الليلة التاسعة

مجلس عليّ الأكبر عليه السلام:
 

بِشِبْهِ المُصْطَفَى جَاؤُوا قَتِيلاً
وَنَادَتْ زَيْنَبُ الكُبْرَى بِصَوْتٍ
لِلَيْلَى أَسْرِعِي هَذَا عَلِيٌّ
غَدَتْ تَمْشِي وَتَعْثُرُ وَهْيَ ثَكْلَى
وَجَاءَتْ تَسْحَبُ الأَذْيَالَ حُزْناً
وَوَالِدُهُ الحُسَيْنُ هَوَى عَلَيْهِ
يُنَادِيهِ وَلَيْسَ بِهِ حِرَاكٌ
عَلَى الدُّنْيَا العَفَا يَا نُورَ عَيْنِي

إِلَى خِيَمِ النِّسَا فَعَلَا العَوِيلُ
وَدَمْعٌ مِنْ مَحَاجِرِهَا يَسِيلُ
شِبِيهُ المُصْطَفَى الهَادِي قَتِيلُ
عَرَاهَا مِنْ مُصِيبَتِهِ الذُّهُولُ
وَحَوْلَ فَقِيدِهَا أَخَذَتْ تَجُوُلُ
وَقَدْ أَدْمَتْ مَحَاسِنَهُ النُّصُولُ
بُنَيَّ اليَوْمَ فَارَقَنَا الرَّسُولُ
وَبَعْدَكَ غَيْرَ هَذَا لَا أَقُولُ


97


شعبي:

على جثة ولدها تنوح ليلى
يمه يا ثمر قلبي ودليله
تمنيت تحضرني عليله
ونعشي على متونك تشيله
مال الزمان شلون ميله
جمر العطش بقليبي شبابه
يمدونه على الغبرة شبابه
اجت يم جثة الأكبر
رقية كنها جابتها
حكوا ويّه الأخو الغالي
وجرح الغربة لو يصعب
يهون عليك تتركنه
إذا سهلة تخلينا
فتح عينه ونظر نظرة موقف
طفله الهي بثلاث سنين

وتنادي يا زينب يا عقيله
مطبر وطبراتك ثقيله
وتراب القبر بيدك تهيله
يمه قلبي بعد ما ينام ليله
فرّق المحبوب وخليله
على اللي منحرم لذة شبابه
انقطع منه الوصل وانقطع بيّه
سكينة وبيدها طفلة
تشوفه ودمعها تهلّه
يتامى من الأخوة احنه
فقدك أشد جارحنه
يبو الطيبة وتبارحنا
تراهي العشرة مو سهلة
يفت صخر الأصم شوفه
لشوفة خيها ملهوفة


98


وسكنة الواعدت عمها
خواته شلون ينظرهم
يا سكنة بالله عذريني
على القومة يا بعد الروح
مو إنتي تعرفيني
ما يتعذر بلحظة
رقية سامحي جروحي
كاني بك بأرض غربة
شيلي عينك بسرعة
إذا تحبيني عذريني
شبيهه الروح تلوح ما ادري شبيهه
راح الكان للهادي شبيهه

وتركها بقطعة كفوفه
وتكلم على مهله
وشوفي جسمي موذر
وحق الخوة ما أقدر
خيك تعرفي الأكبر
ولا ينسى بعد أهله
ترى والله تعذبيني
يمحزونة تفقديني
لا توقع على عيني
تراك من القلب أغلى
وكانون الغضا ضلوعي شبيهه
طفه ضيه بظلام الغاضرية


روى أبو مخنف أنّ الحسين عليه السلام بعد مسيره من قصر بني مقاتل خفق برأسه خفقة فسمع هاتفاً يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير خلفهم، فاسترجع الحسين عليه السلام ثلاثاً، فالتفت إليه ولده عليّ الأكبر وقال: يا أبه، ما لي أراك قد استرجعت؟ فأخبره الحسين عليه السلام فقال الأكبر: يا أبه، أولسنا على الحقّ؟


99


قال: بلى والذي إليه مرجع العباد. فقال: إذاً لا نبالي أن نموت محقّين.

