكننا أن نؤدّي حقّ زينب الكبرى من بعيد, باللسان وبالإشارة وبمثل هذه الكلمات. لننظر إلى أعماق شخصيّة امرأة تعلم أنّ هذا الجمع في طريقه إلى جهاد غير متكافئ, ولا انتصار ظاهريّاً ولا دنيويّاً فيه, ومع أنّها تعرف ذلك, فقد تحرّكت مع هذا الجمع, أي أنّها تحمّلت الأخطار.


ففي هذا السفر كان الخطر والشدائد. إضافة إلى الشدائد والأخطار, كان هناك شيء أهمّ وأكثر بكثير من المصاعب والمتاعب الشخصيّة, وهو المسؤوليّة.

كانت زينب الكبرى عليها السلام تدرك أنّه لو افتقدت أخاها الحسين عليه السلام فليس هناك شخص تليق به قيادة هذا الجمع ورعايته


247


وإدارته. فقد كان في انتظار هذا الجمع مصيرٌ فيه المرارة والتعقيد, ومع ذلك واجهت عباب أمواج البحر وأضحت كرجل بقابليّات علويّة, كأمير المؤمنين عليه السلام, كالنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم, ومثل أخيها الإمام الحسين نفسه عليه السلام, ودخلت هذا الميدان الصعب والشديد التعقيد. ثمّ في المراحل كلّها, أدّت دور حكيمِ شجاع قدير يمتاز بجاذبيّة باهرة. وكأنّها قد خطّطت لبرنامجها من قبل, وتحرّكت بناءً عليه خطوة خطوة، فلم تفاجئها الحوادث, وكأنّها قد تنبّأت بجميع هذه الحوادث وتوقّعتها ورأتها. وكان لديها لكلّ حادثة جوابها وعلاجها المناسب وعملت طبقاً لذلك. على سبيل المثال: ليلة عاشوراء، صباح العاشر، ظُهر العاشر، عصر العاشر, ليلة الحادي عشر، عندما التهمت النيران الخيام, أثناء الخروج من كربلاء مع جمع من النساء والأطفال بدون راع أو كفيل، ومع ابن أخ عليل لا يقوى على الوقوف أو الجلوس, كانت هكذا في مثل هذه الظروف وفي كلّ تلك الأوضاع. تكفي واحدة من التجارب التي كانت تواجه زينب ليل نهار, لو أنّها واجهت شخصاً في حياته واستطاع اتّخاذ القرار المناسب بوقته وأن يؤدّي ما عليه بشكل صحيح، فهو جدير بأن يُرفع ويمجَّد ويُمنح لوح فخار وافتخار، وأن يسجّل اسمه في التاريخ. فقد وقعت حوادث مهمّة عدّة في حياة هذه المرأة العظيمة وخلال مدّة قصيرة وقد تعاملت معها كلّها بحكمة وشجاعة وقوّة، وكان تعاملها مع هذه الأحداث باعثاً على التعجّب.

الصبر والحكمة في سلوك السيّدة زينب عليها السلام

عندما يُبتلى الإنسان بمصيبة ما فإنّه لا يستطيع القيام حتّى بأعماله اليوميّة. عندما يكون مضطرباً, يواجه مشكلة ما تجلس على صدره كجبل,


248


فهو يفتقد القوّة والنشاط حتّى لهذه الصلاة التي يريد القيام بها. ليس لديه قدرة على الحديث حتّى مع رفيق أو صديق, وإذا كان مشاركاً في جلسة مسامرة، فليس لديه الحَيْل والقوّة, وليس باستطاعته القيام بعمل. في ذلك الوقت, كانت هناك امرأة مع كلّ ذلك الحزن, مع جبال الغمّ الثقيلة, مع معاينتها لمقتل أولئك الرجال, وتلك الشدائد, استشهاد أبنائها, إخوتها, تشرذم عائلتها1, وقد أحاطت بها تلك الحادثة المرّة, ولم يكن هناك في العالم كلّه آنذاك عين تدمع لها أو تغتمّ لحالها, مثل ذلك الغمّ الكبير وتلك الحادثة القاسية والقاصمة للظهر يمكن أن يُحطِّما الكبار والعظماء, في ذلك الوقت تدافعت عشرات الحوادث القاسية والمرّة على امرأة, لكنّها إضافة إلى أنّها لم تضعف ولم تفقد صوابها, فهي لم تعجز أيضاً عن التصميم واتّخاذ القرار, بل أدارت الأمور وتدبّرت الأحوال على أفضل وجه, وبقيت بكامل قدرتها ومهارتها توجّه دفّة تلك السفينة التي تقطّعت وتحطّمت بفعل تلاطم أمواج عاتية, وتحافظ عليها وترعاها للوصول إلى المقصد المطلوب, هذه هي عظمة زينب2.

في ذلك العالم الصعب، بقدر ما كانت شهادة الحسين عليه السلام شامخة متألّقة وتختلف عن أيّة شهادة أخرى بدءاً من صدر الإسلام وإلى ذلك اليوم، ولا يمكن مقارنة أيّ يوم - لا في عصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولا عصر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ولا في زماننا - بيوم عاشوراء, كان لزينب عليها السلام ولحركتها ذلك القدر من العظمة أيضاً.


249


ليست عظمة زينب عليها السلام في صبرها وحسب, إنّما في اجتماع كلّ الخصوصيّات المتألّقة لإنسان عظيم وشخصيّات التاريخ العظيمة في هذه المرأة, إذ أوصلت هذا الحمل خلال تلك الأيّام الأخيرة من شهر محرّم حتّى رجوعها إلى المدينة وأودعت الأمانة وأتمّت مسؤوليّتها, حيث أدارت - خلال شهر أو شهرين3 - أعظم الحوادث على أفضل وجه وبحكمة متعالية, هي إنسانة ذات امتياز عظيم4.


250


هوامش

1- الإرشاد, ج2, ص125-126, الاستيعاب, ج1, ص396, بحار الأنوار, ج45, ص62-63.
2- في لقاء جمع من الممرّضات والأخوات بمناسبة يوم الممرّض, 15/10/1365ش- 5/1/1987 م.
3- إقبال الأعمال, ج3, ص100, بحار الأنوار, ج98, ص334-335.
4- في لقاء جمع من الممرّضات والأخوات بمناسبة يوم الممرّض, 15/10/1365ش.
     
السابق الصفحة الرئيسة التالي