الليلة الرابعة

مجلس مصائب كربلاء:

ثَارَ الحُسَيْنِ فُؤَادُ عَبْدِكَ قَدْ بَكَى
وَالعَيْنُ قَدْ جَادَتْ بِدَمْعٍ أَحْمَرٍ
تِلْكَ الِّتِي وَرِثَتْ مَصَائِبَ أُمِّهَا
سَارَتْ وَغُلُّ القَيْدِ يُدْمِي مَتْنَهَا
وَمُتُونُهَا قَدْ وُشِّحَتْ بِسِيَاطِهِمْ
وَمَلَامِحُ الوَجْهِ الكَرِيمِ تَشَتَّتَتْ
وَدُخُولُهَا لِلشَّامِ أَوْقَدَ فِي الحَشَا
يَا سَيِّدِي لَوْ خِلْتَهَا بِخَرَابَةٍ
وَتُعَايِنُ الأَغْلَالَ تَرْفُلُ فِي يَدَيْ
فَتَصِيحُ مِنْ قَلْبٍ حَزِينٍ مُوجَعٍ
بَعْدَ الحِمَى وَالصَّوْنِ صِرْتُ أَسِيرَةً

حُزْناً عَلَى المَظْلُومِ وَالعَطْشَانِ
لَمَّا ذَكَرْتُ غَرِيبَةَ الأَوْطَانِ
وَبِقَيْدِهَا سَارَتْ مَعَ العُدْوَانِ
وَالحَبْلُ يَجْمَعُهَا مَعَ النِّسْوانِ
وَالظَّهْرُ مُنْحَنِياً مِنَ الأَحْزَانِ
مِنْ جَوْرِ عُدْوَانٍ وَسَيْرٍ ضَانِ
نِيرَانَ وَجْدٍ هَيَّجَتْ أَشْجَانِي
تَحْمِي النِّسَا مِنْ أَعْيُنِ الخُوَّانِ
زَيْنِ العِبَادِ وَخِيرَةِ الشُّبَّانِ
أَحُسَيْنُ لَيْتَكَ حَاضِرٌ وَتَرَانِي
وَإِلَى يَزِيدَ وَرِجْسِهِ أَهْدَانِي


39


شعبي:

وين امشي أشوف عيون
واشوف سيوفهم
صحت وينك يا بو الغيرة
صاح وسوطه ألتف عليَّ
أنا ام الخدر يا حيف
يباوعلي ويهز السوط
محّد قال عيناك وآنه تمايل بهمي

تصد ليّه وتنقط سم
جمرة وتنقط سم
سمعني الشمر وتبسم
للكوفة انقودك مسبية
تاليها الشمر يمي
ويشتم والدي وأمي
 

اركض واتلفّت واتعثر
وين الدق إلي صدره
تالي عافني بغربة
اريد امشي لراعي الجود
اشعر صوته يرد بضلوعي
آخر دمعة عتاب
تذكرني بالذي ينشد
هزيلة الناقة جابوها

وين الكافل ظعن الخدر
وقال بخدرك أتكفل
وعليّه الشمر يتمرجل
وشوفه بها لوضع يقبل
وما خليته يشوف دموعي
على الشاطي أخليها
زينب وين أهاليها
وأختك تركب عليها

 


40


يا هو العنّاقة يركبني
كان وكان اذكر يمك آني
يخويه شلون يضربني ويمك آني

ومن أوقع خاف تعاتبني
البشر ما كان يقرب يم مكاني
يضربوني ويشتمون الزكية

(جواب)

وحق السار وتدلّه والى دين
بزينب لو يرد سيفي والايدين
يزينب بخيمة دموعك يزينب صحت لا
الشمر لمن ضرب متنك صحت لا

ما انكر إلي وعدي وإلى دين
فلا وصلوا خيام الهاشمية
وعتبي على الذي كفوفه صحت له
الصيحة الما صحتها بقطع أديّه

