الفصل الثاني: كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

تمهيد:
اتضح ممّا سبق أنّ إحياء شعائر سيّد الشهداء عليه السلام وإقامة العزاء عليه هو تأسٍّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام والأئمّة الطاهرين عليهم السلام.
 
وأنّها موجبة لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام وعنوان للمودّة والمحبّة لهم عليهم السلام وأداءٌ لحقّهم وأنّها وسيلة لهداية العباد, وأنّها إحياء لرسالة عاشوراء والدّين وأنّها عامل لحفظ القيم الإلهيّة وعنوان التأسّي بالإمام عليه السلام, وأنّها تحرّك ضدّ أعداء الله وموجبة للثواب والمغفرة وباعثة لنيل الكرامات وعناية المعصومين عليهم السلام وشفاعة أهل البيت عليهم السلام وعنوان لتفضيل أمّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأمم.
 
والسؤال المطروح هنا هو:
كيف نقوم بإحياء الشعائر الحسينيّة؟ وفي الجواب لا بدّ من القول بأنّ أيّ شيءٍ يكون مصداقاً واقعيّاً لكلّيّ الشعائر فإنّه مطلوب وراجح، وهذا مذكور في الكثير من الأوامر في الكتب الفقهيّة، حيث إنّ الشارع المقدّس يطلب من المكلّف عملاً كلّيّاً أحياناً, سواء ذكر


75


مصاديقه أو لم يذكرها أصلاً, وعلى كلّ حال فإنّ امتثال ذلك الفرد الجزئيّ يكون امتثالاً لكلّيّ الطلب.
 
وفي باب العزاء والشعائر أيضاً فقد أُمرنا بإقامة العزاء بنحو كلّيّ وقد ذُكرت بعض مصاديقه أحياناً وعليه لو اختلفت مصاديق العزاء وكيفيّته بين الأقوام والأماكن والبلاد المختلفة فإنّها تعدّ جميعها من مصاديق العزاء إن شاء الله تعالى.
 
ومن ثَمَّ فإنّ بعض هذه الشعائر يُعَدُّ من أفعال المعصومين عليهم السلام وبعضها الآخر قد أمروا به في الروايات الواردة عنهم، والبعض منها أيضاً ممضى من قبلهم بدلالة التقرير، وبعضٌ منها تعورف عليه بمرور الزمان بين الشيعة ومورد تأييد الفقهاء وأعاظم الشيعة أيضاً.
 
وثمّة مطلب آخر ها هنا أيضاً, وهو أنّ لهذه الشعائر أبعاداً مختلفة, ولكلّ منها بُعْدُه الخاصّ به حيث إنّ بعضها له بُعد فرديّ, وبعضها له بعد عائليّ, والثالث له بُعد اجتماعيّ, وأخيراً ما له بُعد عالميّ, وحتماً فإنّ هذه الأبعاد قابلة للجمع فيما بينها ولا تضادَّ بينها أصلاً.
 
ومن باب المثال نقول إنّ من المصاديق البارزة للشعائر الفرديّة يمكن الإشارة إلى البكاء على مصائب سيّد الشهداء, فإنّه وإن كانت له أبعادٌ أخرى أيضاً إلّا أنّه بالنسبة للشخص


76


الباكي موجب لتصفية الروح وتوجه القلب والاطمئنان مضافاً إلى الثواب الإلهيّ الكبير الذي ينتظره أيضاً.
 
وفي مجال البُعد العائليّ يمكن التمثيل له بإقامة مجالس العزاء في البيوت والتي تبعث على الارتقاء والرشد الفكريّ والمعنويّ والاعتقاديّ لأفراد العائلة باعتبارها مجتمعاً صغيراً.
 
وأمّا في البعد الاجتماعيّ فإنّ من المصاديق البارزة له يمكن الإشارة إلى مواكب العزاء واللَّطم وتشكيل الهيئات الحسينيّة والتي تبعث على حفظ القيم الدّينيّة والأخلاقيّة في المجتمع, سواء كان على مستوى المدينة أم على مستوى الدولة.
 
وأخيراً في البُعد الدوليّ ذي المجال الأوسع والأشمل فإنّه يمكن في عالمنا المعاصر نشر وتعريف أهداف الإمام الحسين عليه السلام وشخصيّته العظيمة وأفكاره وما قام لأجله، عن طريق الوسائل الحديثة كالفضائيّات والانترنت وغيرها من وسائل الاتصال المعاصر. وحتماً فإنّ مثل هذا العمل سيبعث على نشر الإسلام الحقيقيّ في العالم كلّه وسيكون عاملاً مهمّاً في جذب الناس إلى الإسلام والدخول فيه وإعلان إسلامهم.
 
وما يهمّنا الآن في هذا المختصر أن نبيّن إجمالاً بعض الشعائر الحسينيّة، والتي إن وُفّقنا للقيام بها سابقاً فعلينا العمل والسعي لزيادتها وتوسيعها، وهي:


77


1ـ إقامة مجالس العزاء
عن الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف فيما رُوي عنه في زيارة الناحية مخاطباً جدّه الإمام الحسين عليه السلام: "وأقيمت لك المآتم في أعلى علّيّين".
 
إنّ إحدى الشعائر الحسينيّة والتي لها أهمّيّة كبرى إقامة مجالس العزاء ومجالس ذكر مصيبة سيّد الشهداء عليه السلامفي أيّام العزاء, خصوصاً وفي باقي أيّام السنة عموماً. وهذا الأمر له بركاته العظيمة المعنويّة والماديّة لأهل المجلس والمقيمين له. وستؤدّي هذه المجالس إلى رفع البلاء عن صاحبها وشموله بالخيرات والبركات الإلهيّة.
 
وبغضّ النّظر عن بركات هذه المجالس - وكما أشرنا إليها سابقاً - فإنّ تديّن وإيمان أفراد العائلة سيحفظ ويزيد استحكاماً وقوّة, لأنّه وبكلّ بساطة عندما يقام مجلس عزاء على سيّد الشهداء عليه السلام في المنزل وتذكر مصائب الإمام الحسين عليه السلامفيه فإنّ ذلك المنزل سيُبعد عن الفساد والضلالة ويُصان من الآفات الفكريّة والاعتقاديّة. ومن ثَمَّ فإنّ إقامة المجلس وبغضّ النظر عن موضوعيّته في حدّ ذاته, فإنّه سيبعث على ترتّب بعض الشعائر الأخرى بالإضافة إليه, ومثالاً على ذلك فإنّ إقامة مجلس أهل البيت عليهم السلام سيستتبع بنفسه


78


ذكر المراثي والندبيّات والبكاء وذكر فضائل ومصائب سيّد الشهداء عليه السلام وقد يقوم البعض بإطعام الطعام في مجلسه أيضاً.
 
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الأسلوب قد وصل إلينا بشكل قطعيّ عن طريق أئمّتنا المعصومين عليهم السلام حيث إنّهم سلام الله عليهم أقاموا مجالس العزاء على جدّهم المعظّم عليه السلاموأمرونا بإقامتها أيضاً وشجّعونا على ذلك.
 
يروي أبو الفرج الأصفهانيّ: أنّه لمّا دخل السيّد الحميريّ على الصادق عليه السلام، أقعد حرمه خلف الستر، ثمّ استنشده في رثاء جدّه الحسين عليه السلام فأنشده أبياتاً كثيرةً، قال - أي راوي الحديث - فرأيت دموع جعفر تنحدر على خدّيه, وارتفع الصراخ من داره حتّى أمره بالامساك فأمسك1.
 
وفي رواية أخرى يذكر أبو هارون المكفوف أنّه دخل على الإمام الصادق عليه السلام. فقال له: "يا أبا هارون, أنشدني في الحسين عليه السلام".
 

قال: فأنشدته، فبكى.
 
قال: "أنشدني كما تنشدون - يعني بالرقّة -.
 
قال: فأنشدته:


79


أُمْرُرْ عَلَىْ جَدَثِ الْحُسَيْنِ       فَقُلْ لِأَعْظُمِهِ الْزَّكِيَة
 
قال: فبكى.
 
ثمّ قال: "زدني"، قال: فأنشدته القصيدة الأخرى، قال: فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر2.
 
وفي موضع آخر ورد عن أبي هارون قوله: فبكى وتهايج النساء3.
 
وفي رواية أخرى ورد في سندها أبو عمارة المنشد (الشاعر) قال فيها، قال لي الإمام الصادق عليه السلام: "يا أبا عمارة أنشدني في الحسين عليه السلام"، قال: فأنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى، قال: فوالله ما زلت أنشده ويبكي حتّى سمعت البكاء من الدار4.
 
وفي رواية أخرى ورد في سندها عبد الله بن غالب ذكر فيها أنّه قال: دخلت على أبي عبد الله فأنشدته مرثيّة الحسين عليه السلام فلمّا انتهيت إلى هذا الموضع:

لِبَلِيَّةٍ تَسْقُو حُسَيْناً     بِمِسْقَاةِ الثَّرَى غَيْرَ التُّرَابِ


80


فصاحت امرأة من خلف الستر: وا أبتاه5.
 
وجاء في رواية أيضاً أنّ دعبل بن عليّ لمّا أنشد الرضا عليه السلام تائيّته المشهورة وانتهى إلى قوله:
أَفَاطِمُ لَوْ خِلْتِ الْحُسَيْنَ مُجَدَّلاً      وَقَدْ مَاتَ عَطْشَاناً بِشَطِّ فُرَاتِ
إِذًا لَلَطَمْتِ الْخَدَّ فَاِطِمُ عِنْدَهُ        وَأَجْرَيْتِ دَمْعَ الْعَيْنِ فِي الْوَجَنَاتِ
 
لطمت النساء وعلا صراخ من وراء الستر وبكى الرضا عليه السلام بكاءً شديداً..6.
 
وكذلك روى أنّه: فقام عليه السلام من مكانه وضرب ستراً وقال للنساء: "اجلسن وراء الستر", فأمر دعبل بالقراءة وقال: "من ذرفت عيناه على مصاب جدّي حشره الله يوم القيامة معنا في زمرتنا"7.
 
وفي رواية أخرى ينقل مالك الجهنيّ قول الإمام الباقر عليه السلام في ضمن أعمال يوم عاشوراء لمن كان بعيداً عن القبر الشريف والمطهّر فأراد زيارة الإمام الحسين عليه السلام، قال: " ... ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويأمر من في


81


داره بالبكاء عليه ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً في البيوت وليعزّي بعضهم بعضاً بمصاب الحسين عليه السلام"8.
 
ومن المقطوع به أنّ المجالس الحسينيّة تعدّ من أهمّ وأبرز مصاديق مجالس إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام والتي تقدّمت الروايات في ذكر فضلها.
 
وممّا يجدر ذكره أنّ من خصائص سيّد الشهداء عليه السلام إقامة مجالس العزاء عليه في خمسة أزمنة ماضياً ومستقبلاً, وقد ذكرها الشيخ جعفر الشوشتريّ في كتابه الخصائص الحسينيّة في العنوان السادس، المقصد الرابع مفصّلاً إيّاها بالبيان التالي:
 
الأوّل: قبل خلق آدم عليه السلام.
 
الثاني: بعد خلق آدم عليه السلامإلى ما قبل ولادة الإمام الحسين عليه السلام.
 
الثالث: بعد ولادة الحسين عليه السلامإلى ما قبل شهادته.
 
الرابع: بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام.
 
الخامس: في يوم القيامة.
 
وكذلك ذكر صاحب الخصائص في باب "المجلس الحسينيّ" أنّه يُستفاد من الروايات.
 
وجود أربع عشرة صفة لمجلس عزاء سيّد الشهداء عليه السلام وقد عدّدها كما يلي:


82


1- أنّه مصلّى لله, أي أنّه محلّ صلواته على أهله.

2- أنّه مشهدٌ للملائكة المقرّبين.

3- أنّه محلّ نيل الدعاء من النبيّ والوصيّ والزهراء والمجتبى عليهم السلام.

4- أنّه منظر الحسين عليه السلام (أي أنّ الحسين ينظر إلى أهل المجلس ويراهم).

5- أنّه محلّ خطابه لأهل المجلس ومكالمته معهم.

6- أنّه محبوبٌ للصادق عليه السلام.

7- أنّه عَرَفَة.

8- أنّه المشعر الحرام.

9- أنّه الحطيم (الموضع بين باب الكعبة والحجر الأسود).

10- أنّه مطاف لبيت الله.

11- أنّه مخمّد للنيران المشتعلة.

12- أنّه قبّة الحسين عليه السلام.

13- أنّه منبعٌ لماء في الجنان وهو ماء الحيوان.

14- أنّه يصير تلو مجالس أوّلها قبل الخلق وآخرها في المحشر9.


83


2ـ قراءة المصائب والمراثي في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام
من المصاديق البارزة للشعائر الحسينيّة - والتي لا بدّ للإنسان أن يسأل التوفيق لإقامتها - إنشاد المراثي وذكر المصائب في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام والمراد منها ذكر قصص عاشوراء ومظلوميّة سيّد الشهداء عليه السلام وأصحابه الأوفياء لعموم الناس ليعرفوا ما جرى من ظلمٍ على أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام فتحترق قلوبهم وتذرف دموعهم.

ويمكن القول بشكل قطعيّ إنّ ذكر هذه المصائب يُعتبر من الأمور المؤثّرة جدّاً في بقاء عاشوراء.
 
