التكليف

معرفة التكليف الأساس, الدرس المهمّ في عاشوراء
ثَمَّةَ نقاط كثيرة جدّاً في قضيّة ثورة عاشوراء بحيث لو بُحثت في العالم الإسلاميّ وتناولها المفكّرون الإسلاميّون من أبعادها المختلفة, ودقّقوا النظر في مقدّماتها ولواحقها وما أحاط بهذه الحادثة, فسيصبح بالإمكان تحديد سبل الحياة الإسلاميّة ووظائف الأجيال المسلمة في مختلف الظروف.

وأحد هذه الدروس هو هذه النقطة المهمة: أنّ الحسين بن عليّ عليهما السلام قد شخّص في فصل حسّاس جدّاً من تاريخ الإسلام, الوظيفة الأساس من بين الوظائف المتنوّعة والتي لها مراتب متفاوتة في الأهمّيّة، وقام بإنجازها. ولم يخطئ أو يشتبه في معرفة ما كان العالم الإسلاميّ في ذلك اليوم بحاجة إليه.

في حين كان تشخيص الوظيفة الرئيسيّة دائماً يمثّل إحدى نقاط الخلل والضعف في حياة المسلمين في المراحل الزمنيّة المختلفة, والخلل في تشخيص هذه الوظيفة يعني أن يخطئ أفراد الأمّة والمرشدون والشخصيّات البارزة في العالم الإسلاميّ- في مقطع من الزمن - في تشخيصها, بمعنى أنّهم لا يعلمون ما هي


23


الوظيفة الأساس التي يجب البدء بها, والتضحية بسائر الأمور في سبيلها إذا لزم الأمر, ولا يعلمون ما هي الوظيفة الفرعيّة والتي تأتي في الدرجة الثانية, وأن يعطوا كلّ عمل وكلّ حركة من الأهمّيّة بقدره وأن يسعوا في سبيل تحقيقه.

أكابر ووجوه بلا بصيرة

في الوقت عينه الذي تحرّك فيه أبو عبد الله الحسين عليه السلام, كان هناك أشخاص إذا نوقشوا في الأمر وقيل لهم: "الآن وقت النهوض والقيام" وعلموا أنّ هذا الأمر سيجلب لهم المشاكل والمتاعب فإنّهم كانوا سيتّجهون نحو تكاليف من الدرجة الثانية, مثلما رأينا بعضهم قد قام بهذا العمل فعلاً.

ولقد كان هناك أشخاص مؤمنون وملتزمون بين الذين لم ينهضوا مع الإمام الحسين عليه السلام, فليس من الصحيح اعتبارهم جميعاً من أهل الدنيا، وكان بين زعماء المسلمين ورموزهم في ذلك الوقت أشخاص مؤمنون وأشخاص يرغبون بالعمل وفقاً للتكليف, لكنّهم لم يدركوا ما هو تكليفهم، ولم يشخّصوا أوضاع ذلك الزمان, ولم يعرفوا العدوّ الرئيسيّ, وكانوا يخلطون بين الوظيفة الرئيسيّة المحوريّة والوظائف التي هي من الدرجة الثانية أو الثالثة. ولقد كان هذا الأمر أحد الابتلاءات العظيمة للعالم الإسلاميّ, ونحن - اليوم - يمكن أن نُبتلى بذلك أيضاً. من الممكن أن نخطئ في تشخيص التكليف الأهمّ نسبة إلى الأشياء الأقلّ أهمّيّة. يجب اكتشاف تلك الوظيفة الأساس والتي يعتمد عليها قوام المجتمع وحياته1.


24


معرفة الحركة اللّازمة والمتعيّنة على المجتمع في مواجهة العدوّ
في كلّ زمان ثمّة حركة مطلوبة (متعيّنة) للمجتمع الإسلاميّ. ففي كلّ عصر, يوجد عدوّ وجبهة وخصم يهدّد الإسلام والمسلمين, ويجب أن يُعرف ذلك العدوّ. فلو اشتبهنا في معرفة العدوّ والجهة التي يتعرّض الإسلام منها للأذى والهجوم فستكون الخسارة كبيرة لا يمكن جبرانها، وستضيع من أيدينا فرص كثيرة. نحن اليوم مكلّفون بأن نتدارك, بأعلى درجة ممكنة, تلك اليقظة والتنبّه والاهتمام ومعرفة الأعداء ومعرفة التكاليف بالنسبة للأمّة الإسلاميّة وشعبنا والعالم الإسلاميّ2.

