الليلة الثامنة

مجلس القاسم "رض":

شِبْلُ الزَّكِيِّ المُجْتَبَى بَدْرُ الهُدَى
أَعْظِمْ بِهِ مِنْ قَاسِمٍ قَسَمَ العِدَى
مَنْ مِثْلُهُ بَيْنَ البَرِيَّةِ مَحْتِداً
لَمْ أَنْسَ مُذْ أَشْجَاهُ وَحْدَةُ عَمِّهِ
طَلَبَ البِرَازَ مِنَ الحُسَيْنِ وَقَلْبُهُ
فَتَدَفَّقَتْ عَبَرَاتُ بَدْرِ سَنَا الهُدَى
وَانْصَاعَ نَحْوَ القَوْمِ يَخْطُبُ فِيهِمُ
وَيَكُرُّ فِيهِمْ قَائِلاً إِنْ تُنْكِرُوا
وَعَلَيْهِ أَشْقَى القَوْمِ شَدَّ مُقَنِّعاً
فَهَوَى كَمَا تَهْوِي الجِبَالُ عَلَى الثَّرَى
وَدَعَا أَيَا عَمَّاهُ أَدْرِكْنِي فَقَدْ
فَأَتَاهُ غَوْثُ المُسْتَغِيثِ مُنَادِياً
وَأَتَى بِهِ نَحْوَ المُخَيَّمِ نَادِباً

شَمْسُ المَنَاقِبِ وَالعُلَا وَالسُّؤْدَدِ
ضَرْباً وَطَعْناً فِي قَنىً وَمُهَنَّدِ
ضَرَبَتْ بِهِ أَعْرَاقُهُ لِمُحَمَّدِ
بَيْنَ الأَعَادِي مَا لَهُ مِنْ مُنْجِدِ
مُتَوَقِّدٌ بِالحُزْنِ أَيَّ تَوَقُّدِ
سِبْطِ النَّبِيِّ عَلَى شَقِيقِ الفَرْقَدِ
بَلِسَانِ صَمْصَامٍ وَأَسْمَرَ أَمْلَدِ
إسْمِي فَإِنِّي ابْنُ النَّبِيِّ الأَمْجَدِ
بِحُسَامِهِ رَأْساً لِأَكْرَمِ سَيِّدِ
ظَامٍ وَنَارُ فُؤَادِهِ لَمْ تُخْمَدِ
أَوْرَى الظَّمَا كَبِدِي وَبَانَ تَجَلُّدِي
وَإِذَا بِهِ بِالرِّجْلِ يَفْحَصُ وَاليَدِ
يَبْكِي وَيَنْدُبُهُ بِقَلْبٍ مُكْمَدِ


85


شعبي:

طلع من خيمته الجاسم
لازم مرهفه بكفه
شافه من بعيد حسين
يقلّه يبني يا مشيّم
واشوفك يالولد مهتم
ومثل الغصن تتدنى
قال الحرب مقصودي
قلب ما ظل بعد عندي       
يقله شلون ارخصنك
يبني شلون عليّ يهون
مابيه الذي يرحمون
عودك شعتذر منه
يقله بعد لا تظن يحسين
وأنت تنذبح مظلوم
يعمي ما ترخصني

وراح لعمه يودعه
ولابس للحرب درعه
والجاسم همل دمعه
وطالع من المخيّم
لابس سيفك ودرعك

واريدنك ترخّصني
وعلى الصبر يسعدني
واخافن تنقتل يبني
يجاسم تطب هذا الكون
ومن تنقتل يا وليدي

بعد ارجع للمخيم
وأنا من الذبح أسلم
قلبي خلص من الهم


86


قام يودعه عمه
وجاسم ينتحب يمّه
وجاسم يجذب الونه
قصد جاسم إلى الميدان
وطلع ويلي من الخيمة
صاح أنا الحسن عودي
وصاح أنا المرتضى جدي
لكن عاجله الأسدي
وصارت بالخيم حنّه
طاح وصاح يا عمي
شافه يرفس برجله
شاله ببردته شاله
وصارت للخيم لمّه
وهذي تحبه وتضمه
عساك بعرسك مهنّه
ليالي سهرت برباك وعدلك
اتاري الموت تاليها وعدلك

ولوجناته يشمّه
وعمه يهمل دموعه

لازم مرهفه بكفه
يخاف القوم ما تعرفه
وكل ذاك الجمع لفّه
شوف عليكم شيسدي
عمت عينه طبر راسه

وأبو اليمهتدناله
وهمل دمعه على حاله
وجابه لخيمة عياله
هذي نجده تشمه
وأمه تصيح يوليدي

واحسب للعرس يبني وعدلك
تعوف العرس وأنا ابقى بعزية


87


يُعتبر القاسم بن الحسنعليه السلام مع إخوته أنّهم كانوا يمثّلون أباهم الإمام الحسنعليه السلام في يوم العاشر من المحرّم.