وقد ورد في بعض الروايات أنّ الله تبارك وتعالى قد أخبر الأنبياء بمصائب سيّد الشهداء عليه السلام.
 
وفي روايات أخرى أنّ جبرائيل عليه السلام أخبر الأنبياء عليهم السلام بتلك المصائب.
 
وورد في بعض الروايات أيضاً أنّ الخمسة الأطهار من أهل البيت عليهم السلام وكذلك الأئمّة المعصومين عليهم السلام أخبروا بتلك المصائب وتحدّثوا عنها، وسوف نشير في هذا المختصر إلى بعض مواردها:
 
الله تعالى يخبـر النبيّ إبراهيم عليه السلام بمصيبة الحسين عليه السلام

في مقطع من رواية عن الإمام الرضا عليه السلام قال فيها: "قال


84


الله تعالى: يا إبراهيم, فإنّ طائفة تزعم أنّها من أمّة محمّد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي. فجزع إبراهيم لذلك وتوجّع قلبه وأقبل يبكي"10.

والنبيّ موسى عليه السلام
 ونقل أنّ نبيّ الله موسى عليه السلامناجى ربّه فقال في مناجاته: "يا ربّ, إنّ فلاناً عبدك الإسرائيليّ أذنب ذنباً ويسألك العفو. قال: يا موسى أعفو عمّن استغفرني إلّا قاتل الحسين. قال موسى: يا ربّ ومن الحسين؟ قال له: الذي مرّ ذكره عليك بجانب الطور. قال: يا ربّ ومن يقتله؟ قال: يقتله أمّة جدّه الباغية الطاغية في أرض كربلاء وتنفر فرسه وتحمحم وتصهل وتقول في صهيلها الظليمة الظليمة من أمّة قتلت ابن بنت نبيّها فيبقى ملقى على وجه الرمال من غير غسلٍ ولا كفن وينهب رحله ويسبى نساؤه في البلدان، ويُقتل ناصره وتُشهر رؤوسهم مع رأسه على أطراف الرماح. يا موسى, صغيرهم يميته العطش وكبيرهم جلده منكمش يستغيثون ولا ناصر ويستجيرون ولا خافر. قال: فبكى موسى عليه السلاموقال: يا ربّ, وما لقاتليه من العذاب. قال يا موسى: عذابٌ


85


يستغيث منه أهل النّار بالنّار, لا تنالهم رحمتي ولا شفاعة جدّه ولو لم تكن كرامة له لخسفت بهم الأرض"11.

النبيّ زكريا عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام
في رواية عن إمام العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف يشير فيها سلام الله عليه إلى قصّة زكريا عليه السلام فيقول: "... وذلك أنّ زكريا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرائيل عليه السلام فعلّمه إيّاها فكان زكريا عليه السلام إذا ذكر محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم وعليّاً وفاطمة والحسن عليهم السلام سُرِّيَ عنه همّه وانجلى كربُه، وإذا ذكر اسم الحسين عليه السلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة فقال عليه السلام ذات يوم: إلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟
 
فأنبأه الله تبارك وتعالى من قصّته فقال:
﴿كهيعص12، فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد وهو ظالم الحسين عليه السلام، والعين عطش، والصاد صبره..."13.
 
جبرائيل يخبر النبيّ آدم عليه السلام بمصيبة الحسين عليه السلام

ورد في الرواية أنّ النبيّ آدم عليه السلام بعد أن أقسم على الله تبارك وتعالى بأسماء الخمسة عليهم السلام قال لجبرائيل الذي


86


لقّنه إيّاها: "يا أخي جبرائيل، في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي، قال جبرائيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب. فقال: يا أخي وما هي (مصيبته)؟ قال: يُقتل عطشانَ غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصرٌ ولا معين، ولو تراه يا آدم وهو يقول: وا عطشاه، وا قلّة ناصراه حتّى يحول العطش بينه وبين السماء كالدّخان, فلم يجبه أحدٌ إلّا بالسيوف وشرب الحتوف، فيُذبح ذبح الشاة من قفاه وينهب رحلَه أعداؤه وتُشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ومعهم النسوان, كذلك سبق في علم الواحد المنّان. فبكى آدم وجبرائيل بكاء الثكلى"14.
 
جبرائيل يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمصيبة الحسين عليه السلام في ليلة المعراج

في رواية مفصّلة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينقلها الإمام الحسن عليه السلام، قال: "أخبرني جدّي، قال: لمّا دخلت ليلة المعراج روضات الجنّات ومررت على منازل أهل الإيمان، رأيت قصرين عاليين متجاورين على صفة واحدة إلّا أنّ أحدهما من الزبرجد الأخضر والآخر من الياقوت الأحمر. فقلت: يا جبرائيل, لمن هذان القصران؟ فقال: أحدهما للحسن عليه السلام والآخر


87


للحسين عليه السلام، فقلت يا جبرائيل: فلم لم يكونا على لون واحد؟ فسكت ولم يردّ جواباً، فقلت: لم لا تتكلّم؟ قال: حياءً منك، فقلت له سألتك بالله إلّا ما أخبرتني، فقال: أمّا خضرة قصر الحسن فإنّه يموت بالسمّ ويخضرّ لونه عند موته. وأمّا حمرة قصر الحسين فإنّه يقتل ويحمّر وجهه بالدم. فعند ذلك بكيا وضجّ الحاضرون بالبكاء والنحيب"15.

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومصيبة الحسين عليه السلام
المستفاد من التاريخ والروايات أنَّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومنذ اليوم الأوّل للميلاد المبارك لسيّد الشهداء عليه السلام وحتّى يوم شهادته وفي مناسبات مختلفة كان يذكر مصيبة ولده الحسين عليه السلام ويرثيه أحياناً فيبكي عليه.
 
ويروي الإمام الرضا عليه السلامعن آبائه عليهم السلام عن الإمام السجاد عليه السلام عن أسماء بنت عميس قولها: لمّا ولدت فاطمة الحسين عليه السلام... دفعته إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في خرقة بيضاء وبعد أن سمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكى ومن ثمّ قال: اللهمّ العن قاتله... ولمّا كان يوم سابعه جاءني النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "هلمّي ابني", فأتيته به... وعقّ عنه... وحلق رأسه وتصدّق بوزن الشعر ومن ثمّ وضع الحسين عليه السلامفي حجره ثمّ قال: "يا أبا عبد الله عزيزٌ عليّ ثم بكى".


88


فقالت أسماء: بأبي أنت وأمّي فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأوّل. فما هو؟
 
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أميّة لعنهم الله، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة..."16.
 
وفي رواية أخرى عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قال: "خرج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى سفرٍ فوقف في بعض الطريق واسترجع
﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ودمعت عيناه فسئل عن ذلك, فقال: هذا جبرائيل يخبرني عن أرض بشطّ الفرات يقال لها كربلاء يُقتل فيها ولدي الحسين وكأنّي أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه بها. وكأنّي أنظر إلى السبايا على أقتاب المطايا، وقد أهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد- لعنه الله- فوالله ما ينظر أحدٌ إلى رأس الحسين ويفرح إلّا خالف الله بين قلبه ولسانه وعذبه الله عذاباً أليماً.
 
ثمّ رجع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مغموماً مهموماً كئيباً حزيناً فصعد المنبر وأصعد معه الحسن والحسين وخطب ووعظ الناس, فلمّا فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحسين وقال: اللهمّ إنّ محمّداً عبدك ورسولك وهذان أطايب عترتي وخيار


89


أرومتي وأفضل ذرّيّتي ومن أخلفهما في أمّتي وقد أخبرني جبرائيل أنّ ولدي هذا مقتولٌ بالسمّ والآخر شهيد مضرّجٌ بالدم اللهمّ فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء. اللهمّ ولا تبارك في قاتله وخاذله وَأَصْلِهِ حرّ نارك واحشره في أسفل درك الجحيم.
 
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "فضجّ الناس بالبكاء والعويل..."17.
 
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "كان الحسين عليه السلام مع أمّه عليها السلام تحمله فأخذه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقال: لعن الله قاتلك ولعن الله سالبك، وأهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك. قالت فاطمة الزهراء عليها السلام: يا أبت أيّ شيءٍ تقول؟ قال: يا بنتاه, ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذٍ في عصبة كأنّهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل وكأنّي أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم. قالت: يا أبة, وأين هذا الموضع الذي تصف؟ قال: موضع يقال له: كربلاء، وهي دار كربٍ وبلاء علينا وعلى الأمّة (الأئمّة) يخرج عليهم شرار أمّتي، لو أنّ أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه وهم المخلّدون في النّار..."18.


90


أمير المؤمنين عليه السلام ومصيبة سيّد الشهداء عليه السلام
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً وفي موارد كثيرة سواءً مع أهل بيته أو مع أصحابه كان يخبرهم عن المستقبل ويذكر لهم مصيبة سيّد الشهداء عليه السلام.
 
رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "مرّ أمير المؤمنين عليه السلام بكربلاء في أناسٍ من أصحابه, فلمّا مرّ بها اغرورقت عيناه بالبكاء ثمّ قال: هذا مناخ ركابهم, وهذا ملقى رحالهم, وهنا تهرق دماؤهم, طوبى لك من تربة عليك تهرق دماء الأحبّة"19.
 
مصيبة الإمام الحسين عليه السلام على لسان أخيه الإمام الحسن عليه السلام

روي عن الإمام الصادق عليه السلامعن أبيه عن جدّه عليهما السلام، قال: "إنّ الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام دخل يوماً إلى الحسن عليه السلامفلمّا نظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي لما يُصنع بك. فقال له الحسن عليه السلام: إنّ الذي يؤتى إليّ سمّ يدسّ إليّ فأُقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله, يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنّهم من أمّة جدّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك


91


وانتهاب ثقلك فعندها تحلّ ببني أميّة اللعنة وتمطر السماء رماداً ودماً ويبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار"20.
 
الإمام الحسين عليه السلام يرثي نفسه

قام سيّد الشهداء عليه السلام نفسه بذكر المصائب التي ستجري عليه أمام الناس، وفي مواضع عديدة:
 
منها لمّا ودّع قبر جدّه صلى الله عليه وآله وسلم, خرج إلى القبر فصلّى ركعتين، فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول: "أللهمّ! إنّ هذا قبر نبيّك محمّد، وأنا ابن بنت محمّد، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، أللهمّ! وإنّي أحبّ المعروف وأكره المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام! بحقّ هذا القبر، ومن فيه (إلّا) ما اخترت من أمري هذا ما هو لك رضى". قال: ثمّ جعل الحسين عليه السلام يبكي، حتّى إذا كان في بياض الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ساعة، فرأى النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قد أقبل في كبكبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتّى ضمّ الحسين عليه السلام إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "يا بنيّ، يا حسين! كأنّك عن قريب أراك مقتولاً مذبوحاً بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمّتي، وأنت في


92


ذلك عطشان لا تُسقى وظمآن لا تُروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة! فما لهم عند الله من خلاق, حبيبي يا حسين! إنّ أباك وأمّك وأخاك قد قدموا عليّ، وهم إليك مشتاقون، وإنّ لك في الجنّة درجات لن تنالها إلّا بالشهادة". فجعل الحسين عليه السلام ينظر في منامه إلى جدّه صلى الله عليه وآله وسلم ويسمع كلامه، وهو يقول: "يا جدّاه! لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا أبداً، فخذني إليك واجعلني معك إلى منزلك". فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "يا حسين! إنّه لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى ترزق الشهادة، وما كتب الله لك فيها من الثواب العظيم، فإنّك وأباك وأخاك وعمّك وعمّ أبيك تُحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنّة". فانتبه الحسين عليه السلام من نومه... فقصّ رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطّلب, فلم يكن ذلك اليوم في شرق ولا غرب أشدّ غمّاً من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا أكثر منه باكياً وباكية21.

وروى أنّه عليه السلام لمّا عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً فقال: "الحمد لله ما شاء الله ولا قوّة إلّا بالله وصلّى الله على رسوله, خُطَّ الموت على وُلد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة, وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه, كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان


93


الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن منّي أكراشاً جوّفاً، وأجربة سغّباً لا محيص عن يوم خطّ بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت نصير على بلائه ويوفّينا أجر الصابرين, لن تشذّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لُحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعده. ألا ومن كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنّني راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى"22.
 
وعن عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام أنّه قال: "إنّي والله لجالس مع أبي في تلك الليلة وأنا عليل وهو يعالج سهاماً له وبين يديه جون مولى أبي ذرٍّ الغفاريّ إذ ارتجز الحسين عليه السلام:
يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيْلِ        كَمْ لَكَ فِي الْإِشْرَاقِ وَالْأَصِيْلِ
مِنْ صَاحِبٍ وَمَاجِدٍ قَتِيْلِ         وَالْدَّهْرُ لَا يَقْنَعُ بِالْبَدِيْلِ
وَالْأَمْرُ فِي ذَاكَ إِلَى الْجَلِيْل      وَكُلُّ حَيٍّ سَالِكُ السَّبِيْلِ"

قال: "وأمّا أنا فسمعته ورددت عبرتي. وأمّا عمّتي فسمعته


94


دون النساء فلزمتها الرّقّة والجزع فشقّت ثوبها ولطمت وجهها وخرجت حاسرة تنادي: وا ثكلاه! وا حزناه! ليت الموت أعدمني الحياة، يا حسيناه, يا سيّداه, يا بقيّة أهل بيتاه, استقلت ويئست من الحياة، اليوم مات جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمّي فاطمة الزهراء وأبي عليّ وأخي الحسن, يا بقيّة الماضين وثمال الباقين. فقال لها الحسين: يا أختي, "لو ترك القطا لنام". قالت: "فإنّما تغتصب نفسك اغتصاباً فذاك أطول لحزني وأشجى لقلبي وخرّت مغشيّاً عليها فلم يزل يناشدها واحتملها حتّى أدخلها الخباء"23.
 