عندما قدم الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء، لم يأت بقصد الحكومة، ولا الشهادة, إنّما كان الهدف أداء التكليف. وقد ذكرنا هذا الأمر مراراً.. فإنْ كانت الحكومة هي الخاتمة فنعمّا هي, وهذا أمر حسن جدّاً, أن يذهب ويقيم الحكومة ويهزم يزيدَ في المعركة ويقضي عليه. وإذا كانت الشهادة هي خاتمة الثورة فهي إحدى الحُسنيين, وهو كان قد أعدّ نفسه للشهادة. لذلك فقد خطب تلك الخطب ليبيّن جمال الشهادة في أعين أصحابه, مثلما هي جميلة3.

التسليم أمام الله والتكليف

في واقعة عاشوراء وما حدث للإمام الحسين عليه السلام, ثمّة أمرٌ تحفل به جميع الأقوال والتصرّفات والحركات, وهو التسليم أمام الله, أي التسليم في قبال التكليف. عندما يُقال للإمام عليه السلام: إنْ تذهب وتَثُر فمن الممكن أن تُقتل, كان الجواب: إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه من رأى منكم سلطاناً


25


جائراً يعمل كذا وكذا ويظلم, فعليكم مواجهته والوقوف بوجهه4, (أي) استناداً إلى تكليف!5.

بيان "التكليف الأهمّ" على لسان الإمام عليه السلام
في ذلك الوقت الذي تحرّك فيه أبو عبد الله عليه السلام, جرى الحديث وقيل لهم: "الآن وقت النهوض"، ولكنّهم أدركوا أنّ هذا الأمر سيجلب لهم المشاكل والمتاعب, ومن هنا اتّجهوا نحو التكاليف من الدرجة الثانية, وقد رأينا بعضهم قام بهذا العمل فعلاً.

لقد أوضح الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام في خطابه للجميع, أن أوجب واجبات ووظائف العالم الإسلاميّ في تلك الظروف هو مواجهة رأس السلطة الطاغوتيّة والقيام من أجل إنقاذ النّاس من سلطتها الشيطانيّة.

من البديهيّ أنّ الحسين بن عليّ عليهما السلام لو كان قد اختار البقاء في المدينة وبلّغ الأحكام الإلهيّة ومعارف أهل البيت عليهم السلام لكان ربّى جماعة على يديه, لكنّه عندما آثر أن يتّجه إلى العراق لأجل القيام بوظيفته، فإنّه كان يحرم نفسه من كلّ هذه الأعمال, من تبليغ الأحكام الإلهيّة للأُمّة وبيان معارف أهل البيت عليهم السلام وتعليم وتربية المسلمين،
فلم يكن بإمكانه أن يُعلّم النّاس الصلاة وأن ينقل إليهم أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, وبالطبع سوف تتعطّل حوزته العلميّة ونشره للمعارف, وسوف يُحرم من تقديم العون للأيتام والمساكين والفقراء في المدينة. كلّ أمر من هذه الأمور كان وظيفة يقوم بها الإمام عليه السلام قبل تحرّكه باتِّجاه العراق, ولكنّه جعلها جميعاً فداءً للوظيفة الأكثر أهمّيّة، حتّى إنّه ضحّى بحجّ بيت الله في سبيل ذلك


26


التكليف الأعلى6 وكان هذا في وقت شرعت فيه النّاس بالوفود إلى بيت الله الحرام. فماذا كان ذلك التكليف؟ لقد كان - كما عبّر هو عليه السلام- مواجهة الجهاز الحاكم الذي هو منشأ الفساد: "أُريد ان آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي"7.

أو كما قال في خطبة أُخرى وهو في بعض الطريق: "أيّها النّاس, إنّ رسول الله قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله... فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله"8.