ولذلك كان لزاماً علينا أن نذكر هذا الإمام السبط المجتبى المسموم في هذه الليالي، إذ كان حاضراً بأولاده في يوم العاشر من المحرّم. ونطلّ ولو سريعاً على بعض ملامح شخصيّته عليه السلام ولذلك فنحن نورد بعضاً منها على عجل:

1 ـ هو سيّد شباب أهل الجنّة، وسبط رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلّم وريحانته من الدنيا، وإمام مفترض الطاعة على جميع الخلائق بنصّ رسولصلى الله عليه وآله وسلّم، هذان إمامان قاما أو قعدا.

2 ـ شبهه برسول اللهصلى الله عليه وآله وسلّم، فكلّ واحد من أهل البيتعليهم السلام كان يشبه المصطفى محمّداًصلى الله عليه وآله وسلّم من ناحية، وكان الإمام الحسن عليه السلام شبيهاً بجدّه في جوده وسؤدده، حتّى رُوي أنّه قاسم ماله مرّتين أو ثلاث مرّات، وله في هذا قصص وحكايات كثيرة ذكرها المؤرّخون وأرباب السير ومنها:

أنّ رجلاً جاءه يشكو الفقر والفاقة فوقف على باب الإمام وقال شعراً:
 

لَمْ يَبْقَ لِي شَيْءٌ يُبَاعُ بِدِرْهَمِ
إِلَّا بَقَايَا مَاءِ وَجْهٍ صُنْتُهُ

يَكْفِيكَ مَنْظَرُ حَالَتِي عَنْ مَخْبَرِي
أَلّا يُبَاعَ وَقَدْ وَجَدْتُكَ مُشْتَرِي


88


فدعا عليه السلام خادمه وقال له: ما مقدار ما عندك؟ فقال اثنا عشر ألف درهم، فقالعليه السلام: ادفعها إلى هذا الرجل وأنا منه خَجِل، فقال الخادم: لم يبق شيء للنفقة قالعليه السلام، ادفعها إليه وأحسن ظنّك بالله، ثمّ دعا الرجل ودفع إليه المال واعتذر قائلاً: لم نعطك حقّك بل أعطيناك قدر الموجود، ثمّ أنشد:

عَاجَلْتَنَا فَأَتَاكَ وَابِلُ بِرِّنَا
فَخُذِ القَلِيلَ وَكُنْ كَأَنَّكَ لَمْ تَبِعْ

طَلَّاً وَلَوْ أَمْهَلْتَنَا لَمْ تُمْطَرِ
مَا صُنْتَهُ وَكَأَنَنَا لَمْ نَشْتَرِ


3 ـ أخلاقهعليه السلام وعبادته: يروي الشيخ الصدوق بسنده عن الإمام الصادقعليه السلام: قال أبي عن أبيه: كان الحسن ابن عليّ أعبد النّاس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ ماشياً وربما مشى حافيا,ً وكان إذا ذكر الموت، بكى وإذا ذكر القبر بكى وإذا ذكر البعث والنشور بكى وإذا ذكر الممرَّ على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله شهق شهقة يغشى عليه منها، وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزَّ وجلّ، وكان إذا ذكر الجنّة والنّار اضطرب اضطراب السليم وسأل الله الجنّة وتعوّذ به من النّار.

4 ـ مظلوميّات الإمام الحسن عليه السلام: ومنها: ظلم الأمويّين والمؤرّخين، ويتمثّل ذلك بتشويه صورة الإمام عليه السلام من


89


خلال بثّ الشائعات والدعايات الكاذبة والمضلّلة والتي من شأنها إسقاط صورة الإمام من أعين النّاس، وتسويغ أي جريمة أو ذنب أو تجاوزات كان يرتكبها الأمويّون وحكّامهم وعلى رأسهم معاوية ومن بعده يزيد.