ونقل عن سكينة بنت الحسين عليه السلام أنّها قالت: لمّا قُتل الحسين عليه السلام اعتنقته فأُغمي عليّ فسمعته يقول:
 
شِيعَتِي مَا إِنْ شَرِبْتُم رَيَّ عذب فاذكُروني
 
أوْ سَمِعْتُمْ بِغَرِيبٍ أوْ شَهيدٍ فَانْدبُونِي
 
فقامت مرعوبة قد قُرِّحت مآقيها وهي تلطم خدّيها24.

مراثي السيّدة زينب الكبرى عليها السلام
قامت السيّدة زينب عليها السلام بعد استشهاد أخيها الإمام الحسين عليه السلام وحتّى نهاية عمرها المبارك بذكر مصائب أخيها ورثائه وكانت تبكي ويبكي من حضر في مجلسها.


95


يروي حميد بن مسلم أحداث ما جرى بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام فيقول: فوالله لا أنسى زينب بنت عليّ عليهما السلام وهي تندب الحسين بصوت حزين وقلبٍ كئيب: "وا محمّداه، صلّى عليك مليك السماء، هذا حسين مرمّل بالدماء مقطّع الأعضاء وبناتك سبايا، إلى الله المشتكى وإلى محمّد المصطفى وإلى عليّ المرتضى وإلى حمزة سيّد الشهداء. وا محمّداه, هذا حسين بالعراء يسفي عليه الصبا قتيل أولاد البغايا، يا حزناه يا كرباه! اليوم مات جدّي رسول الله يا أصحاب محمّداه، هؤلاء ذرّيّة المصطفى يساقون سوق السبايا".
 
وورد في بعض الروايات أنّها قالت: "يا محمّداه, بناتك سبايا وذرّيّتك مقتّلة تسفي عليهم ريح الصبا، وهذا حسين مجزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا، بأبي من فسطاطه مقطّع العرى، بأبي من لا هو غائبٌ فيرتجى ولا جريح فيداوى, بأبي من نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتّى قضى، بأبي العطشان حتّى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء, بأبي من جدّه رسول إله السماء، بأبي من هو سبط نبيّ الهدى..."25.

 قال حميد بن مسلم: فأبكت والله كلّ عدوّ وصديق.


96


مراثي الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في عزاء جدّه الإمام الحسين عليه السلام
 
تقدّم معنا في الفصل الأوّل بعضٌ من المراثي وذكر المصائب التي جاءت عن الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف في زيارة الناحية في عزاء جدّه الإمام الحسين، وسوف نشير في هذا الفصل إلى بعض المقاطع الأخرى من هذه الزيارة المفجعة حيث يتابع سلام الله عليه سرده لأحداث عاشوراء فيقول:

"وأسرع فرسك شارداً إلى خيامك محمحماً باكياً فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّاً ونظرن سرجك عليه ملويّاً برزن من الخدور، .. على الخدود، لاطمات الوجوه سافرات وبالعويل داعيات وبعد العزّ مذلّلات وإلى مصرعك مبادرات. والشمر جالس على صدرك مولع سيفه على نحرك قابض على شيبتك بيده، ذابحٌ لك بمهنّده، قد سكنت حواسك وخفيت أنفاسك، ورفع على القنا رأسك، وسبي أهلك كالعبيد وصُفِّدوا في الحديد فوق أقتاب المطيّات، تلفح وجوههم حرّ الهاجرات يساقون في البراري والفلوات أيديهم مغلولة إلى الأعناق، يطاف بهم في الأسواق، فالويل للعصاة الفسّاق، لقد قتلوا بقتلك الإسلام..."26.


97


إنّ أهل البيت عليهم السلام ومضافاً إلى أنّهم أنفسهم يذكرون مصاب سيّد الشهداء عليه السلام وما جرى عليه, واصطلاحاً يقيمون المجالس عليه, فإنّهم أيضاً عندما يرون ويسمعون أحداً ما يقيم المجالس ويتلو المراثي ويذكِّر الناس بمصائب الإمام الحسين عليه السلامفإنّهم يُسرُّون بذلك ويفرحون ويحمدون الله تبارك وتعالى على ذلك ويدعون لمن يقيم العزاء ويشارك فيه.
 
ينقل ابن قولويه أنّ الإمام الصادق عليه السلام ذكر مصائب جدّه الإمام الحسين عليه السلام لعبد الله بن حمّاد البصريّ, وممّا قاله له: "..فإنّه غريب بأرض غربة، يبكيه من زاره، ويحزن له من لم يزره، ويحترق له من لم يشهده، ويرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجله في أرض فلاة، لا حميم قربه ولا قريب، ثمّ منع الحقّ وتوازر عليه أهل الردّة حتّى قتلوه وضيّعوه وعرّضوه للسباع, ومنعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب، وضيّعوا حقّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيّته به وبأهل بيته، فأمسى مجفوّاً في حضرته، صريعاً بين قرابته وشيعته بين أطباق التراب، قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جدّه والمنزل الذي لا يأتيه إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان وعرف حقّنا...".


98


قال عبد الله بن حمّاد: ثمّ قال الإمام الصادق عليه السلام: "بلغني أنّ قوماً يأتونه من نواحي الكوفة وناساً من غيرهم ونساءٌ يندبنه وذلك في النصف من شعبان، فمن بين قارئ يقرأ، وقاصٍّ يقصّ ونادبٍ يندب وقائل يقول المراثي".
 

فقال له عبد الله: فداك نفسي، قد شاهدت بعضاً من ذلك.
 
فقال عليه السلام: "الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عدوّنا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم يهدرونهم (يهذون بهم) ويقبّحون ما يصنعون"27.

3- الإبكاء في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام
إنّ الإبكاء في عزاء سيّد الشهداء عليه السلاميُعتبر من الشعائر الحسينيّة وله منزلة ومقام كبير جدّاً, وسواء كان هذا الإبكاء بسبب المراثي أو مجالس العزاء أو كان العزاء بنحوٍ أوجب بكاء المجتمعين على العزاء والمجالس كلطم الصدور ونحوه، وبشكل عامّ كلّ ما يوجب بكاء الناس وذرف الدموع على سيّد الشهداء عليه السلام. يروي الشيخ الصدوق رحمه الله عن عليّ بن الحسن بن فضّال عن أبيه عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال:


99


"... من ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون..."28.
 
وينقل العلّامة الكبير المجلسيّ رحمه الله عن السيّد ابن طاووس أنّه قال: رُوي عن آل الرسول عليهم السلام أنّهم قالوا: "من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنّة، ومن بكى وأبكى خمسين فله الجنّة ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنّة، ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنّة، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنّة، ومن بكى وأبكى واحداً فله الجنّة، ومن تباكى فله الجنّة"29.
 
وفي رواية قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام لجعفر بن عفّان: "ما من أحدٍ قال في الحسين عليه السلام فبكى أو أبكى إلّا وأوجب الله له الجنّة وغفر له"30.
 
وفي رواية مفصّلة يقول الله تبارك وتعالى فيها لموسى عليه السلام حول سيّد الشهداء عليه السلام: "يا موسى, كتبت رحمة لتابعيه من عبادي واعلم أنّه من بكى عليه أو أبكى أو تباكى حرّمت جسده على النّار"31.


100


4- البكاء على مصائب سيّد الشهداء عليه السلام
من أبرز مظاهر العزاء على سيّد الشهداء عليه السلاموالأنصار والأصحاب الأوفياء للإمام الحسين عليه السلامذرف الدموع والبكاء على مصائب الإمام عليه السلاموفي مجالس العزاء عليه، حيث إنّ البكاء على الإمام الحسين من الفضائل الجديرة بالاهتمام, ولذا فإنّ من كان من أهل البكاء والدمعة لا بدّ له أن يعلم قدر ذلك وقيمته وأن يغبط نفسه ويفتخر لامتلاكه هذه الفضيلة.
 
إنّ البكاء على مصائب الحسين عليه السلامله آثاره الوضعيّة العالية وآثار ماديّة ومعنويّة دنيويّاً وأخرويّاً.
 
ومضافاً إلى هذا فإنّ البكاء على الإمام الحسين عليه السلام هو الإكسير الأعظم (أي دواء ما لا دواء له)، وأنّ الإنسان المؤمن بذرفه لبعض الدموع على الإمام الحسين عليه السلامسيحصِّل المقامات المعنويّة العالية والراقية فضلاً عن أنّ البكاء عليه علامة على سلامة العقل والفطرة الطاهرة والقلب الممتلئ بالعاطفة والرحمة والمروءة والغيرة, يقول الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام لابن شبيب: "يا بن شبيب, إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن عليّ بن أبي طالب"32.


101


وقال سلام الله عليه لإبراهيم بن أبي محمود: "فعلى مثل الحسين فليبك الباكون"33.
 
وقد ورد في الروايات المعتبرة آثارٌ وفضائل قيمة للبكاء وسوف نشير ها هنا إلى بعض مواردها:
أ ـ روى زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال له: "يا زرارة إنّ السماء بكت على الحسين عليه السلام أربعين صباحاً بالدم، وإنّ الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد، وإنّ الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، وإنّ الجبال تقطّعت وانتشرت، وإنّ البحار تفجّرت، وإنّ الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين عليه السلام... وكان جدّي إذا ذكره بكى حتّى تملأ عيناه لحيته وحتّى يبكي لبكائه رحمة له من رآه، وإنّ الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كلّ من في الهواء والسماء من الملائكة... وما من عين أحبّ إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه، وما من باكٍ يبكيه إلّا وقد وصل فاطمة عليها السلام وأسعدها عليه ووصل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأدّى حقّنا، وما من عبد يحشر إلّا وعيناه باكية إلّا الباكين على جدّي الحسين عليه السلام فإنّه يحشر وعينه قريرة والبشارة تلقاه، والسرور بيّنٌ على


102


وجهه، والخلقُ في الفزع وهم آمنون والخلق يعرضون وهم حدّاث الحسين عليه السلام تحت العرش وفي ظلّ العرش لا يخافون سوء الحساب، يقال لهم: ادخلوا الجنّة فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه. وإنّ الحور لترسل إليهم: إنّا قد اشتقناكم مع الولدان المخلّدين, فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور والكرامة، وإنّ أعداءهم من بين مسحوب بناصيته إلى النّار، ومن قائلٍ ما لنا من شافعين ولا صديق حميم وإنّهم ليرون منازلهم وما يقدرون أن يدنوا إليهم ولا يصلون إليهم، وإنّ الملائكة لتأتيهم بالرسالة من أزواجهم ومن خدّامهم على ما أعطوا من الكرامة، فيقولون: نأتيكم إن شاء الله، فيرجعون إلى أزواجهم بمقالاتهم فيزدادون إليهم شوقاً إذا هم خبّروهم بما هم فيه من الكرامة وقربهم من الحسين عليه السلام فيقولون: الحمد لله الذي كفانا الفزع الأكبر وأهوال القيامة ونجّانا ممّا كنّا نخاف. ويؤتون بالمراكب والرحال على النجائب، فيستوون عليها وهم في الثناء على الله والحمد لله والصلاة على محمّد وآله حتّى ينتهوا إلى منازلهم"34.


103


ب ـ روى مسمع بن عبد الملك كردين البصريّ عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال له: "ما بكى أحدٌ رحمة لنا ولما لقينا إلّا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دموعه على خدّه فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لاطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حَرّ"35.
 
ج ـ روى محمّد بن مسلم عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام عن أبيه الإمام السجّاد عليه السلام أنّه قال: "أيّما مؤمنٍ دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليّ عليهما السلام دمعة حتّى تسيل على خدِّه بوَّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيّما مؤمنٍ دمعت عيناه حتّى تسيل على خدِّه فينا لأذى مسّنا من عدوّنا في الدنيا بوّأه الله في الجنّة مبوّأ صدقٍ، وأيّما مؤمنٍ مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه من مضاضة ما أوذي فينا، صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه ومن النّار"36.

دـ روى أبو هارون المكفوف عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "وَمَنْ ذُكر الحسين عليه السلام عنده فخرج من عينيه من


104


الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله - عزَّ وجلَّ- ولم يرض له بدون الجنّة"37.
 
هـ ـ قال الإمام الصادق عليه السلام لعبد الله بن بكير: "... إنّ الحسين عليه السلام مع أبيه وأمّه وأخيه في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه يرزقون ويحبرون وإنّه لعلى يمين العرش متعلّقٌ به يقول: يا ربّ, أنجز لي ما وعدتني، وإنّه لينظر إلى زوّاره وإنّه أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وما في رحالهم من أحدهم بولده، وإنّه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: أيّها الباكي, لو علمت ما أعدّ الله لك لفرحت أكثر ممّا حزنت وإنّه ليستغفر له من كلّ ذنبٍ وخطيئة"38.
 