أي التغيير لسلطان الظلم والجور, تلك السلطة التي تنشر الفساد, والجهاز الذي يجرّ النّاس نحو الهلاك والفناء الماديّ والمعنويّ, هذا هو سبب قيام الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام9.

التكليف (المطلق) بدون قيد أو شرط

ربّما يقول قائل إنّه لا تكليف بالثورة إلى هذا الحدّ, فعندما يشاهد الإنسان طفلاً صغيراً كعليّ الأصغر قد شارف على الموت من شدّة العطش, يقول: الآن سقط التكليف عنّي, أو أنّه عندما يرى أن مجموعة من نساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبناته يقعْنَ في الأسر سيقول: سقط التكليف عنّي إلى هنا! لا, ليس كذلك! إنّ تكليف الإمام ثورة غير محدودة وغير مشروطة10.


27


لقد لقّن الإمام الحسين عليه السلام بحركته العظيمة هذه البشريّة درساً أنّه كلّما كان الحقّ في مواجهة وضع خطير ومؤلم كهذا, يجب على أتباع الحقّ النهوض والقيام ولو كانوا أمام بحر من الأعداء. لا تقولوا إنّ الأعداء أقوياء, وهم يملؤون العالم, وماذا نستطيع أن نعمل في مواجهة العالم؟ الدرس هو أنّه ينبغي القيام والحركة مهما كان العدوّ قويّاً, بالطبع لهذا الطريق نهايتان, إحداهما الانتصار الظاهريّ والأخرى الانكسار الظاهريّ, فإحدى هاتين النهايتين هي حتماً في انتظار الإنسان11.

لمّا نزل عليه السلام منزل "عذيب الهجانات" التحق به أربعة رجال، كان للإمام عليه السلام كلام آخر، حيث قال لهم: "أما والله إنّي لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا, قُتلنا أم ظفرنا"12.

وهذا مؤيّد لما ذكرناه من أنّه لا فرق, سواء انتصر أم قُتل، التكليف تكليف, ويجب القيام به13.

نتيجة تقصير الخواصّ في العمل بالتكليف

نلاحظ في وقائع عاشوراء نفسها, أنّه عندما تحرّك الإمام الحسين عليه السلام كان بإمكان مجموعة، من خلال التحاقها به، أن تحوّل تلك النهضة إلى ثورة بنّاءة, لا إلى نهضة دمويّة انتهت بالقتل والشهادة, كان بإمكانهم ذلك! فلو أنّ عبد الله بن عبّاس وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر, هذه الشخصيّات التي كانت بارزة في عالم المسلمين في ذلك اليوم, وكانت تسكن في مكّة والمدينة,


28


وهي جميعها من أبناء شخصيّات معروفة في صدر الإسلام, ابن جعفر الطيّار ابن عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم14, ابن الزبير, ابن عمر, ابن عبّاس, لو أنّ هؤلاء الأربعة والذين اسم كلّ واحد منهم عبد الله خرجوا برفقة الإمام الحسين عليه السلام, لوجدت حركة عظيمة, لم يكن باستطاعة يزيد ولا أعوان يزيد, بدون شكّ, أن يقفوا في وجهها.

انظروا, فهؤلاء وآباؤهم كانوا من الشخصيّات المعروفة في الإسلام. وهذا الأمر كان مؤثّراً جدّاً، فالشخصيّة والسمعة كانتا لَتُسَهِّلانِ له كثيراً من الأمور والأعمال. فهل كان بالإمكان منازعة كلّ هذه الوجوه المعروفة, التي لكلّ واحدة منها عشيرة وأصدقاء ومؤيّدون في عالم الإسلام؟ إذاً لقامت النّاس وتبدّلت تلك الحركة وأحدثت تحوّلاً في السلطة والحكومة.