ومن أهمّ الوسائل التي استخدمت في ذلك، اختلاق الأحاديث الكاذبة عن رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلّم في ذمّ الإمام الحسن أو تصويره على أنّه صاحب دنيا ومزواج مطلاق وما إلى ذلك من المحاولات.

تخلّف النّاس عن نصرته ممّا اضطرّه إلى الصلح بعد انهيار جيشه بإغراءات معاوية وترهيبه، بل وزادوا على ذلك بمحاولة اغتيال الإمام وطعنه في فخذه وسحب المصلّى من تحت قدميه، والتجرّؤ عليه واتهامه بالتخاذل حتّى وصل الأمر بالبعض إلى أن يخاطب الإمامعليه السلام بـ: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين.

يروي الشيخ الطبرسيّ:"أنّه دخل عليه النّاس فلامه بعضهم على بيعته فقالعليه السلام: ويحكم، ما تدرون ما عملت، والله للذي عملت لشيعتي خيرٌ ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت".

ألا تعلمون أنّي إمامكم ومفترض الطاعة عليكم وأحد سيِّدِيْ شباب أهل الجنّة بنصّ رسول الله عليّ؟ قالوا بلى، قال: أما


90


علمتم أنّ الخضر لمّا خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك وكان عند الله تعالى ذكره حكمة وصواباً؟

وبهذا الكلام الواضح أعلم الإمامعليه السلام شيعته وكلّ النّاس أهمّيّة هذا الصلح الذي أعاد للمؤمنين حقوقهم وقيّد معاوية في حكمه بالقرآن وبسنّة رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلّم وفضح معاوية فيما بعد أمام كلّ الأمّة.

5 ـ أولاد الإمام الحسنعليه السلام: زيد كان في عاشوراء ولكنّه لم يستشهد ولم ينجب فيما بعد. الحسن بن الحسن المثنى قاتل يوم العاشر وجرح وجاء إليه أخواله واستنقذوه وكان عقب الإمام الحسن في ولده.

أحمد وعمرو من الشهداء يوم العاشر المقاتلين مع عمّهم الحسين عليه السلام.

وعبد الله الذي جاء إلى الحسين عليه السلام عندما كان أحد الأعداء يضرب الحسين عليه السلام وهو صريع على أرض كربلاء، فقال عبد الله الذي أفلت من يدي عمّته زينب واتّجه نحو الحسين قال: يا عدوّ الله أو تضرب عمّي؟!، فضربه الرجل فاتّقاها الغلام بيده، فقطعها وبقيت معلّقة بالجلد، فقال له الحسين عليه السلام: يا


91


بن أخي اصبر على ما نزل بك فإنّ الله يلحقك بآبائك.

ومن أولاد الإمام الحسنعليه السلام الشهداء يوم العاشر هو القاسم بن الحسنعليه السلام الذي تقدّم من عمّه مستأذناً يوم العاشر، وهو غلام لم يبلغ الحلم، ويروون أنّه كان قد بكي ليلة العاشر من المحرّم عندما لم يعدّه الحسين عليه السلام من بين الشهداء يوم العاشر من المحرّم، فأراد الحسين عليه السلام أن يختبره فقال له: يا بن أخي كيف هو الموت عندك؟ قال: اعلم يا عمّ أنّ الموت عندي بين يديك أحلى من العسل.

ويقولون إنّه جاء إلى عمّه الحسين عليه السلام يوم العاشر وقد قال له الحسين عليه السلام يابن أخي كيف أُعَرِّضُك لضرب السيوف وطعن الرماح وأنت البقيّة من أخي الحسن؟ قال عمّ أبا عبد الله، هذه وصيّة وجدتها في جيب والدي الحسن مكتوب فيها: بني قاسم إذا رأيت عمّك الحسين يوم عاشوراء وحيداً فريداً فلا تقصّر في نصرته.

فضمّه الإمام إلى صدره، ثمّ ألبسه لامة حربه وقلّده سيف والده الحسنعليه السلام وعمامته وقميصه وأمره أن يذهب لوداع أمّه وعمّاته.