و ـ روى الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر"39.
 
ز ـ روى الفضيل بن فضالة عن الإمام الصادق عليه السلامأنّه قال: "مَنْ ذُكرنا عنده ففاضت عيناه حرّم الله وجهه على النّار"40.


105


ح ـ روى الحسن بن فضّال عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة, ومن ذُكِّر بمصابنا وبكى وأبكى لم تبك عيونه يوم تبكي العيون"41.
 
ط ـ ورد في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "شيعتنا منّا وقد خُلقوا من فاضل طينتنا وعُجنوا بنور ولايتنا ورَضوا بنا أئمّة ورَضينا بهم شيعة، يصيبهم ما أصابنا (وتُبكيهم مصائبنا) ويُحزنهم حزننا ويَسرّهم سرورنا ونحن أيضاً نتألّم بتألمّهم ونطّلع على أحوالهم, فهم معنا لا يفارقونا ونحن لا نفارقهم...", ثمّ قال: "اللهمّ إنّ شيعتنا منّا فمن ذكر مصابنا وبكى لأجلنا استحى الله أن يعذّبه بالنّار"42.
 
ي ـ روى إبراهيم بن أبي محمود عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام"43.


106


ك ـ روى الريّان بن شبيب عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "... يا بن شبيب، إن بكيت على الحسين حتّى تصير دموعك على خدّيك غفر الله لك كلّ ذنبٍ أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً"44.
 
ل ـ نقل العلّامة الكبير المجلسيّ رواية ورد فيها أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال لابنته السيّدة الزهراء عليها السلام: "يا فاطمة, إنّ نساء أمّتي (يبكين) على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة، فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء، وأنا أشفع للرجال، وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة، يا فاطمة، كلّ عين باكية يوم القيامة إلّا عين بكت على مصاب الحسين فإنّها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنّة"45.
 
ن- عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "قال الحسين عليه السلام: أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلّا بكى"46.


107


توضيح: العبرة - بالفتح فالسكون -: وهي تجلّب الدمع، أو تردّد البكاء في الصدر47. وقوله: "أنا قتيل العبرة" أي: القتيل الّذي تسكب عليه العبرات، كما قال صلوات الله عليه: "أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلّا استعبر"48، ومن هذا القبيل قول الإمام الصّادق عليه السلام: "نظر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحسين بن عليّ عليهما السلام وهو مقبل، فأجلسه في حجره، وقال: إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً، ثمّ قال عليه السلام: بأبي قتيل كلّ عبرة"، قيل: وما قتيل كلّ عبرة يا بن رسول الله؟ قال: "لا يذكره مؤمن إلّا بكى"49، فتكون إضافة العبرة إليه من باب تأكيد الصلة بين ذكر مقتله وبين البكاء، كقول الشاعر:

فَابكِ دَماً عَلَى قَتِيلِ العَبْرَه        وَالسَّيِّدِ السِّبْطِ شَهِيدِ العِتْرَه
عَبْرَةُ كُلِّ مُؤمِنٍ وَمُتَّقِي            فَمَا بَكَى بَاكٍ عَلَيْهِ فَشَقِي
وَإنْ يَفُتْكَ أنْ تَكُونَ بَاكِي           فَلا يَفُتْكَ الأَجْرُ بِالتَباكِي50


108


5- الجزع والحزن في عزاء سيّد الشهداء
ورد في دعاء الندبة قوله عليه السلام: "فعلى الأطائب من أهل بيت محمّد وعليّ صلّى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون وإيّاهم فليندب النادبون، ولمثلهم فلتذرف الدموع وليصرخ الصارخون ويضجّ الضاجّون ويعجّ العاجّون... أين الطالب بدم المقتول بكربلا... هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء، هل من جَزوع فأساعد جزعه إذا خلا...؟".
 
من مظاهر العزاء على سيّد الشهداء والتي لها أهمّيّة كبرى، الجزع على مصائب الإمام الحسين عليه السلام، إذ وكما يُستفاد من الروايات, فإنّ للجزع عليه مكانة مهمَّة في الشعائر الحسينيّة, روى مالك الجهنيّ عن الإمام الباقر عليه السلام قوله في أعمال يوم عاشوراء: "... ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه، ويأمر من في داره بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً بمصاب الحسين"51.
 

وروى عليّ بن أبي حمزة عن الإمام الصادق عليه السلامأنّه قال: "إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ عليهما السلام فإنّه فيه مأجور"52.


109


ومن ثَمَّ فإنّ أهل البيت عليهم السلام وفي مورد دعائهم لشيعتهم والمقيمين للعزاء خصّوا بالذكر أهل الجزع على الإمام الحسين عليه السلام، فقد ورد في صحيحة معاوية بن وهب أنّ الإمام الصادق عليه السلامتوجّه نحو الله قائلاً: "... فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلّبت على حفرة (قبر) أبي عبد الله عليه السلام، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم الصرخة التي كانت لنا"53.
 
وروى مسمع بن كردين أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال له: "يا مسمع, أنت من أهل العراق، أما تأتي قبر الحسين عليه السلام؟" قلت: لا. أنا رجل مشهور عند أهل البصرة وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة، وعدوّنا كثير من أهل القبائل من النُّصَّاب وغيرهم ولست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيمثّلون بي. قال لي: "أفما تذكر ما صنع به؟" قلت: نعم. قال: "فتجزع؟", قلت: إي والله، واستعبر لذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ، فامتنع عن الطعام حتّى يستبين ذلك في وجهي.قال: "رحم الله دمعتك، أما أنّك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون


110


لخوفنا، ويأمنون إذا أَمِنَّا، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك، ووصيّتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارة أفضل، وملك الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمة لك من الأمّ الشفيقة على ولدها"54.
 
وكما تقدّم معنا فإنّ رأس سلسلة أهل الجزع على مصائب سيّد الشهداء عليه السلام قبل شهادته هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمّا بعد شهادته فقد واصل هذا الطريق الإمام السجّادعليه السلام, وفي هذا الصدد يَروي قدامة بن زائدة عن أبيه عن الإمام السجّادعليه السلام: "وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله، وحُملت حرمه ونساؤه على الأقتاب، يراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا، فعظم ذلك في صدري، واشتدّ لما أرى منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج وتبيّنت ذلك منّي عمّتي زينب الكبرى بنت عليّ عليهما السلام فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي؟. فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيّدي وإخوتي وعمومتي وولد عمّي وأهلي مضرّجين بدمائهم مرمّلين بالعراء، مسلّبين لا يكفّنون، ولا يوارون، ولا يعرّج عليهم أحد ولا يقربهم بشر، كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر؟!"55.


111


وينقل الشيخ المفيد رواية عن الإمام السجّاد عليه السلام، قال فيها: "إنّي لجالس في تلك العشيّة التي قتل أبي في صبيحتها وعندي عمّتي زينب تمرّضني، إذ اعتزل أبي في خباء له... وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول: يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيْلِ...
 
وأمّا عمّتي (زينب عليها السلام) فإنّها سمعت ما سمعت وهي امرأة، ومن شأن النساء الرّقّة والجزع... حتّى انتهت إليه فقالت: واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة...
 
ثمّ لطمت وجهها وهوت إلى جيبها فشقّته وخرّت مغشيّاً عليها"56.
 
هذا ويستفاد من زيارة الناحية - التي تقدّم ذكر بعض مقاطعها - أنّ مولانا المظلوم إمام العصر والزمان
عليه السلام وفي عصر هذه الغيبة المظلم فإنّه عليه السلام يجزع على جدّه الغريب من كثرة البكاء والتأوّه وألم المصيبة.
 

6- التباكي على الإمام الحسين
عليه السلام

المراد من التباكي: إظهار البكاء باستشعار الحزن في القلب وحثّ النفس على البكاء, أو فعل تكلّف البكاء, وليكن ذلك بدافع التقرّب إلى الله جلَّ وعلا ليكون عبادة, لا بدافع الرياء


112


والسمعة وإيهام الناس أنّه يبكي. والتباكي هنا كالتباكي من خشية الله, على ما في وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذرّ: "يا أبا ذرّ, من استطاع أن يبكي قلبه فليبك, ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن وليتباك"57.
 

إنّ دائرة الشعائر الحسينيّة واسعة إلى حدّ شمولها لمن أظهر العزاء والتباكي على مصائب سيّد الشهداءعليه السلامولذا فإنّه يعدّ ممّن يقيم العزاء ويشمله شعاع الرحمة والثواب الإلهيّ، وفي هذا المجال ينقل العلّامة المجلسيّ عن ابن طاووس رواية عن الأئمّة الطاهرين عليهم السلام قالوا فيها: "من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنّة... من بكى وأبكى واحداً فله الجنّة، ومن تباكى فله الجنّة"58.
 
وذكر الشيخ جعفر الشوشتريّ في الخصائص رواية تقول: "من بكى أو أبكى أو تباكى وجبت له الجنّة"59.
 
وفي ضمن رواية مفصّلة - تقدّم ذكرها - فإنّ الله تبارك وتعالى يخاطب النبيّ موسىعليه السلام
حول سيّد الشهداءعليه السلام، قال: "... واعلم أنّ من بكى عليه أو أبكى أو تباكى، حرّمت جسده على النّار"60.


113


وفي رواية أخرى - تقدّم ذكرها مفصّلاً - فإنّ الحقّ تبارك وتعالى يخاطب موسى عليه السلام أيضاً، قائلاً له: "... يا موسى، ما من عبدٍ، من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى وتعزّى على ولد المصطفى إلّا و كانت له الجنّة ثابتاً فيها"61.

7- لطم الصدور في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام
ومن مظاهر العزاء التي لها تأثير مهمّ وكبير ومشهور بين الرجال والنساء من المؤمنين لَطْمُ على الصدور وهو أمر متعارفٌ بين الكبار والصغار رجالاً ونساءً بل وحتّى عند الأطفال أنّ اللطم من الشعائر التي قام بها أهل البيت عليهم السلام في عزاء سيّد الشهداء عليه السلامبل ورد أنّ الحور العين أيضاً شاركت في اللطم على مصيبة الإمام الحسين عليه السلام.
 
وينقل الشيخ الطوسيّ رواية عن خالد بن سدير عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ولقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود الفاطميّات على الحسين بن عليّ عليهما السلام وعلى مثله تلطم الخدود وتشقّ الجيوب"62.
 
وكذلك يروي الشيخ الصدوق أنّه عندما أنشد دعبل قصيدته التائيّة المشهورة في محضر الإمام الرضا عليه السلام، وعندما وصل إلى هذا المقطع:


114


أَفَاطِمُ لَوْ خِلْتِ الْحُسَيْنَ مُجَدَّلاً   وَقَدْ مَاتَ عَطْشَاناً بِشَطِّ فُرَاتِ‏
إِذاً لَلَطَمْتِ الْخَدَّ فَاطِمُ عِنْدَهُ‏     وَأَجْرَيْتِ دَمْعَ الْعَيْنِ فِي الْوَجَنَاتِ‏
 
قال: لطمت النساء وجوههن وعلا الصراخ من وراء الستر وبكى الرضا عليه السلام..63.
 
وفي مقطع من زيارة الناحية للإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ورد فيها قوله: "... فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّاً، ونظرن سرجك عليه ملويّاً، برزن من الخدور، .. على الخدود لاطمات, الوجوه سافرات وبالعويل داعيات وبعد العزّ مذلّلات وإلى مصرعك مبادرات"64.
 

ويذكر السيّد ابن طاووس في أحداث عصر عاشوراء قوله: "فلمّا نظرن النسوة إلى القتلى صحن وضربن وجوههن"65.
 
وجاء في زيارة الناحية الصادرة عن إمام العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف: "وأقيمت لك المآتم في أعلى علّيّين، ولطمت عليك الحور العين"66.


115


إنّ الروايات الواردة في اللطم جاءت على نحوين حيث صرّح بعضها بلطم الخدّ، وأمّا بعضها الآخر فقد ذكر مطلق اللطم.
 
وقد أشارت كتب اللغة إلى أنّ اللطم يشمل لطم الخدّ ولطم الصدر. والجدير ذكره أنّ لطم الخدّ أكثر إيلاماً ووجعاً من لطم الصدر. ولا بدّ أن لا ننسى هذه النكتة ومفادها أنّه يمكن القول وكما يستفاد من كتب اللغة أنّ اللطم الواقعيّ يصدق على أيّ موضع سواء كان الخدّ أو الصدر..
 