لولا تراخي هؤلاء الذين ذكرتُهم وأمثالهم, لكان الإمام الحسين عليه السلام قد خرج بعدّة آلاف, بدلاً من الخروج من مكّة ببضع مئات, تركه بعضهم أثناء الطريق15, والقليل بقي في كربلاء. وإذ ذاك هل كان للحرّ بن يزيد في هذه الحالة, أن يقف في الطريق ويمنع الإمام الحسين من الوصول إلى الكوفة؟16 ولو وصل إلى الكوفة, هل كان لعبيد الله بن زياد- الوالي الجديد للكوفة- أن يقف أمام هذا الجيش الكبير الذي على رأسه نجباء وشخصيّات معروفة من قريش وبني هاشم؟ و(لكانت) سقطت الكوفة. وبسقوط الكوفة, تسقط البصرة, ما يعني سقوط العراق. ومع سقوط العراق, فمن المتيقّن به أن تلحقه المدينة ومكّة وتسقط الشام أيضاً, وتتغيّر الحكومة, ويتبدّل تاريخ الإسلام. وعوض قرنين من


29


الضغط والتضييق, كانت ستعود حكومة آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم, و لو عادت حكومة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم, لكان من المحتمل جدّاً أن يبلغ الإسلام الذروة في العالم, بدلاً من ١٤ قرناً من الانزواء, ولعلّ الحضارة اليوم والصناعة, والتكنولوجيا, والعلم والثقافة كانت ستكون مختلفة كلّيّاً عمّا هي عليه الآن.

ولعلّه لو حصل ذلك الأمر, لما عانت البشريّة عندها من كلّ هذا الشقاء والبؤس, ومن كلّ هذه الآلام والغصص والفقر وانعدام الأخلاق والجهل, والحروب وسفك الدماء. وكان العالم اليوم متقدّماً ١٠٠ سنة عمّا هو عليه حاليّاً. فأيّ شخص باستطاعته أن ينكر حجم الاستعدادات والقدرات التي أبادتها الضغوط والمحن على مرّ هذه السنوات المتمادية؟ فلولا المحن والضغوط, ولولا الحكومات الطاغوتيّة, لتفتّحت هذه الاستعدادات وانطلقت وأثمرت, ولعمرت الدنيا وتبدّلت عمّا هي عليه حالياًّ.

كيف سُدّ هذا النبع, الذي لو جرى لكان بإمكانه أن يروي الدنيا بأسرها؟ هناك في ذلك الموقف عندما شاهدت بعض هذه الشخصيّات الكبيرة الإمام الحسينعليه السلام يتحرّك وقال لهم: هيّا تحرّكوا, ضربوا كفّاً على كفّ وقالوا له: الآن, الظروف ليست مؤاتية17!! الآن العدوّ قويّ, ولا يصحّ. وعندما قالوا له: الآن، فهم جعلوا الزمان دخيلاً، وجعلوا الظروف دخيلةً.

لم يقل الإمام الحسين "الآن", لا! بل قال: هي وظيفتي, ينبغي أن أقف وأقول الحقّ, يجب أن أنير الأذهان وأذكِّرها. فلو نجحت فهو, وإلّا فإنّي بعملي هذا أُذكِّرهم بما عليهم القيام به, هذا هو منطق الإمام الحسين عليه السلام, فيا ليتهم مضوا معه!18.


30


ضرورة العمل بـ "تكليف اللحظة"
انظروا ما هي حاجة اللحظة؟ هذا هو الفنّ. تعرفون أنّه كان في العالم الإسلاميّ آنذاك الآلاف ممّن يحبّون الحسين بن عليّعليهما السلام وأباه وأمّه وعائلته وآله عليهم السلام, ويعادون يزيدَ واليزيديّين وكلّ الذين شاركوا في واقعة كربلاء, وكانوا حاضرين للجهاد والسعي في ركاب الحسين بن عليّ عليهما السلام, إلّا أنّهم لم يصبحوا حبيبَ بن مظاهر أو زهيراً, أو ذلك الغلام الذي أسلم حديثاً, و كان هناك أشخاص في بني هاشم, لم يصبحوا عليّ الأكبر وأبا الفضل العبّاسعليهما السلام, لماذا؟ لأنّهم لم يكونوا حاضرين في لحظة الحاجة. فعندما أرى أن الدّين محتاج إليّ, ولم أعرف حاجة ذلك الوقت (أي الوقت الذي احتاجني فيه) ولم ألبِّ ولم أجب, فما هي الفائدة من أن أعتبر نفسي مستعدّاً وحاضراً لنصرة الدّين؟

عندما يحتاج المريض إلى ذلك العلاج الفوريّ والدواء الفوريّ, يمكنك التباهي إذا أعطيته ذلك الدواء في تلك اللحظة, وإلّا إذا انقضت اللحظة, فلو أحضرت مئة ضعفٍ من هذا الدواء, فما هي فائدته؟ هذا هو المهمّ19.