ولد عليّ الأكبر في 11 شعبان سنة 33هـ أو 35هـ أو 41هـ، واستشهد يوم العاشر من المحرّم سنة 61هـ ودفنه الإمام زين العابدينعليه السلام ممّا يلي رجلي الإمام الحسين عليه السلام.

ولذلك فإنّ عمره الشريف 19 سنة على رواية الشيخ المفيد، و27 سنة أو 25 على رواية غيره. وقال بعضهم بترجيح القول الثاني.

وأمّه هي ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفيّ.

وأمّها هي ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أميّة.

ولعلّه هذا ما كان يحاول معاوية أن يشير إليه في هذه الرواية حيث روى أبو الفرج أنّ معاوية قال: من أحقّ الناس بهذا الأمر؟ قالوا: أنت، فقال: لا، أولى النّاس بهذا الأمر عليّ بن الحسين بن عليّعليهم السلام جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وفيه شجاعة بني هاشم وسخاء بني أميّة وزهو ثقيف.

وطبعاً هذا الكلام من معاوية لم يكن كلاماً للإنصاف أو للاعتراف، وإنّما من أجل لفت الأنظار إلى فضيلة زعمها لبني أميّة، وليقرنهم بآل البيت عليهم السلام، فضلاً عن حرف الأنظار عن أنّ


100


هذا الأمر وهو الإمامة منصب إلهيّ ليس له علاقة بزهو أو سخاء أو غير ذلك.

ولذلك حاول البعض من جيش يزيد استمالة عليّ الأكبر إلى جانبه من طريق هذا الاتصال فقال لعليّ الأكبر: إنّ لك رحماً بيزيد.

لكنّ الأكبر الذي تربّى في بيت الوحي لا يمكن أن يركن للظالمين وأبت نفسه الشريفة إلّا المضي على نهج أبيه فألقم القائل حجراً بقوله:

إنّ رحم رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلّم أحرى بأن تُرعَى من رحم ابن آكلة الأكباد.

ولهذا فإنّ من الطبيعيّ لمن ينشأ في حِجر سيّد الشهداء وأبي الأحرار أن يكون هذا إيمانه وبصيرته وتضحيته في سبيل إعلاء كلمة الله ومناصرة أهل بيت رسول الله وبلغ الأكبر غاية الفضل حتّى قال فيه الشاعر:
 

لَمْ تَرَ عَيْنٌ نَظَرَتْ مِثْلَهُ
كَانَتْ إِذَا شُبَّتْ لَهُ نَارُهُ
لَا يُؤْثِرُ الدُّنْيَا عَلَى دِينِهِ
أَعْنِي ابْنَ لَيْلَى ذَا السَّدَى وَالنَّدَى

مِنْ مُحْتَفٍ يِمْشِي وَمِنْ نَاعِلِ
أَوْقَدَهَا بِالشَّرَفِ القَابِلِ
وَلَا يَبِيعُ الحَقَّ بِالبَاطِلِ
أَعْنِي ابْنَ بِنْتِ الحَسَبِ الفَاضِلِ


101


الإمام الحسين وولده عليّ الأكبرعليها السلام في قصر بني مقاتل حيث قال له: إذاً لا نبالي أن نموت محقّين. هو هذه الأخلاق العظيمة والأدب الجَمّ والعقيدة الراسخة والثبات واليقين والشجاعة التي اجتمعت في شخصيّة هذا البطل العلويّ. ولهذا فقد كان مجمعاً لصالح الخِصال والصفات. قال الشاعر:
 

وَرِثَ الصِّفَاتِ الغُرِّ وَهْيَ تُرَاثُهُ
فِي بَأْسِ حَمْزَةَ فِي شَجَاعَةِ حَيْدَرٍ
وَتَرَاهُ فِي خَلْقٍ وَطِيبِ خَلَائِقٍ

عَنْ كُلِّ غِطْرِيفٍ وَشَهْمٍ أَصْيَدِ
بِإِبَا الحُسَيْنِ وَفِي مَهَابَةِ أَحْمَدِ
وَبَلِيغِ نُطْقٍ كَالنَّبِيِّ مُحَمَّدِ

فهذه الكلمات منهعليه السلام، تدلّ على ذوبان الأكبرعليه السلام في الحقّ ودين الله ورسوله، ومدى برّه بأبيه الحسين عليه السلام.