ونقل الطبري في "تاريخه" بقوله: قال أبو مخنف: حدّثني الحارث بن كعب وأبو الضحّاك، عن عليّ بن الحسين، قال: "إنّي جالس في تلك العشيّة الّتي قتل أبي صبيحتها، وعمّتي زينب عندي تمرّضني، إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء لـه، وعنده حُوَيّ، مولى أبي ذرّ الغفاريّ وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:

يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيْلِ       كَمْ لَكَ فِي الْإِشْرَاقِ وَالْأَصِيْلِ
مِنْ صَاحِبٍ وَمَاجِدٍ قَتِيْلِ        وَالْدَّهْرُ لَا يَقْنَعُ بِالْبَدِيْلِ
وَالْأَمْرُ فِي ذَاكَ إِلَى الْجَلِيْلِ     وَكُلُّ حَيٍّ سَالِكُ السَّبِيْلِ"

قال: "فأعادها مرّتين، أو ثلاثاً، حتّى فهمتها، فعرفت ما


116


أراد، فخنقتني عبرتي، فرددت دمعي، ولزمت السكون، فعلمت أنّ البلاء قد نزل، فأمّا عمّتي فإنّها سمعت ما سمعت، وهي امرأة، وفى النساء الرقّة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها، وإنّها لحاسرة، حتّى انتهت إليه، فقالت: وا ثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة أمّي، وعليّ أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضي، وثِمال الباقي". قال: "فنظر إليها الحسين عليه السلام، فقال: يا أخيّة، لا يُذهبنّ حِلمَكِ الشيطان، قالت: بأبي أنت وأمّي يا أبا عبد الله، استقتلت، نفسي فداك، فردّ غصّته، وترقرقت عيناه، وقال: لو ترك القطا ليلاً لنام، قالت: يا ويلتي، أفتغصب نفسك اغتصاباً! فذلك أقرح لقلبي، وأشدّ على نفسي، ولطمت وجهها، وأهوت إلى جيبها وشقّته، وخرّت مغشيّاً عليها"67.
 
ورواها الشيخ المفيد في "إرشاده"، والطبرسيّ في "إعلام الورى"68.
 
وأمّا ما ورد في ذيلها من قول الإمام الحسين عليه السلام للعقيلة زينب عليها السلام: "يا أخيّة، إنّي أقسم عليك، فأبرّي قسمي: لا تشقّي عليّ جيباً، ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور، إذا أنا هلكت"، فهو لا يصلح لإثبات الحرمة،


117


أو الكراهة, من جهة ضعف سنده، ولمخالفته لإجماع الطائفة، مضافاً إلى معارضته لنصوص مصرّحة بجواز ذلك في مأتم الإمام الحسين عليه السلام، وغيره من الأئمّة عليهم السلام.
 
هذا، وقد يقال في توجيه دلالته - بحيث يتناسب مع الجواز -: إنّ قوله عليه السلام ذلك من باب شفقته على أخته وأهله وعياله، أو من جهة الخوف من شماتة الأعداء، بقرينة قوله عليه السلام: "مهلاً، لا تشمتي القوم بنا"69.
 
8- زيارة سيّد الشهداء عليه السلام

تعتبر زيارة سيّد الشهداءعليه السلام من أهمّ وأكبر مظاهر الشعائر الحسينيّة، وقد اهتمّ أهل بيت العصمة والطهارة عليهم الصلاة والسلام اهتماماً كبيراً فذكروا فضائلها، وأكّدوا عليها مراراً وتكراراً وفي مناسبات مختلفة، وحثّوا الناس ورغّبوهم فيها وأشاروا إلى الكثير من فضائلها.
 
وإنّ تأكيد الأئمّة عليهم السلام على الالتزام بالزيارة وصل إلى حدّ استفاد منه بعض العظماء القول بوجوبها مرّة واحدة في السنة على القادرين والميسورين.
 
وممّا يجدر ذكره أنّ المستفاد من الروايات أمران: أوّلهما الإيصاء بمطلق الزيارة وهذا ينطبق على كلّ زمان، وثانيهما


118


ورود الأمر بالزيارة في بعض المناسبات والأيّام المخصوصة.
 
وسوف نشير فيما يلي إلى ما ورد في كتب الأصحاب بناءً على الروايات الشريفة.

1- في ليالي الجمعة.

2- أيّام الجمعة.

3- الليلة الأولى من شهر رجب.

4- اليوم الأوّل من شهر رجب.

5- ليلة النصف من شهر رجب.

6- يوم النصف من شهر رجب.

7- اليوم الثالث من شهر شعبان.

8- ليلة النصف من شهر شعبان.

9- يوم النصف من شهر شعبان.

10- تمام أيّام شهر رمضان المبارك.

11- الليلة الأولى من شهر رمضان.

12- ليلة النصف من شهر رمضان.

13- ليالي القدر.

14- أيّام القدر.

15- الليلة الأخيرة من شهر رمضان.

16- العشر الأواخر من شهر رمضان.

17- ليلة عيد الفطر.


119


18- يوم عيد الفطر.

19- ليلة يوم عرفة.

20- يوم عرفة.

21- ليلة عيد الأضحى.

22- يوم عيد الأضحى.

23- أيّام التشريق (الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجّة).

24- يوم عيد الغدير.

25- يوم المباهلة.

26- يوم نزول آية هل أتى.

27- ليلة عاشوراء.

28- يوم عاشوراء.

29- يوم الثالث عشر من المحرّم.

30- يوم الأربعين.

31- مساء كلّ يوم جمعة (ليالي السبت).

32- يوم عيد النوروز.
 
وبناءً على هذا فإنّه وفي طول أيّام السنة لدينا ما يقرب من 240 زيارة خاصّة. نعم ربّما تتداخل بعض هذه الأيّام والزيارات مع بعضها البعض إلّا أنّ الأثر والثواب الخاصّ على تلك الزيارات يترتّب معاً. ومثالاً على ذلك إذا صادف ليلة يوم الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك (ليلة القدر)


120


مع ليلة الجمعة مع عيد النوروز فإنّه يترتّب على ذلك خمس زيارات مخصوصة. أوّلها بعنوان ليلة الجمعة والثانية بعنوان ليلة القدر، والثالثة بعنوان مطلق شهر رمضان والرابعة بلحاظ العشر الأواخر من شهر رمضان والخامسة بلحاظ عيد النوروز.
 
ومن الواضح أنّ فضائل وآثار زيارة وزائر الإمام الحسين عليه السلامكبيرة جدّاً ولا يسعها هذا المختصر بل إنّها تحتاج إلى كتاب كبير ومستقلّ لذكرها، ولكن رعاية للاختصار سوف نشير إلى بعضها:
 
ورد في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "... ولو يعلمون ما في زيارته من الخير ويعلم ذلك الناس لاقتتلوا على زيارته بالسيوف، ولباعوا أموالهم في إتيانه"70.
 
وفي رواية أخرى قال سلام الله عليه لصفوان: "أهون ما يكسب زائر الحسينعليه السلامفي كلّ حسنة ألف ألف حسنة، والسيئة واحدة، وأين الواحدة من ألف ألف؟". ثمّ قال: "يا صفوان, أبشر فإنّ لله ملائكة معها قضبان من نور فإذا أراد الحفظة أن تكتب على زائر الحسين عليه السلام سيّئة، قالت الملائكة للحفظة: كُفّي، فتكفّ، فإذا عمل حسنة، قالت لها: اكتبي، أولئك الذين يبدّل الله سيئاتهم حسنات"71.


121


وقال سلام الله عليه في رواية أخرى لأبان بن تغلب: "من زار الحسين عليه السلام كتب الله له بكلّ خطوة حسنة ومحا عنه بكلّ خطوة سيّئة، وغفر له ما تقدّم من ذنب وما تأخّر"72.
 

وقال سلام الله عليه أيضاً لصفوان: "ولو يعلم زائر الحسين عليه السلام ما يدخل على رسول الله، وما يصل إليه من الفرح وإلى أمير المؤمنين وإلى فاطمة والأئمّة والشهداء منّا أهل البيت وما ينقلب به من دعائهم له، وما له في ذلك من الثواب في العاجل والآجل، والمذخور له عند الله، لأحبّ أن يكون ما ثمَّ داره ما بقي. وإنّ زائره ليخرج من رحله فما يقع فيؤه على شي‏ء إلّا دعا له، فإذا وقعت الشمس عليه أكلت ذنوبه كما تأكل النّار الحطب, وما تبقي الشمس عليه من ذنوبه شيئاً فينصرف وما عليه ذنب وقد وقع له من الدرجات ما لا يناله المتشحّط بدمه في سبيل الله، ويوكل به ملك يوم مقامه ويستغفر له حتّى يرجع إلى الزيارة أو يمضي ثلاث سنين أو يموت"73

وقال الإمام الرضا عليه السلام في رواية للحسين بن محمّد القمّي، قال له: "من زار قبر أبي عبد الله عليه السلام بشطّ الفرات كان كمن زار الله فوق عرشه"74.


122


وكذلك ورد في فضيلة زيارة سيّد الشهداء عليه السلام في يوم عرفة رواية عن الإمام الصادق قال فيها ليونس ابن ظبيان: "من زار قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة كتب الله له ألف ألف حجّة مع القائم وألف ألف عمرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعتق ألف ألف نسمة وخملان ألف ألف فارس في سبيل الله، وسماه الله عزَّ وجلَّ: عبدي الصدّيق آمن بوعدي وقالت الملائكة، فلان صدّيقٌ زكّاه الله من فوق عرشه وسمّى في الأرض كروبيّاً75"76.
 
ورُوي عن الإمام الصادق عليه السلام حول فضيلة زيارة الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء أنّه قال: "من زار قبر الحسين عليه السلام يوم عاشوراء أو بات عنده كان كمن استشهد بين يديه"77.
 
وكما أنّ زيارة الشخص بنفسه لها فضائل كثيرة كذلك فإنّ الاستنابة في الزيارة لها فضائلها وثوابها أيضاً كما ذكر الشيخ جعفر الشوشتريّ وخاصّة لمن لا يقدر أو يوفّق للزيارة بنفسه.
 
وذكر أنّ الاستنابة تارة تكون بإرسال نائب عنه للزيارة


123


وتارة ثانية تكون بتهيئة أسباب السفر لأيّ شخص فيوفّق لزيارة الإمام عليه السلام، وتارة ثالثة بأن يزور الإنسان زوّار الإمام الحسين عليه السلام.
 
وهناك طريق آخر وهو أن يقوم الإنسان بزيارة سيّد الشهداء عليه السلام عن بعدٍ بأن يتوجّه إلى قبر الحسين عليه السلام فيزوره ويسلّم عليه. وقد ورد هذا المعنى في رواية زيارة عاشوراء المعروفة، حيث إنّ الإمام الباقرعليه السلام قال لعلقمة "إن استطعت أن تزوره في كلّ يوم بهذه الزيارة من دارك فافعل فلك ثواب جميع ذلك إن شاء الله تعالى"78.
 
وفي مقابل كلّ ذلك قد ورد الذم لمن يُعرِض عن زيارة سيّد الشهداء عليه السلام في الكثير من الروايات ولمناسبة الموضوع سوف نشير إلى البعض منها:
 
أ - "كان منتقص الإيمان وإن دخل الجنّة كان دون المؤمنين في الجنّة"79.
 
ب - "فليس هو لنا بشيعة، وإن كان من أهل الجنّة فهو من ضيفان أهل الجنّة"80.


124


ج - "من ترك الزيارة من غير علّة فهو رجل من أهل النّار"81.
 
د - "من ترك الزيارة وهو قادر على ذلك فقد عقّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعقّنا"82.
 
هـ - "كان تاركاً حقّاً من حقوق الله تعالى وحقوق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"83.
 
و - "أنّه جفاء للحسين عليه السلام"84.
 
ز - "من لم يزر قبر الحسين عليه السلام فقد حرم خيراً كثيراً، ونقص من عمره سنة"85.

9- المشي إلى الزيارة
وهذا العمل من المؤمنين راجح شرعاً بأعلى مراتب الرجحان, للروايات الكثيرة المستفيضة الدالّة على ذلك:
 
منها: عن أبي سعيد القاضي، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام في غريفة له - وعنده مرازم - فسمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشياً كتب الله له بكلّ قدم يرفعها ويضعها, عتق رقبة من ولد إسماعيل"86.


125


ومنها: عن أبي الصامت، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام وهو يقول: "من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيّئة، ورفع له ألف درجة"87.
 
ومنها: عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "من زار الحسين عليه السلام من شيعتنا لم يرجع حتّى يغفر له كلّ ذنب، ويكتب له بكلّ خطوة خطاها، وكلّ يد رفعتها دابّته، ألف حسنة، ومحي عنه ألف سيّئة، وترفع له ألف درجة"88.
 
ومنها: عن بشير الدهّان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "إنّ الرجل ليخرج إلى قبر الحسين عليه السلام، فله إذا خرج من أهله بأوّل خطوة مغفرة ذنوبه، ثمّ لم يزل يقدّس بكلّ خطوة حتّى يأتيه، فإذا أتاه ناجاه الله تعالى، فقال: عبدي سلني أعطك، ادعني أجبك، اطلب منّي أعطك، سلني حاجة أقضها لك"، قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام: "وحقّ على الله أن يعطي ما بذل"89.
 
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالّة على فضيلة المشي لزيارة الحسين عليه السلام.


125


10- نظم الشعر والنثر في مصاب سيّد الشهداء عليه السلام
لا ريب في أهمّيّة الشعر في المجتمع البشريّ في جذب القلوب، وتسخير العقول، وبثّ روح النشاط، وتحريك الإرادة الخاملة في نفس وروح مستمعه، بحيث يجعله كأنّه يعيش الواقعة، وكأنّه يراها أمام عينيه، فهو بمثابة وسيلة إعلاميّة، يستطيع الشاعر من خلالها لفت أنظار الناس إليه، وتبيين الحقّ، والدعوة إليه، ودحض الباطل، وكشف حقيقته، ‏ولهذا عدّ أعظم دعاية وتبليغ وإعلام، خصوصاً في تلك العصور, حيث كان سيفاً صارماً، بيد موالي أئمّة الدّين، وسهماً مغرقاً في أكباد أعداء الله، ومجلّة دعاية إلى ولاء آل الله في كلّ صقع وناحية، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - لمّا سئل عن الشعراء - قال: "إنّ المؤمن مجاهد بسيفه ولسانه، والّذي نفسي بيده لكأنّما ينضحونهم بالنبل"90.
 