معرفة الإمام عليه السلام للزمان

لم يخطئ الإمام الحسين عليه السلام في معرفة الظرف. فقبل واقعة كربلاء, كانت الإمامة والمسؤوليّة في عهدته لمدّة عشر سنوات20. وكان في المدينة يقوم بالأعمال الأخرى, ولم يقم بعمل كربلائيّ, لكنّه بمجرّد


31


أن أتيحت له الفرصة للقيام بهذا العمل المهمّ, أدرك الفرصة وتلقّفها, فقد عرف الوقت ولم يفرّط به21.

تجنّب تأخير التكليف
بعض النّاس لا يقومون بأداء التكليف الذي عليهم في وقته، وأداؤه في أيّ وقت آخر لن تكون له تلك النتيجة, وهذا هو الفرق بين شهداء كربلاء والتوّابين. فشهداء كربلاء استُشهدوا وكذلك التوّابون استُشهدوا أيضاً, ولم تكن الفاصلة الزمنيّة بينهما كبيرة22. إلّا أنّ شهداء كربلاء أصبحوا في قمّة الإنسانيّة, وشهداء التوّابين ليسوا كذلك, والفرق كبير بين مقام هؤلاء مقارنة بأولئك, لماذا؟ لأنّ شهداء كربلاء قد لبّوا نداء الإمام الحسين عليه السلام في وقته (وقت النداء), لكنّ التوّابين لبّوا النداء بعد مضيّ الوقت. وهذا هو الفرق23.

ترك الحجّ من أجل قيام عاشوراء

في جميع الواجبات الشرعيّة، هناك مهمّ وأهمّ. فقد يكون هناك أمر واجب لكنّه مع ذلك يُجعل في الدرجة الثانية ويُترك جانباً, فالحجّ واجبٌ, لكنّ الإمام الحسين عليه السلام استعاض عنه بالعمرة المفردة24.

حتّى لو فُرض أنّ الإمام الحسين كان قد حجّ سابقاً, وأنّ هذا لم يكن حجّه الأوّل ولم يكن واجباً عليه, لكن، من المتيقّن أنّه كان هناك أشخاص


32


من بين أصحابه, كان هذا الحجّ واجباً بالنسبة إليهم, لكنّهم تركوه، وقدِموا معه. فما الذي حدث؟ ولماذا جاؤوا؟

لقد كان السبب هو هذا القيام وهذه المواجهة25.

عاشوراء ومعرفة "حاجة الزمان"

إنّ مشكلة بعض الأفراد والجماعات هي أنّهم ليسوا بلا إيمان, وبلا شوق ومحبّة, لكنّهم ليسوا من أهل معرفة الزمان. ينبغي معرفة اللحظة, ينبغي معرفة الحاجة. لنفرض أنّ أشخاصاً في الكوفة كانت قلوبهم تفيض بالإيمان بالإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام, قلوبهم عامرة بالمحبّة, إلّا أنّهم وردوا الميدان متأخّرين بضعة أشهر26 وقد استُشهدوا جميعاً, وعند الله أجرهم, إلّا أنّ العمل الذي كان عليهم أداؤه لم يكن ذلك العمل الذي قاموا به, لم يعرفوا اللحظة, لم يعرفوا عاشوراء, لم يؤدّوا العمل في الزمان (المطلوب). فلو أنّ التوّابين قاموا بما قاموا به - أي نهضتهم بعد عاشوراء بمدّة - عند مجيء مسلم إلى الكوفة لكانت الأوضاع قد تغيّرت, وكان ممكناً أن يتغيّر مجرى الأحداث بشكل آخر.

