الأمل

الأمل بنصر الله
في يوم عاشوراء، كان بعض أصحاب الإمام الحسين عليه السلام يتحادثون ويتمازحون1! والمزاح أثناء الخطر يدلّ على أنّ قلوبهم كانت مسرورة وساكنة, بمعنى أنّه لم يستولِ عليهم الهمّ والغمّ, وكلّ هذا ببركة هذا الاتكال على الله والاعتماد عليه الذي بيّنه الإمام عليه السلام في هذا الدعاء وفي الأدعية الأخرى: "كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدوّ، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبةً منّي إليك عمّن سواك، ففرّجته وكشفته، وأنت وليّ كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومنتهى كلّ رغبة"2.

إلهي, أنا في كلّ حياتي قد أنزلت بك كلّ شدائدي وقلّة حيلتي, عندما يعجز أي شخص على مساعدتي وتقديم العون لي, عندما يفرح العدوّ ويشمت بشدائدي, وأنت الذي برحمتك وقدرتك تفرّجه عنّي. ولذلك فاليوم أنا لا أشكو من أيّ غمّ مع كلّ خصومة هذا العدوّ المدجّج بالحراب حتّى أسنانه. هذه هي روح الإمام الحسين عليه السلام وهذه الشجاعة والقدرة المعنويّة قد حفظها الحسين بن عليّ عليهما السلام3.


215


عاشوراء, مصدر للأمل عند الشيعة على مرّ التاريخ
لطالما كان شهر المحرّم حامل رسالة على امتداد التاريخ الشيعيّ المضرّج بالدماء. فخلال عصر المحنة الأمويّ والعبّاسي، ذلك العصر الذي ديست فيه القيم الإسلاميّة الرفيعة على أعتاب الارستقراط الأمويّ والعبّاسيّ وبلاط السلطة, في عصر كان الشيعة عشّاق الإمامة والولاية يشاهدون اهتضام الحقوق الإلهيّة الحقّة تحت أقدام وحوش البلاط العبّاسيّ والأمويّ. كان محرّم وعاشوراء، في كلّ مراحل محن التاريخ، هما البوّابة التي تبعث النور والصفاء والحرارة والأمل في قلوب الشيعة، وهذا من أعاجيب مذهبنا وشريعتنا.

إنّ حادثة القتل حادثة مُرّة في العادة.. لكن ما أروع الفكر الشيعيّ الثوريّ المتمرّد, ومدرسة الفداء والجهاد والشهادة التي خلقت من هذه الحادثة الأليمة هيجاناً ونشاطاً وابتهاجاً في قلوب الشيعة, وتفجّر من حادثة وواقعة,- هي بالنسبة إلى الجميع موجبة لليأس - نبعاً فوّاراً بالأمل انسابَ إلى قلوب الموالين.

لقد ضحّى الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه بأنفسهم, في عصر حالك الظلام من القمع والاختناق لا يمكن تحمّله, في مواجهة سلطة متجبّرة. قد ترى العيون الناظرة إلى الأفق القريب نهايةَ الحسين عليه السلام والتنظيم الحسينيّ, إلّا أنّه عليه السلام بقي كبذرة ترقد تحت التراب لتنبت من جديد وتؤتي ثمارها...


216


الأمل الّلامحدود بالله, منطق الإمام الحسين عليه السلام
عندما نقول إنّ الحسين بن عليّ عليهما السلام قد انتصر, فأحد الأدلّة على ذلك أنّ كلّ من جعل المنطق الحسينيّ على طول التاريخ محوراً لعمله انتصر ولا شكّ. المنطق الحسينيّ يعني عدم الخوف من الموت. المنطق الحسينيّ يعني ترجيح الحقّ على الباطل مهما كان الثمن. المنطق الحسينيّ يعني عدم تقليل أصحاب الحقّ وعدم تكثير أهل الباطل مهما كان حجمهم وعددهم4. المنطق الحسينيّ يعني الأمل اللّانهائيّ حتّى لو كانت الآمال تبدو ضئيلة في الظاهر5.


217


هوامش

1- اللهوف، ص57-58, الكامل في التاريخ، ج4، ص60, بحار الأنوار، ج45، ص1.
2- تاريخ الطبريّ، ج4، ص321, الإرشاد, ج2, ص64, بحار الأنوار, ج45, ص4.
3- في خطبة الجمعة, طهران, 5/7/1364ش- 27/9/1986 م.
4- أي عدم اعتبار الحجم والعدد معياراً في الحركة والانتصار.
5- في جمع من عناصر ومسؤولي فيلق الإمام الرضا عليه السلام, 23/5/1367ش- 14/8/1989 م.
     
السابق الصفحة الرئيسة التالي