ومن هنا نجد في الأكبر قدوةً لكلّ شبابنا في الثبات على المبدأ وعدم التزعزع والتزلزل من جانب، ومن جانب آخر في البعد الإيمانيّ وبِرّ الوالدين.

ولهذا كانت مصيبة الأكبرعليه السلام من أكبر مصائب سيّد الشهداءعليه السلام والمخيّم الحسينيّ في يوم العاشر من محرّم. وقد ورد في حديث الإمام الصادق عليه السلام أكبر مصائب الدنيا فقد الشابّ.

ولهذا، فإنّ عليَّ الأكبرعليه السلام لمّا رأى قلّة النّاصر بين يدي


102


أبيه الحسين عليه السلام، وكان ينتظر هذا الشابّ هذه الساعة بفارغ الصبر، تقدّم من أبيه الحسين عليه السلام مستأذناً، فنظر إليه الحسين عليه السلام وبكى ثمّ اعتنقا حتّى سقطا مغشيّاً عليهما.
 

يويلي ومن تلاقوا عند الوداع

ودِرَوْا ما بعد ملقى غير هالساع


أفاق الحسين عليه السلام رافعاً سبابته نحو السماء قائلاً:

اللهمَّ اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه النّاس برسولك محمّدصلى الله عليه وآله وسلّم وكنّا إذا اشتقنا لرؤية نبيّك نظرنا إلى وجه هذا الغلام، اللهمَّ امنعهم بركات الأرض وفرّقهم تفريقاً ومزّقهم تمزيقاً واجعلهم طرائق قدداً ولا ترضي الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عَدَوْا علينا يقاتلوننا.

ثمّ التفت إلى ابن سعد قائلاً: يا بن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي وسلّط عليك من يذبحك على فراشك. وتقدّم عليّ الأكبر نحو الميدان مقاتلاً وهو يرتجز ويقول:

أَنَا عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِي
أَضْرِبُ بِالسَّيْفِ أَحْمِي عَنْ أَبِي

نَحْنُ وَبَيْتِ اللهِ أَوْلَى بِالنَّبِي
ضَرْبَ غُلَامٍ هَاشِمِيٍّ عَلَوِي


وجعل يقاتلهم قتال الأبطال بشجاعته وبسالته حتّى أكثر القتلى فيهم.

قالوا فوقف الحسين عليه السلام يراقب راية ولده عليّ الأكبر،


103


ووقفت ليلى أم عليّ الأكبر بباب الخيمة وقد جعلت وجه الحسين عليه السلام لها علامةً على ما يجري في الميدان. وبينما هي كذلك وإذا بلون وجه الحسين قد تغيّر، قالت: سيّدي أبا عبد الله، هل أصيب ولدي بشيء؟

فقال: لا يا ليلى، ولكن برز إليه من يُخاف منه عليه. قالت: إذاً ماذا أصنع؟ فقال: يا ليلى ارجعي إلى خيمتك، ادعي لولدك فإنّي سمعتُ حبيبي رسول الله يقول: إنّ دعاء الأم مستجاب في حقّ ولدها.