إنّ معرفة الوقت وتشخيص اللحظة والقيام بالعمل في وقت الحاجة لَهي أُمورٌ في غاية الأهمّيّة
27.


33


هوامش

1- في لقاء العلماء وطلّاب العلوم الدينيّة, ٧/٥/١٣٧١ش - ٢٩/٧/١٩٩٢ م.
2- في لقاء العلماء وطلّاب العلوم الدينيّة, ٧/٥/١٣٧١ش - ٢٩/٧/١٩٩٢ م.
3- في لقاء عوائل الشهداء،٢٠/٩/١٣٦١ش - ١١/١٢/١٩٨٣ م.
4- تاريخ الطبريّ, ج٤, ص٣٠٤, بحار الأنوار, ج٤٤, ص٣٨٢.
5- كلمته في ١٦/٨/١٣٥٩ش- ٧/١١/١٩٨١ م.
6- تاريخ الطبريّ, ج٤, ص٢٨٩, إعلام الورى, ج١, ص٤٤٥, بحار الأنوار, ج٤٤, ص٣٦٣.
7- بحار الأنوار ج٤٤, ص٣٢٩.
8- تاريخ الطبريّ, ج٤, ص٣٠٤.
9- كلمته في لقاء العلماء وطلّاب العلوم الدينيّة, ٧/٥/١٣٧١ش- ٢٩/٧/١٩٩٢ م.
10- في لقاء العاملين في الجهاد الجامعيّ, ١٠/٦/١٣٦٦ش- ١/٩/١٩٨٨ م.
11- خطبة الجمعة في طهران, ٥/٧/١٣٦٤- ٢٧/٩/١٩٨٦ م.
12- تاريخ الطبريّ, ج٤, ص٣٠٥-٣٠٦.
13- خطبة الجمعة في طهران عاشوراء ١٤١٦-, ١٩/٣/١٣٧٤ش- ٩/٦/١٩٩٥ م.
14- أسد الغابة, ج١, ص٣٤١.
15- الأخبار الطوال, ص٢٤٧-٢٤٨, إعلام الورى, ج١, ص٤٤٧, بحار الأنوار,ج٤٤, ص٣٧٤.
16- تجارب الأمم, ج٢, ص٦١-٦٤, اللهوف, ص٤٧, بحار الأنوار, ج٤٤, ص٣٧٦-٣٧٨.
17- االفتوح, ج٥, ص٢٣-٢٦, مقتل الحسين, الخوارزمي, ج١, ص٢٧٨-٢٨١.
18- في لقاء اتحادات الطلبة الإسلاميّة في مختلف مناطق البلاد, ١٢/٨/١٣٦٤ش- ٣/١١/١٩٨٦ م.
19- في جامعة العلوم الإسلاميّة الرضويّة, ١١/٦/١٣٦٥- ٢/٩/١٩٨٧ م.
20- الهداية الكبرى, ص٢٠١, بحار الأنوار, ج٤٤, ص٢٠١.
21- في لقاء حشود كبيرة من الحرس والتعبئة بمناسبة ولادة الإمام الحسين عليه السلام, ويوم الحرس, ٢/٩/١٣٧٧ش- ٢٣/١٢/١٩٩٩ م.
22- المنتظم, ج٦, ص٣٥-٣٧, بحار الأنوار, ج٤٥, ص٣٥٨-٣٦٢.
23- في لقاء عوائل شهداء قائن, ٨/٦/١٣٧٨ش- ٣٠/٨/١٩٩٩ م.
24- تاريخ الطبريّ, ج٤, ص٢٨٩, الإرشاد, ج٢, ص٦٧, بحار الأنوار, ج٤٥, ص٩٩.
25- في جلسة أسئلة وأجوبة, ٢٦/٢/١٣٦٠ش- ٢٦/٤/١٩٨١ م.
26- أنساب الأشراف, ج٦, ص٣٦٦.
27- في لقاء أعضاء شورى تبليغات إسلامي, ٢٩/١٠/١٣٨٨ش- ١٩/١/٢٠١٠ م.
     
السابق الصفحة الرئيسة التالي