وعن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحسّان ابن ثابت: "اهج المشركين، فإنّ جبرئيل معك"91.


126


وعن الكميت بن زيد الأسديّ، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقال: "والله يا كميت، لو كان عندنا مال لأعطيناك منه، ولكن لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحسّان بن ثابت: لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا"92.
 
ولهذه الغايات الجليلة السامية نجد أئمّة أهل البيت عليهم السلام قد أولوا هذا الموضوع اهتماماً بالغاً، فكانوا يكرمون شعراءهم، ويبذلون لهم المال ممّا يغنيهم به عن التكسّب والاشتغال
بغير هذه المهمّة، ويقرعون مسامعهم بتلك الجمل الشريفة من مدحهم والثناء عليهم، ويبشّرونهم بما أعدّه الله تعالى لهم من الأجر المحمود.
 
فعن محمّد بن سهل، قال: دخلت مع الكميت على جعفر الصّادق في أيّام التشريق، فقال: جعلت فداءك، ألا أنشدك؟ قال: "إنّها أيّام عظام"، قال: إنّها فيكم، قال: "هات"، فأنشده قصيدته...

فكثر البكاء، وارتفعت الأصوات. فلمّا مرّ على قوله في الحسين رضي الله عنه:


كأنّ حسيناً والبهاليل حوله      لأسيافهم ما يختلى المتبتّل
وغاب نبيّ الله عنهم وفقده      على الناس رزء ما هناك مجلّل


128


فلم أر مخذولاً لأجل مصيبة     وأوجب منه نصرة حين يخذل

فرفع جعفر الصّادق رضي الله عنه يديه، وقال: "اللّهمّ اغفر للكميت ما قدّم وأخّر، وما أسرّ وأعلن، وأعطه حتّى يرضى"، ثمّ أعطاه ألف دينار وكسوة، فقال له الكميت: والله ما أحببتكم للدنيا، ولو أردتها لأتيت من هو في يديه، ولكنّني أحببتكم للآخرة، فأمّا الثياب الّتي أصابت أجسادكم فإنّي أقبلها لبركتها، وأمّا المال فلا أقبله93.
 
وعن عبد الله بن الفضل الهاشميّ، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "من قال فينا بيت شعر بنى الله تعالى له بيتاً في الجنّة"94.
 
وفي الروايات أنّ جعفر بن عفّان تشرّف بلقاء الإمام الصادق عليه السلام فأجلسه إلى جانبه وقال له: "يا جعفر"، قال: لبيك، جعلني الله فداك. قال: "بلغني أنّك تقول في الحسين عليه السلام وتجيد". قال له: نعم جعلني الله فداك. قال: "قل". فأنشده حتّى بكى صلّى الله عليه ومن حوله، وحتّى سالت الدموع على وجهه ولحيته.


129


ثمّ قال: "يا جعفر، والله لقد شهدت ملائكة الله المقرّبون ها هنا ليسمعوا قولك في الحسين عليه السلام ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر، ولقد أوجب الله تعالى لك - يا جعفر - في ساعتك هذه الجنّة بأسرها وغفر الله لك". ثمّ قال: "يا جعفر ألا أزيدك؟", قال: نعم يا سيّدي. قال: "ما من أحدٍ قال في الحسين عليه السلام فبكى أو أبكى إلّا وأوجب الله له الجنّة وغفر له"95.
 
وكذلك ينقل ابن قولويه بسنده عن عبد الله بن حمّاد في رواية أنّ الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال له: "بلغني أنّ قوماً يأتونه - يعني الحسين عليه السلام- من نواحي الكوفة وأناساً من غيرهم ونساءً يندبنه، وذلك في النصف من شعبان، فمن بين قارئ يقرأ، وقاصٍّ يقصّ ونادب يندب وقائل يقول المراثي". فقلت له: نعم جُعلت فداك قد شهدت بعض ما تصف. فقال: "الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا، ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عدوّنا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم يهذونهم (يهدّدونهم) ويقبّحون ما يصنعون"96.
 
وكما ترون فإنّ الإمام عليه السلام عندما علم بأنّ هناك من يقيم المصائب والمجالس والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام وبأيّ


130


نحوٍ كان فإنّه شكر الله على ذلك وحمده ومدح هؤلاء الذاكرين للحسين عليه السلام.

وروى أبو هارون المكفوف أنّه بعدما أمره الإمام الصادق عليه السلام بإنشاد الشعر على جدّه الحسين عليه السلام فأنشده فبكى الإمام عليه السلام، ومن ثمّ أنشده فبكى الإمام عليه السلامأيضاً وقال له: "يا أبا هارون, من أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى عشراً كتبت له الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى خمسة كتبت له الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت له الجنّة، ومن ذُكر الحسين عليه السلام عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذبابة كان ثوابه على الله ولم يرض له بدون الجنّة"97.
 
وكذلك رُوي عن أبي عمارة المنشد أنّه أُمر من قبل الإمام الصادق عليه السلام بإنشاد الشعر على سيّد الشهداء عليه السلام فأنشده ثلاث مرّات وفي كلّ مرّة كان الإمام عليه السلام يبكي كثيراً ومن ثمّ قال له الإمام الصادق عليه السلام: "يا أبا عمارة، من أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى خمسين فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام


131


شعراً فأبكى أربعين فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى عشرين فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى عشرة فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى واحداً فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فتباكى فله الجنّة"98.
 
وفي رواية أخرى يروى أبو هارون المكفوف عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال له: "يا أبا هارون, من أنشد في الحسين عليه السلام فأبكى عشرة فله الجنّة، ثمّ جعل ينقص واحداً واحداً حتّى بلغ الواحد، فقال: من أنشد في الحسين عليه السلام فأبكى واحداً فله الجنّة، ثمّ قال من ذكره فبكى فله الجنّة"99.
 

وكذلك يمكن الاستفادة ها هنا من إطلاق روايات الإبكاء والتي تقدّم ذكر بعضها معنا، بمعنى أنّ الإبكاء مطلوب بأيّ نحوٍ كان.


132


ومثالاً على ذلك الرواية الواردة عن الإمام الرضا عليه السلام حيث قال: "من تذكّر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون"100.
 
11- لبس السواد في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام

يعتبر لبس السواد - عند جميع البشر، باختلاف طوائفهم وفرقهم ودولهم، منذ قديم الزمان وسالف العصر إلى الآن - رمزاً وشعاراً لإظهار الحزن والتألّم عند المصيبة والكارثة، فإذا فقد عندهم حبيب تراهم يلبسون السواد، وما ذلك إلّا علامة, ليعرف الناظر إليهم أنّهم أهل مصيبة وعزاء.
 
وممّا يجدر ويليق بجميع المؤمنين أن يرتدوا اللباس الأسود في أيّام عزاء أهل البيت عليهم السلام وخاصّة في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام. وبالتالي أن تظهر عليهم حالة العزاء على الحسين عليه السلام لأنّه لا مصيبة أعظم من مصيبته ومصائبهم, ولذا لا بدّ للإنسان المؤمن أن يبذل وسعه وجهده في إظهار الهمّ والغمّ والحزن في عزائهم ومصائبهم عليهم السلام، وليكون من مصاديق قولهم "المهموم لهمّنا".
 
وقد ورثت الشيعة الإماميّة الاثنا عشريّة هذا الشعار عن أئمّتهم عليهم السلام, تعبيراً منهم عن عظم الفاجعة والمجزرة


133


الكبرى الّتي جرت على ريحانة رسول الله ‏ صلى الله عليه وآله وسلم، وإظهاراً لمظلوميّته عليه السلام، وانتصاراً لأهدافه، واستنكاراً لما أصابه من أنواع البلاء والمحن.
 
ومن هنا كان لا بدّ لهم عند لبس السواد ولباس العزاء أن يقتدوا بأهل البيت عليهم السلام، حيث ورد في بعض الروايات المرتبطة بأحوال أهل بيت الطهارة والعصمة عليهم السلام وأولياء الله أنّهم كانوا يلبسون السواد في عزاء بعضهم البعض. وفي هذا المجال يُروى عن الأصبغ بن نباته أنّه قال: دخلت مسجد الكوفة بعد قتل أمير المؤمنين عليه السلام ورأيت الحسن والحسين لابسي السواد101.
 
وقال ابن أبي الحديد أيضاً في شرح نهج البلاغة: وكان خرج (الحسن بن عليّ عليه السلام) إليهم - إلى الناس بعد شهادة أبيه - وعليه ثياب سود"102.
 
وبذلك يمكن دخول لبس السواد في المستحبّات, لكونه مصداقاً لإظهار الحزن على مصابهم عليهم السلام الّذي دلّت الأدلّة الصحيحة على رجحانه واستحبابه، وكونه موجباً للتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى.
 
ويدلّ عليه أيضاً ما تقدّم: من اندراجه تحت إطلاق قوله


134


تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ103، وقوله عليه السلام: "فرحم الله من أحيا أمرنا".
 
السّلام: "فرحم الله من أحيى أمرنا".
 
وجملة من النّصوص:
منها:
ما رواه البرقيّ عن الحسن بن ظريف بن ناصح، عن أبيه، عن الحسين بن زيد، عن عمر بن عليّ بن الحسين عليه السلام، قال: لمّا قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان عليّ بن الحسين عليهما السلام يعمل لهنّ الطعام للمأتم104.

إنّ هذه الرواية بظاهرها دالّة على أنّ لبسهنّ للسواد في مأتم وعزاء الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام كان بمرأى ومنظر الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام، فعدم ردعه عن ذلك يكشف عن رضاه بهذا الفعل ورجحانه، هذا مضافاً إلى أنّ فعل الصدّيقة الصغرى زينب بنت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام الّتي هي عالمة غير معلّمة، فهمة غير مفهّمة، وتالية تلو المعصوم في الكمالات والفضائل والدرجات العالية، وهي الّتي كانت لها نيابة خاصّة عن الإمام عليّ بن


135


الحسين عليه السلام، وكان يُرجع إليها في الحلال والحرام105, دليل على أنّ لبس السواد مطلوب للّه، ودستور لشيعة أهل البيت عليهم السلام ومحبّيهم ومواليهم، في كيفيّة إقامة العزاء ومراسم الحزن على أبي الأحرار الحسين الشهيد عليه السلام.
 
ومنها ما ذكره العلّامة المجلسيّ والمحدّث النوريّ رحمة الله تعالى عليهما: أنّ يزيد لعنه الله استدعى بحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهنّ: أيّما أحبّ إليكن المقام عندي أو الرجوع إلى المدينة... قالوا: "نحبّ أوّلاً أن ننوح على الحسين عليه السلام، قال: افعلوا ما بدا لكم... فلم تبق هاشميّة ولا قرشيّة إلّا ولبست السواد على الحسين عليه السلام"106.
 
وروى أبو مخنف أيضاً أنّ النعمان بن بشير عندما أوصل خبر شهادة سيّد الشهداء عليه السلام إلى المدينة فلم يبق في المدينة مخدّرة إلّا وبرزت من خدرها, ولبسوا (أي أهل المدينة) السواد وصاروا يدعون بالويل والثبور107.
 
وينقل عماد الدّين إدريس القرشيّ عن أبي نعيم الأصفهانيّ بسنده قال: عن أم سلمة - رضوان الله عليها - أنّها لمّا بلغها مقتل الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام ضربت قبّة سوداء في


136


مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولبست السواد108.
 
وذكر العلّامة المجلسيّ رحمه الله أنّ السيّدة سكينة عليها السلام رأت بعد شهادة أبيها رؤيا رأت فيها جدّتها الزهراء عليها السلام وعليها ثياب سود109.
 
وروى ابن قولويه بسنده عن هشام بن سعد أنّه قال: أخبرني المشيخة أنّ الملك الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره بقتل الحسين بن عليّ عليه السلام، كان ملك البحار، وذلك أنّ ملكاً من ملائكة الفردوس نزل على البحر فنشر أجنحته عليها ثمّ صاح صيحة، وقال: يا أهل البحار البسوا أثواب الحزن، فإنّ فرخ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مذبوح ثمّ حمل من تربته في أجنحته إلى السماوات فلم يبق ملك فيها إلّا شمّها وصار عنده لها أثر ولعن قتلته وأشياعهم وأتباعهم110.

12- تربة سيّد الشهداء عليه السلام (التربة الحسينيّة)
من جملة آثار سيّد الشهداء عليه السلام التي يجب علينا تقديرها والاعتقاد بها تربته سلام الله عليه والتي كانت مورد توصية أهل البيت عليهم السلام، وقد ذكروا لها آثاراً وبركات عجيبة.


137


إنّ إحياء هذا الأثر يتمّ عبر عدّة أمور:
 
السجدة على تربة سيّد الشهداء عليه السلام

روى معاوية بن عمّار أنّه: كان لأبي عبد الله عليه السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله عليه السلام، فكان إذا حضرت الصلاة صبّه على سجّادته وسجد عليه، ثمّ قال عليه السلام: "السجود على تربة الحسين عليه السلام يخرق الحجب السبع"111.
 
وذكر الشيخ الصدوق رحمه الله: قال الصادق عليه السلام: "السجود على طين قبر الحسين عليه السلام ينوّر إلى الأرض السابعة"112.
 