92


فأقبل القاسم نحو المخيّم مودّعاً

لزمت ركابه سكينة
ومن الخيم مدهوشة
يبني يجاسم هالوقت
لها ليوم انا ذاخرتك
هزّ الرمح وتكنّه
رايح أنا يا والدة
عمي وحيد بكربلا
أنت وعمتي زينب
أوصيك يا يمه وصية
شبان لو شفتيهم
محروم من شم الهوا
عطشان أنا يا والدة

وعمته بحلقه تشمه
طلعت تنادي أمه
حيلك لعمك ضمّه
بالك تخيب ظنوني
يا والدة داادعيلي
من غير ما تقليلي
إلمن أضمن حيلي
لمن أغير انخوني
تسرعين لفظ جوابي
بالله وذكري شبابي
من دون كل أصحابي
عند الشرب ذكريني


ثمّ تقدّم نحو ميدان كربلاء، وهو يرتجز ويقول:
 

إِنْ تُنْكِرُونِي فَأَنَا نَجْلُ الحَسَنْ   
هَذَا حُسَيْنٌ كَالأَسِيرِ المُرْتَهَنْ

سِبْطُ النَّبِيِّ المُصْطَفَى وَالمُؤْتَمَنْ
بَيْنَ أُنَاسٍ لَا سُقُوا صَوْبَ المُزُنْ

يقول حميد بن مسلم خرج علينا غلام وجهه كفلقة قمر طالع


93


وعليه قميص وإزار وبيده سيف جعل يقاتل القوم على صغر سنّه وبينما هو يقاتل إذ انقطع شسع نعله، ولا أنسى أنّها كانت اليسرى، فانحنى عليه ليصلحه فشدّ عليه الأزديّ قائلاً: عليَّ آثام العرب لئن مرّ بي هذا الغلام لأثكلنّ به عمّه الحسين عليه السلام. فمرّ بالغلام حتّى ضرب بالسيف على رأسه، ففلق هامته، فوقع القاسم صريعاً منادياً: عمّ أبا عبد الله أدركني رحم الله من نادى واسيّداه واقاسماه.

فجاءه الحسين عليه السلام مسرعاً، وصل إلى مصرعه وجده يفحص بيده ورجليه الأرض، نادى: بني قاسم عزَّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يعينك، أو يعينك فلا يغني عنك، هذا والله يوم كثر واتره وقلّ ناصره.


 

بكى وناداه يا جاسم شبيدي
هان الكم تخلوني وحيدي

يريت السيف حز قبلك وريدي
وعلى خيمّي يعمي الخيل تفتر


ثمّ حمل القاسمعليه السلام إلى المخيّم، وأدخله إلى خيمة الشهداء، مدّده بجنب ولده عليّ، جعل تارةً ينظر إلى ولده ينادي: وا ولداه واعليّاه، أخرى ينظر إلى القاسم ينادي: وا ابن أخيّاه واقاسماه.

نوبه ينحني على ابنه ويحبه

ويمد إيده يجسّ جروح قلبه


94


ونوبه الدمع عالجاسم يصبّه
يشبان بالله لا تونون
تهدون حيلي من تلوجون
جابه ومدده ما بين أخوته
بس ما سمعن النسوان صوته

ويقلهم اشبيدي على المحتم
بونينكم قلبي تقطعون
يا ثمرة افادي ما تحكمون
وبكى عدهم يا ويلي وهم موتى
اجت رملة تصيح الله أكبر


جاءت إليه أمّه وهي تنادي واولداه واقاسماه، تصوّر أيّها المؤمن أنّ أمّاً وقفت تنظر إلى جسد ولدها الشابّ الصغير وهو مفلوق الهامة.

يبني يجاسم جيت أشمك
اقعد يمن لا ظلت أمك
تعبت يبني على تربيتك ولا روح
أظل طول العمر بعدك ولا روح
آه يبني شقول عليك آه يبني
آه يبني شقول عليك يا سلوى
شهالبلوى المثلها ماسدت بلوى
آه يبني لعند الموت ما تذبني

وبدمعي أغسل جروح جسمك
ظل قلبي يبني يحوم يمك
وبعد لا مهجة ظلت لي ولا روح
شلون وأنت على الوطية
دولبني زماني عليك دولبني
شلون أنساك وأنسى أيامك الحلوة
 

آه يبني شقول عليك آه يبني


95


وحنيت يبني ما ذكرت أمك
يجاسم خضبت شيبي وحنيت
بُنَيَّ تَقْضِي عَلَى شَاطِي الفُرَاتِ ظَماً

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وحنيت عفتني من انطبق ظهري
بدمك يا شباب الغاضرية
وَالمَاءَ أَشْرَبُهُ صَفْواً بِلَا كَدَر

 

 


96