ورد في جواب سعد بن عبد الله عن الإمام المهديّ | أنّه قال: لمّا علَّم جبرئيلعليه السلام زكرياعليه السلام أسماء الخمسة من آل محمّدصلى الله عليه وآله وسلّم، كان زكريا يقول: إلهي ما لي كلّما ذكرتُ أربعاً منهم تسلَّيتُ بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرتُ اسم الحسين اختنقتُ بعبرتي وثارت زفرتي، فقال له جبرئيلعليه السلام: كهيعص ـ فالكاف اسم كربلاء والهاء هلاك العترة والياء يزيد وهو ظالم الحسين والعين عطش الحسين والصاد صبر الحسين. فلمّا سمع زكريا ذلك جلس في محرابه ومُنع النّاس من الدخول عليه، وكانت ندبته (يعني وهو يبكي ويلطم صدره): إلهي أتفجع


41


محمّداً حبيبك بولده، فيقول: اللهمَّ ارزقني ولداً تقرّ به عيني- يعني على الكبر- واجعل محلّه منّي محلّ الحسين، فإذا رزقتنيه فافتنيّ بحبّه ثمّ افجعني به كما تفجع محمّداً حبيبك بولده.

فرزقه الله يحيىعليه السلام وكان حمل يحيى ستّة أشهر كما كان حمل الحسين عليه السلام ستّة أشهر وذُبح يحيى كما ذبح الحسين وأهدي رأس يحيى إلى بغيّ من بُغاة بني إسرائيل كما أهدي رأس الحسين إلى بغي من بُغاة بني أميّة. هذا المستوى العظيم من المواساة الذي ورد ذكره على لسان الإمام المهديّعليه السلام يحتم علينا أن تكون مواساتنا بمستوى الواقعة العظيمة عبر لبس السواد وإظهار الحزن وإقامة المآتم والمشاركة في المجالس وما إلى ذلك من المظاهر العاشورائيّة.

فها هو نبيّ الله يحيى وزكريا عليها السلام قدّما هذه المواساة العظيمة، ولهذا ورد في تفسير قوله تعالى:
﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا .

عن الإمام الصادقعليه السلام الحسين بن عليّ ويحيى بن زكريا لم يكن لهما من قبل سميّاً وما بكت السماء إلّا عليهما أربعين صباحاً، قيل فما بكاؤها؟ قال: كانت تطلع الشمس حمراء وتغيب حمراء.


42


هذه السماء وهذه الأرض تبكيان فكيف بالقلوب، التي امتلأت حبّاً بالحسين وبأهل بيت الحسين عليه السلام؟! خصوصاً مع ملاحظة صاحب العزاء وهو إمام الزمان حجّة الله على الأرض الذي يحضر في هذه المجالس (يعني إنّ بركاته حاضرة فيها) فقد نقل أنّ آية الله المرحوم السيّد محمّد مهدي بحر العلوم كان يوم العاشر من المحرّم واقفاً في كربلاء مراقباً المواكب التي جاءت إلى حرم سيّد الشهداءعليه السلام للعزاء، وكان السيّد يلطم ويبكي محفوفاً بالعلماء وطلبة العلم والنّاس، ولكن حدث أن مرَّ موكب جعل حالة السيّد تتغيّر فجأة، وكان أصحاب هذا الموكب قوماً فقراء يركضون نحو حرم الحسين عليه السلام(كتعبير عن الدهشة والمصيبة) قادمين من منطقة طويريج وكان عندهم شعاران بالتعبير العامي العراقي.

هالله هالله حسين وينه
لو قطعوا أرجلنا واليدين

بالسيوف مقطعينيه
نأتيك زحفاً سيدي يا حسين


فلمّا مرَّ هذا الموكب أمام السيّد حدثت عند السيّد حالة دفعته إلى أن يرمي عمامته إلى الأرض ويركض ويمشي مع هذا الموكب في حالة من البكاء واللطم على الحسين عليه السلام.