التسبيح بتربة سيّد الشهداء عليه السلام

رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أدار الحجير من تربة الحسين عليه السلام فاستغفر مرّة واحدة كتب الله له سبعين مرّة، وإن أمسك السبحة ولم يُسبّح بها ففي كلّ حبّة منها سبع مرّات"113.
 
وذكر الشيخ الطوسيّ في رواية عن بعض أصحاب الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أنّه تشرّف بلقائه فقال الإمام عليه السلامله: "لا تستغني شيعتنا عن أربع: خمرة يصلَي عليها، وخاتم يُتختَّم به، وسواك يُستاك به وسبحة من طين قبر أبي عبد


138


الله الحسين عليه السلام، فيها ثلاث وثلاثون حبّة، متى قلّبها ذاكراً لله كتب له بكلّ حبّة أربعون حسنة, وإذا قلّبها ساهياً يعبث بها كتب له عشرون حسنة"114.
 
وذكر الشيخ الصدوق: قال الصادق عليه السلام: "... من كان معه سبحة من طين قبر الحسين عليه السلام كُتب مسبِّحاً وإن لم يسبّح بها"115.
 
الاستشفاء بتربة سيّد الشهداء عليه السلام

وردت روايات كثيرة في باب الاستشفاء بتربة الحسين عليه السلام وسوف نشير ها هنا إلى بعضها:
 
روى ابن قولويه بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ في طين الحائر الذي فيه الحسين عليه السلام شفاءً من كلّ داء وأماناً من كلّ خوف"116.
 
وروى أيضاً بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "لو أنّ مريضاً من المؤمنين يعرف حقّ أبي عبد الله عليه السلام وحرمته وولايته أخذ له من طين قبره على رأس ميل كان له دواء وشفاء"117.


139


وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً أنّه قال: "إذا أكلته (تراب الحسين) تقول: اللهمّ ربّ هذه التربة المباركة وربّ هذا الوصي الذي وارَتْهُ صلِّ على محمّد وآل محمّد واجعله علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءً من كلّ داء"118.
 
التبرّك بتربة سيّد الشهداء عليه السلام

رُوي عن أبي اليسع أنّه قال: دخل رجل على الإمام الصادق عليه السلام فقال له: آخذ من طين قبر الحسين عليه السلام يكون عندي، اطلب بركته؟ قال عليه السلام: "لا بأس بذلك"119.
 
وعن ابن أبي يعفور قال: قلت للصادق عليه السلام: يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين عليه السلام فينتفع به، ويأخذ غيره فلا ينتفع به؟! فقال: "لا والله الذي لا إله إلّا هو ما يأخذه أحدٌ وهو يرى أنّ الله ينفعه به إلّا نفعه الله به"120.
 
يُستفاد من هذه الرواية أنّ من يريد تناول هذه التربة بقصد الاستشفاء والانتفاع بها أو أن تكون معه لا بدّ أن يعتقد اعتقاداً راسخاً بأنّ الله سيعطيه بسبب هذه التربة الشفاء والنفع لكي تؤثّر هذه التربة أثرها.


140


تربة سيّد الشهداء عليه السلام حرز وأمان
روى الشيخ الطوسيّ بسنده عن الحارث بن المغيرة أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال له: "... إذا خفت سلطاناً أو غير سلطان، فلا تخرجنّ من منزلك إلّا ومعك من طين قبر الحسين عليه السلامفتقول: اللهمّ إنّي أخذته من قبر وليّك وابن وليّك فاجعله لي أمناً وحرزاً لما أخاف وما لا أخاف, فإنّه قد يرى ما لا يخاف".
 
قال الحارث بن المغيرة: فأخذت كما أمرني، وقلت ما قال لي، فصحّ جسمي، وكان لي أماناً من كلّ ما خفت وما لم أخف - كما قال أبو عبد الله عليه السلام - فما رأيت مع ذلك- بحمد الله- مكروهاً ولا محذوراً121.
 
وورد في عدّة روايات عن الإمام الباقر والصادق عليهما السلام أنّ تربة الحسين عليه السلام: "أمان من كلّ خوف".
 
ومن جملة هذه الروايات ما رواه العلّامة المجلسيّ عن ابن قولويه بسنده عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "إذا أخذت الطين فقل: اللهمّ بحقّ هذه التربة، وبحقّ الملك الموكل بها، وبحقّ الملك الذي كَرَبَها، وبحقّ الوصي الذي هو فيها، صلِّ على محمّد وآل محمّد، واجعل هذا الطين شفاءً من كلّ


141


داء وأماناً من كلّ خوفٍ، فإن فعل ذلك كان حتماً شفاء له من كلّ داء وأماناً من كلّ خوف"122.
 
تحنيك المولود بتربة سيّد الشهداء عليه السلام

في رواية عن الحسين بن أبي العلاء قال: سمعت الإمام الصادق عليه السلام يقول: "حنّكوا أولادكم بتربة الحسين عليه السلام فإنّها أمان"123.
 
وضع التربة في حنوط الميت وقبره

قال محمّد الحميريّ: كتبت إلى الفقيه أسأله: هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر وهل فيه فضلٌ؟
 
فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت: تسبّح به فما من شيء من التسبيح أفضل منه، ومن فضله أنّ المسبّح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيُكتب له ذلك التسبيح. قال: وكتبت إليه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع، ومنه نسخت: يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله124.
 
وعن جعفر بن عيس قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: "ما على أحدكم إذا دفن الميت ووسّده بالتراب أن يضع


142


مقابل وجهه لبنة من طين الحسين عليه السلام ولا يضعها تحت رأسه"125.

تربة كربلاء المقدّسة
روى الصدوق رحمه الله بسنده عن هرثمة بن أبي مسلم أنّه قال: "غزونا مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام صفّين فلمّا انصرفنا نزل بكربلاء، فصلّى بها الغداة. ثمّ رفع إليه من تربتها فشمّها، ثمّ قال: واهاً لك أيّتها التربة، ليحشرنّ منك أقوام يدخلون الجنّة بغير حساب"126.
 
13ـ شرب الماء وتذكر عطش سيّد الشهداء عليه السلام

من مصاديق الشعائر الحسينيّة التي يجب علينا العمل بها واحياؤها والمحافظة عليها وتوصية الآخرين بها أن نتذكّر عطش سيّد الشهداء عليه السلام عند شرب الماء الزلال، حيث أوصى الإمام عليه السلام شيعته بذلك في أواخر عمره الشريف بوساطة السيّدة سكينة قائلاً لها:
 
شيعتي ما إن شربتم ريَّ عذبٍ فاذكروني     أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني
127


143


وطبقاً للروايات الكثيرة فإنّه يترتّب على ذلك ثواب كبير وسوف نشير ها هنا إلى بعضها:
 
روى ابن قولويه بسنده عن داوود الرقّيّ قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلامإذ استسقى الماء، فلمّا شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثمّ قال لي: "يا داود، لعن الله قاتل الحسين عليه السلام، فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام ولعن قاتله إلّا كتب الله له مائة ألف حسنة وحطّ عنه مائة ألف سيّئة ورفع له مائة ألف درجة وكأنّما اعتق مائة ألف نسمة وحشره الله تعالى يوم القيامة ثلج الفؤاد"128.
 
وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إنّي ما شربت ماء بارداً إلّا وذكرت الحسين عليه السلام"129.
 
14ـ إطعام الطعام عن روح سيّد الشهداء عليه السلام

من مصاديق الشعائر الحسينيّة أيضاً إطعام الطعام في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام، ولهذا الطعام الحسينيّ آثارٌ عجيبة على أرواح الناس وأبدانهم ولذا نجد أكثر الناس يأكلون من سفرة الحسين عليه السلام فقط وفقط لأنّها باسم سيّد الشهداء عليه السلام وطلباً للبركة والشفاء وبغضّ النظر عن هذا


144


الأمر فإنّ أصل الإطعام مطلوب وله فضيلة وثواب إلّا أنّه في عزاء سيّد الشهداء ونسبته إليه يصبح الأمر به آكد وأكثر استحباباً.....
 
وروى الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله - تبارك وتعالى - اطلع إلى الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا أولئك منّا وإلينا"130.
 

ولا بدّ من التذكير ها هنا بأنّه يُستفاد من الرواية السابقة أنّ بذل المال والنفس من أجل سيّد الشهداء وأهل البيت عليهم السلام لا ينحصر في الإطعام فقط بل وإنّ كلّ أمرٍ يرتبط بهؤلاء العظام الأطهار عليهم السلام مطلوب وله أجره وثوابه من قبيل الخدمة في مجالس العزاء والمساعدة في طبخ الطعام في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام و... الخ.
 
ولا إشكال في استحباب إطعام الطعام بصورة عامّة، وأنّه من السنن والخصال الحميدة المندوبة والمدعوّ إليها، ووردت فيه الآيات والأخبار.


أمّا الآيات:
فمنها: قوله تعالى:
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ131.
 
ومنها: قوله تعالى:
﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ


145


كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ132.

ولا شكّ في: أنّ من ينفق أمواله في إطعام الطعام بقصد إحياء أمر الأئمّة - قربة إلى الله تعالى - يكون قد أنفقها في سبيل الله تعالى.
 
وأمّا الروايات: فهي على نوعين: عامّة لموارد الإطعام، وخاصّة في الإطعام في المآتم.
 
أمّا الروايات العامّة:

فمنها: ما رواه محمّد بن جعفر، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السلام، قال: "من أشبع جوعة مؤمن وضع الله له مائدة في الجنّة، يصدر عنها الثقلان جميعاً"133.
 
ومنها: عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: "شبع أربعة من المسلمين يعدل محرّرة من ولد إسماعيل عليه السلام"134.‏
 
ومنها: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "لأن أطعم رجلاً من المسلمين أحبّ إليّ من أن أطعم أفقاً من


146


الناس"، قلت: وما الأفق؟ قال: "مائة ألف، أو يزيدون"135.‏
 
وأمّا الروايات الخاصّة:

فمنها: صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "لمّا قتل جعفر بن أبي طالب أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام أن تتّخذ طعاماً لأسماء بنت عميس ثلاثة أيّام، وتأتيها، وتسلّيها ثلاثة أيّام، فجرت بذلك السنّة أن يصنع لأهل المصيبة ثلاثة أيّام طعام"136.
 
وأمّا ما ورد بخصوص الإطعام في مأتم الإمام الحسين عليه السلام:
فمثل معتبرة عمر بن عليّ بن الحسين عليه السلام، قال: "لمّا قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان عليّ بن الحسين عليهما السلام يعمل لهنّ الطعام للمأتم"137.
 

فيتبيّن من هذا: أنّ إطعام الطعام في مأتم أبي عبد الله الحسين والأئمّة عليهم السلام أمر مرغوب فيه، قد ندب إليه الشرع الحنيف، وأنّه من الطاعات والباقيات الصالحات.


147


15ـ فضل سقي الماء:
قد وردت روايات كثيرة من الخاصّة والعامّة تدلّ على فضله:
 
أمّا روايات الخاصّة، فهي على طائفتين:
 
الطائفة الأولى:
وهي الّتي دلّت بإطلاقها على فضل سقي الماء:
 
منها: ما رواه معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن أعتق رقبة، ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء كان كمن أحيا نفساً، ومن أحيا نفساً فكأنّما أحيا الناس جميعاً"138.
 
ومنها: ما رواه أبو حمزة الثمالي، عن عليّ بن الحسين عليه السلام، قال: "من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنّة، ومن سقى مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم"139.
 
الطائفة الثانية:
وهي الروايات الواردة بخصوص فضل سقي الماء يوم عاشوراء عند قبر الحسين عليه السلام:
 
منها: ما ورد عن محمّد بن أبي سيّار المدائنيّ بإسناده، قال: "من سقى يوم عاشوراء عند قبر الحسين عليه السلام كان كمن سقى عسكر الحسين عليه السلام وشهد معه"140.


148


هوامش

1- النقد النزيه، ص197, الأغاني، ج7، ص7.
 
2- كامل الزيارات، باب 33، ص208، ح1.
 
3- المصدر السابق، باب 33، ص209، ح5.
 
4- المصدر السابق، باب 33، ص209، ح2.
 
5- كامل الزيارات، باب 33، ص209، رقم 3.
 
6- النقد النزيه، ص197, نقلاً عن الصدوق ومعاهد التنصيص.
 
7- الخصائص الحسينيّة، ص241.
 
8- كامل الزيارات، ص325، باب 71، ح9, بحار الأنوار، ج101، ص290، باب 24، ح1, المصباح، ص714.
 
9- الخصائص الحسينيّة، ص23 (مقدّمة المؤلّف).
 
10- عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص209, بحار الأنوار، ج44، ص225 و226.
 
11- بحار الأنوار، ج44، ص308, الخصائص الحسينيّة، ص195 و196.
 
12- سورة مريم، الآية: 1.
 
13- الاحتجاج، ص239, بحار الأنوار، ج14، ص178 وج44، ص223.
 
14- بحار الأنوار، ج44، ص245 نقلاً عن كتاب الدرّ الثمين.
 
15- بحار الأنوار، ج44، ص145.
 
16- بحار الأنوار، ج44، ص250 و251 نقلاً عن أمالي الصدوق.
 
17- بحار الأنوار، ج44، ص247 و248.
 
18- تفسير فرات الكوفيّ، ص55 و56, بحار الأنوار، ج44، ص264.
 