فرجعت إلى خيمتها ورفعت يديها بالدعاء لولدها
 

دخلت لخيمتها الغريبة
بالحسين وش ما بيه مصيبة
ليعقوب ومسكن نحيبه

وتوسلت لله بحبيبه
تگلا يا راد يوسف من مغيبه
أريدك علي سالم تجيبه

استجاب الله دعاءها ورجع عليّ الأكبر إلى والده الحسين عليه السلام، ولكن بأيّة حالة؟ وهو ينادي: أبه يا حسين، العطش قتلني وثقل الحديد أجهدني فهل لي إلى شربة ماء من سبيل؟ فبكى له الحسين وقال: بني عليّ، ما أسرع الملتقى بجدّك المصطفى فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً، ولكن بني عليّ، قبل أن تمضي إلى حتفك اذهب إلى


104


أمّك ليلى ودّعها.

فرجع إلى أمّه وودّعها، ثمّ عاد إلى الميدان يقاتل فمرّ به مرّة بن منقذ العبديّ، طعنه برمحه فسقط عن ظهر جواده منادياً: أبه يا حسين أدركني، رحم الله من نادى واسيّداه واعليّاه.

ثمّ احتوشه الأعداء من كلّ جانب حتّى قطّعوا جسده إرباً إرباً.

وأقبل الحسين عليه السلام إلى مصرعه كالليث الغضبان، وتمدّد بجنب ولده واضعاً خدّه على خدّه وهو يقول: بني عليّ على الدنيا بعدك العفا، أمّا أنت فقد استرحت من همِّ الدنيا وغمِّها وبقي أبوك لهمِّها وغمِّها.
 

قام حسين يضرب ايده بيده
أبو ومحتار يم جثة وليده
عمته تنتظر وأمه تريده
قعد عنده وشافه مغمض العين
عاري مسلب معفر الخدين

ويخضب شيبته من دم وريده
يريد وياه للمخيم يعيده
صعبة الوالدة تفقد وليده
متواصل طبر والراس نصب
حنى ظهره على وليده وتحسّر

أراد أن يحمله إلى المخيّم، فلم يتمكّن لأنّه كلّما حمله من جانب سقط الجانب الآخر، لهذا صاح: يا بني هاشم احملوا أخاكم عليّاً.


105


شافه والنبل شابك عالجراح
صاح حسين يا زينب علي راح

هوى فوقه وصفق راحن على الراح
يختي أظلمت الدنيا عليّه

يقول الراوي، فرأينا امرأة خرجت من المخيّم واضعة عشر أصابعها على رأسها وهي تنادي: واأخيّاه وابن أخيّاه. سألنا عنها فقيل: إنّها زينب ابنة فاطمة بنت رسولصلى الله عليه وآله وسلّم.

حملوه إلى المخيّم، فجاءت إليه أمّه وهي تنادي: واولداه واعليّاه ـ تصوّر أيّها المؤمن كيف نظرت هذه الأم إلى جسد ولدها المقطّع إرباً إرباً.

إجت شايطة وحضنت ولدها
يبني أنا ردتك ترد وحشة الغياب
والله ذاب القلب من شوفتك ذاب
وينه ابني تصرخ المفجوعة أمه
وينه ابني ارد اشمه ريد أضمه
ما أصدق يا شبيه الهادي جدك
ما أصدق يا علي طفو شمعتك
رد عليَّ لا تخلي فكري حاير
رد عـــلــــيَّ يا علي لا لا تسافر

ما تنلام الولد قطعة من كبدها
وردتك تهيل عليَّ التراب

وينه ابني قالوا مغسل بدمه

ما أصدق بالدما مخضوبة جثتك

رد عليَّ قبل ما تعمى النواظر
 


106


يقلها صبري وين ارد كلي جروح
آه يا يمه والولد منك يروح
أنا ردتك ما ردت دنيا ولا مال
يبني خابت ظنوني والآمال
يَا كَوْكَباً مَا كَانَ أَقْصَرَ عُمْرَهُ

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

آه يا عمري ما بقت في جسمي روح


تحضرني لو وقع حملي ولو مال
عند الضيق يبني قطعت بيَّ
وَكَذَا تَكُونُ كَوَاكِبُ الأسحار
 


107