فلحقه بعض العلماء وطلبة العلم وسألوه عن ذلك وعن سبب


43


تركه للعمامة أمام النّاس وبهذه الطريقة، فقال: كيف لا أمشي في موكب رأيت صاحب العصر والزمان يمشي فيه يبكي كما يبكون ويلطم كما يلطمون؟!
إذاً العزاء كلّ العزاء لإمام الزمانعليه السلام الذي قال: يا جدّ، لئن أخّرتني الدهور وعاقني عن نصرك المقدور لأندبنَّك صباحاً ومساءً، ولأبكيّن عليك بدل الدموع دماً. أليس هو صاحب الثار، أين الطالب بدم المقتول بكربلاء؟ أليس هو الذي يكون شعاره عند خروجه يا لثارات الحسين؟ يأتي إلى كربلاء زائراً جدّه الحسين عليه السلام وإذا بالنداء من قبر الحسين عليه السلام: إلى الآن يا ولدي يا مهديّ. ثمّ يمدّ يده إلى قبر الحسين عليه السلام فيستخرج الطفل الرضيع والسهم مشكوك في نحره ثمّ يرفعه على ملأ من النّاس وهو يقول: أيّها النّاس، إذا كان ذنب للكبار فما ذنب الصغار.

آه يا مهدي آه يا مهدي
فوق الضريح يطيح ودموعه جريه
وعقب التحية عند راسه يوقف يزور
وكفوفك اللي مقطعه ورأسك المشهور

آه يا مهدي آه
ويسلّم على جدّه ويبديله التحية
ينادي سلام الله على نحرك المنحور
وضلوعك اللي تحطمت بالأعوجية

 


44


آه يا مهدي آه يا مهدي آه يا مهدي آه

أبكي على شبانك اللي ذبحوهم
وخيامك اللي بنار يا جدي احرقوهم

آه يا مهدي آه يا مهدي آه يا مهدي آه

وينفتح قبره وتطلع الجثة بلا رأس
ويمشي أبو صالح المهدي لقبر عباس



أبكي على نسوانك اللي سلبوهم
ومن صيحة المهدي تموج الغاضرية



ويموج وادي كربلاء من ضجة الناس
يوقف على رأس البطل راعي الحمية


تصوّر أنّ الإمام عليه السلام في كربلاء ووقف عند قبر أبي الفضل العبّاسعليه السلام، هناك يتذكّر بطولات أبي الفضلعليه السلام وما يؤلم قلبه هو عمّته زينب عليها السلام التي كانت وديعة أمير المؤمنينعليه السلام عند أبي الفضلعليه السلام، لأنّ أمير المؤمنينعليه السلام عند شهادته وضع يد زينب في يد العبّاس وقال: بني أبا الفضل، هذه وديعتي عندك ولكن أين صارت هذه الوديعة؟ صارت أسيرة مسبيّة من بلد إلى بلد.

يقولون زينب طلعوها
وكلما بكت بالسوط ضربوها

وحرقوا قلبها براس أخوها
سبوا الزكية وشتموا ابوها


راحت أسيرة وكان لها مواقف عظمية في مسيرة السبي من بلد إلى بلد لعلّ من أعظم هذه المواقف دخولها إلى مجلس


45


يزيد بن معاوية في الشام، ولكن بأيّة حالة؟ يقول الإمام زين العابدينعليه السلام: أدخلونا على مجلس يزيد وكان الحبل ممدوداً من عنقي على عنق عمّتي زينب.

خوي بس هاي ما كانت على البال
وراسك بالطشت وتشوفه العيال

أنا طب المجلس بزنودي الحبال
بايده العصا يزيد ويوسم المبسم


نعم رأت رأس الحسين عليه السلام بين يدي يزيد وهو يوسم ثغر الحسين عليه السلام بخيزرانة ويردّد أبيات الشماتة
 

لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا
لَأَهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحاً

جَزَعَ الخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الأَسَلْ
ثُّمَ قَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تَشَلْ

إلى آخر الأبيات، وهذ المنظر صعب على قلب زينب عليها السلام... صاحت واأخاه واحسيناه.

راسك يخوي حين شفته
وتلعب عصا يزيد على شفته
صديتله بحرقة وندهته
وحق راسك يخوي ونور عيني
شلون تلومني من أعمي عيوني
يَا قَلْبَ زَيْنَبَ كَمْ قَاسَيْتَ مِنْ مِحَنٍ

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

مخضب بدمه ولا عرفته
انا ساعتها خدي لطمته
شلّت يمينك يا لضربته
أنا طول الدهر ما يبطل ونيني
على فرقاك وانت نور العين
فِيكَ الرَّزَايَا وَكُلُّ الصَّبْرِ قَدْ جُمِعَا

 


46