19- كامل الزيارات، باب 88، رقم 12.
 
20- الأمالي للصدوق، المجلس 24، رقم 3, بحار الأنوار، ج45، ص218.

21- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام، ص 350.
 
22- اللهوف على قتلى الطفوف، ص 38.
 
23- مقاتل الطالبيّين، ص 75.
 
24- مصباح الكفعميّ، ص 741.
 
25- بحار الأنوار، ج45، ص58 و59.
 
26- الدعاء والزيارة، زيارة الناحية المقدّسة.
 
27- كامل الزيارات، باب 108، رقم1, وسائل الشيعة، ج14، ص599, بحار الأنوار، ج101، ص73, مستدرك الوسائل، ج10، ص251.
 
28- عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص294, الأمالي، المجلس 17، رقم 4, بحار الأنوار، ج44، ص278.
 
29- عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص294, بحار الأنوار، ج44، ص278.
 
30- الخصائص الحسينيّة، ص246.
 
31- بحار الأنوار، ج44، ص308.
 
32- الأمالي للصدوق، ص112، المجلس 27، رقم 5, عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص299.
 
33- الأمالي للصدوق، ص112، المجلس 27، رقم 2, بحار الأنوار، ج44، ص284.
 
34- كامل الزيارات، ص167، باب 26، ح8, بحار الأنوار، ج45، ص207, مستدرك الوسائل، ج10، ص313.
 
35- كامل الزيارات، ص204، باب 32، ح7.
 
36- المصدر السابق، باب 32، ح1، ص201, تفسير القمّيّ، ص616, ثواب الأعمال، ص47, مقدّمة اللهوف لابن طاووس.
 
37- كامل الزيارات، ص202، باب 32، ح3, بحار الأنوار، ج44، ص281.
 
38- المصدر السابق، ص206، باب 32، ح8, بحار الأنوار، ج27، ص300 وج44، ص292.
 
39- المصدر السابق، ص207، باب 32، ح9, بحار الأنوار، ج44، ص284.
 
40- المصدر السابق، ص207، باب 32، ح12.
 
41- بحار الأنوار، ج44، ص278, نقلاً عن الأمالي للصدوق، المجلس 17, من وهج العشق الحسينيّ، ص107.
 
42- الخصائص الحسينيّة، ص166, منتخب الطريحيّ، ص268 و269.
 
43- أمالي الصدوق، المجلس 27، رقم 2, بحار الأنوار، ج44، ص284.
 
44- أمالي الصدوق، المجلس 27، رقم 5, عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص299, بحار الأنوار، ج44، ص286.
 
45- بحار الأنوار، ج44، ص293.
 
46- كامل الزيارات, 215، باب 36، الحديث 6.
 
47- مجمع البحرين, ج 3, ص 394، مادّة "عبر".
 
48- كامل الزيارات, ص 215، باب 36، الحديث 3, أمالي الصّدوق, ص200، المجلس 28، الحديث 8.
 
49- مستدرك الوسائل, ج1,0ص 318، باب 49 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 13، وجامع أحاديث الشيعة, ج 12, ص555، باب 82 من أبواب كتاب المزار، الحديث 18.
 
50- المقبولة الحسينيّة, ص30.

51- كامل الزيارات، ص326، باب 71، ح9.
 
52- المصدر السابق، ص202، باب 32، ح2.
 
53- وسائل الشيعة، ج14، ص411، نقلاً عن الكافي، ج4، ص583.
 
54- كامل الزيارات، ص‏203، باب 32، ح‏7.
 
55- المصدر السابق، ص‏445، باب 32.
 
56- بحار الأنوار، ج‏45، ص‏2.
 
57- الشعائر الحسينيّة المنصوصة، ص 21.
 
58- بحار الأنوار، ج‏44، ص‏288.
 
59- الخصائص الحسينيّة، ص‏16.
 
60- بحار الأنوار، ج‏44، ص‏308, الخصائص الحسينيّة، ص‏196.
 
61- مجمع البحرين، ج‏3، ص‏406, مستدرك الوسائل، ج‏10، ص‏319.
 
62- تهذيب الأحكام، ج‏8، ص‏325, الشعائر الحسينيّة في الميزان الفقهيّ، ص‏196.
 
63- عيون أخبار الرضاعليه السلام، ج‏2، ص‏263.
 
64- الدعاء والزيارة - زيارة الناحية.
 
65- بحار الأنوار، ج‏45، ص‏58.
 
66- الدعاء والزيارة - زيارة الناحية.
 
67- تاريخ الطبري, ج5, ص 420.
 
68- الإرشاد, ج 2, ص 93، مع اختلاف يسير، وإعلام الورى, ج 1, ص 457، مع اختلاف يسير.
 
69- بحار الأنوار, ج 44, ص 391.
 
70- كامل الزيارات، ص‏178، باب 27، رقم 19.
 
71- المصدر السابق، ص‏545، باب 108، رقم‏6, تأويل الآيات ج‏1، ص‏383.
 
72- كامل الزيارات، ص‏546، باب 108، رقم‏9.
 
73- المصدر السابق، ص‏495، باب‏98، رقم‏17, بحار الأنوار، ج‏101، ص‏14, مستدرك الوسائل، ج‏10، ص‏343.
 
74- المصدر السابق، ص‏279، باب‏59، رقم‏2, ثواب الأعمال، ص‏110, تهذيب الأحكام، ج‏6، ص‏45, وسائل الشيعة، ج‏14، ص‏411.
 
75- الكروبيّون مخفّفة الراء, أي سادة الملائكة.
 
76- كامل الزيارات، ص‏321، باب‏70، رقم‏10, وسائل الشيعة، ج‏14، ص‏460, بحار الأنوار، ج‏101، ص‏88, مستدرك الوسائل، ج‏10، ص‏285.
 
77- المصدر السابق، ص‏323، باب 71، رقم‏2, مسار الشيعة ص‏20, مصباح المتهجّد، ص‏713, بحار الأنوار، ج‏101، ص‏154, وسائل الشيعة، ج‏14، ص‏477.
 
78- كامل الزيارات، ص 332، باب‏71، رقم‏9.
 
79- المصدر السابق، ص‏355، باب 78، رقم‏1.
 
80- المصدر السابق، ص 356، باب 78، رقم‏3.

81- ن.م، ص‏357، باب 8، رقم‏5, بحار الأنوار، ج‏101، ص‏5, وسائل الشيعة، ج‏14، ص‏432.
 
82- الخصائص الحسينيّة، ص‏301, بحار الأنوار، ج‏98، ص‏2.
 
83- المصدر السابق، ص‏301.
 
84- ن.م.
 
85- بحار الأنوار، ج‏98، ص‏48.
 
86- كامل الزيارات, ص257، باب 49، الحديث 9, وسائل الشيعة, ج14, ص 441، باب 41 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 6، مع اختلاف يسير.
 
87- وسائل الشيعة, ج14, ص440، باب 41 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 3.
 
88- كامل الزيارات, ص 256، باب 49، الحديث 8.
 
89- المصدر السابق, ص253، باب 49، الحديث 2.
 
90- مجمع البيان, ج 7, ص 326، تفسير سورة الشعراء، الآية: 227, سير أعلام النبلاء, ج2, ص 525، مع اختلاف يسير.
 
91- مسند أحمد, ج5, ص 363، الحديث 18055, صحيح البخاري, ج 5, ص 61، الحديث 4124، وروى أيضاً في موضع آخر: قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لحسّان يوم قريظة:"اهجهم أو هاجهم وجبريل معك". المصدر المتقدّم، الحديث 4123، وانظر: المصنّف, ج6, ص172، الحديث 18, المعجم الأوسط, ج1, ص 333، الحديث 1209, المعجم الصغير, ج2, ص4، مع اختلاف يسير, كنز العمّال, ج 3, ص580، الحديث 7995، وأضاف: "إذا حارب أصحابي بالسلاح فحارب أنت باللسان".

92- الكافي, ج8, ص89، الحديث 75، واختيار معرفة الرّجال: ص 279/365، مع اختلاف يسير, وسائل الشيعة, ج14, ص594، باب 104 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 2.
 
93- خزانة الأدب, ج1, ص70.
 
94- عيون أخبار الرّضا, ج1, ص15، مقدّمة المصنّف، الحديث 1, وسائل الشيعة, ج14, ص597، باب 105 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 1.
 
95- الخصائص الحسينيّة، ص246.
 
96- كامل الزيارات، ص539، باب 108، رقم 1.
 
97- كامل الزيارات، ص208، باب 33، ح1, بحار الأنوار، ج44، ص288.
 
98- كامل الزيارات، ص209، باب 33، رقم 2, وسائل الشيعة، ج14، ص595, بحار الأنوار، ج44، ص282.
 
99- المصدر السابق، ص216، باب 33، رقم 5.
 
100- عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص294, بحار الأنوار، ج44، ص278.
 
101- المامقانيّ، مجمع الدرر في المسائل الاثنيّ عشر، ص4.
 
102- شرح نهج البلاغة، ج16، ص22, الشعائر الحسينيّة بين الأصالة والتجديد، ص386.
 
103- سورة الحج, الآية: 32.
 
104- المحاسن, ج2, ص195، باب الإطعام في المأتم، الحديث 1564, وسائل الشيعة, ج3, ص238، باب 67 من أبواب الدفن، الحديث 10، وفيه: "عن عمرو بن عليّ" بدل"عمر بن عليّ"، و"لبس نساء" بدل "لبسن نساء".
 
105- أنظر: كمال الدّين, ج2, ص501، باب 45، الحديث 27.
 
106- بحار الأنوار، ج45، ص196, مستدرك الوسائل، ج3، ص327.
 
107- مقتل أبي مخنف، ص222, الشعائر الحسينيّة بين الأصالة والتجديد، ص388.
 
108- عيون الأخبار وفنون الآثار، ص109, سياهپوشى در سوك أئمه نور عليهم السلام  (لبس السواد في عزاء أئمّة النور عليهم السلام)، ص130.
 
109- بحار الأنوار، ج45، ص195.
 
110- كامل الزيارات، ص143، باب 21، ح3.

111- مصباح المتهجّد، ص511, بحار الأنوار، ج98، ص135.
 
112- من لا يحضره الفقيه، ج1، ص268، رقم 829.
 
113- مصباح المتهجّد، ص512, بحار الأنوار، ج98، ص136.
 
114- تهذيب الأحكام، ج6، ص75, بحار الأنوار، ج98، ص132.
 
115- من لا يحضره الفقيه، ج1، ص268، رقم 829.
 
116- كامل الزيارات، باب 92، ص467، رقم5.
 
117- نفس المصدر، رقم 6.
 
118- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص362, وسائل الشيعة، ج14، ص524, كامل الزيارات، باب 94، ص477.
 
119- كامل الزيارات، باب 92، ص466، رقم 3.
 
120- نفس المصدر، باب 91، ص461، رقم 1.
 
121- الأمالي للطوسيّ، ج1، ص325, بحار الأنوار، ج98، ص118.
 
122- كامل الزيارات، باب 93، ص469، رقم 4, بحار الأنوار، ج98، ص127.
 
123- المصدر السابق، باب 92، ص466، رقم 2.
 
124- تهذيب الأحكام، ج6، ص76, بحار الأنوار، ج98، ص132 و133.
 
125- مصباح المتهجّد، ص511, بحار الأنوار، ج98، ص136.
 
126- الأمالي للصدوق، المجلس 27، رقم 6, بحار الأنوار، ج44، ص255.
 
127- مصباح الكفعميّ، ص741.
 
128- كامل الزيارات، باب 34، ص212، رقم1.
 
129- وسائل الشيعة، ج7، ص122, الخصائص الحسينيّة، ص117.
 
130- الخصال، حديث الأربعمائة, بحار الأنوار، ج44، ص287.
 
131- سورة الإنسان، الآية: 8.
 
132- سورة البقرة، الآية: 261.
 
133- ثواب الأعمال, ص 167, وسائل الشيعة, ج24, ص323، باب 43 من أبواب آداب المائدة، الحديث 1، ولكن فيه "محمّد بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد عليه السلام".
 
134- المصدر السابق, ص167, وسائل الشيعة, ج 2, ص324، باب 43 من أبواب آداب المائدة، الحديث 4، وفيه "من أشبع أربعة من المؤمنين".
 
135- الكافي, ج2, ص205، كتاب الإيمان والكفر، باب 272، الحديث 2.
 
136- المحاسن, ج2, ص193، كتاب المآكل، باب الأحكام في المأتم، الحديث 196، والكافي, ج 3, ص209، كتاب الجنائز، باب ما يجب على الجيران لأهل المصيبة واتّخاذ المأتم، الحديث 1، مع اختلاف يسير.
 
137- المصدر السابق, ص195، كتاب المآكل، باب الإطعام في المأتم، الحديث 200, وسائل الشيعة, ج3, ص238، باب 67 من أبواب الدفن، الحديث 10.
 
138- الكافي, ج4, ص58، كتاب الزكاة، باب 41، الحديث 3, من لا يحضره الفقيه, ج , ص64، الحديث 1724, وسائل الشيعة, ج 9, ص473، باب 49 من أبواب الصدقة، الحديث 3.
 
139- المصدر السابق, ج2, ص206، كتاب الإيمان والكفر، باب 86، الحديث 5, ثواب الأعمال, ص 166، الحديث 2.
 
140- كامل الزيارات, ص324، باب 71، الحديث 6.