الليلة الأولى

مجلس استقبال شهر محرم:
 

مَا لِلْبَسِيطَةِ زُلْزِلَتْ أَقْطَارُهَا
وَعَلا الضَّجِيجُ مِنَ العَوَالِمِ كُلِّهَا
قَدْ أُبْدِلَتْ بَعْدَ السُّرُورِ مَآتِماً
أَفَهَلْ دَهَى الأَكْوَانَ خَطْبٌ مُهْلِكٌ
قَالُوا أَمَا تَرْنُو هِلَالَ مُحَرَّمٍ
فَالْبَسْ ثِيَابَ الحُزْنِ وَاجْلِسْ لِلْعَزَا
مُتَفَكِّراً فِيمَا جَرَى فِيهِ عَلَى
ظَنَّتْ عُلُوجُ أُمَيَّةٍ مِنْ جَهْلِهَا
خَابَتْ وَخَابَ رَجَاؤُهَا الخَاطِي وَقَدْ

وَالشَّمْسُ قَدْ خُسِفَتْ بِهَا أَنْوَارُهَا
وَكَذا المـَجَالِسُ سُوِّدَتْ أَسْتَارُهَا
وَالخَلْقُ حُزْناً أُقْرِحَتْ أَبْصَارُهَا

فأُزِيلَ مِنْ عَطْبٍ بِهَا اسْتِقرَارُهَا
 قَدْ هَلَّ فَانْهَلَّتْ لَهُ أَنْظَارُهَا
 فَالحُزْنُ لِلأَطْهَارِ فِيهِ شِعَارُها
آلِ الرَّسُولِ وَمَا جَنَتْ أَشْرَارُهَا
أَنَّ العَبِيدَ تُطِيعُهُمْ أَحْرَارُهَا
فَشِلَتْ وَبَانَ إِلَى البَرِيَّةِ عَارُهَا


9


شعبي:

هلّت الشيعة بالحزن يا هلال عاشور
يا هلال المحرم ليش أشوفك كاسف اللون
ون الهلال وقال سيد الرسل محزون
من حين هلّ الشهر هل بكل الأحزان
ناحت عليه أملاكها والانس والجان
وأما المصيبة اللي اللوعت مهجة افادي
عاشور جاني وزاد حزني على ولادي
أبكي على ولادي ذبايح يوم عاشور
ونسيت ضلعي اللي بجنب الباب مكسور
 

ونصبت عزية بالمآتم ولطمت صدور
لابس سوادك ليش قلي شصار بالكون
وكل العوالم محزنة والدين مقهور
وجدّد مصاب اللي قضى بالطف حيران
على الذبيح اللي بقى بالطف منحور
أهل المدينة يسمعوا الزهرا تنادي
وأني نصبتلهم عزا في وسط القبور
وانصب عليهم مأتم بوسط القبور
واعظم عليّ لو نعى الناعي على حسين


10


شعبي:

يا موالي استعد بهالمسية
يا موالي صيح آيالغاضرية
يا موالي خلي دمعاتك جرية
يا موالي حسين مرمي أعلى الوطية
يا موالي وزينب أخذوها سبية
يا موالي والطفل ما شرب مية

يا موالي وشعظمهاي الرزية
يا موالي واسي فاطمة الزكية
يا موالي وحسرتك تصبح شجية
يا موالي وجثة الكافل رمية
يا موالي سيروا سكنة ورقية
يا موالي وجاسم واكبر اخيه

مصاب أبي عبد الله الحسينعليه السلام هو مصاب أقرح الجفون وأدمى القلوب وأورث الكرب والبلاء إلى يوم القيامة، فعلى أبي عبد الله الحسينعليه السلام فليبكِ الباكون وليندب النادبون وَلْيتأسَّ بمصاب الحسينعليه السلام المصابون فإنّ البكاء عليه يحطّ من الذنوب العظام كما ورد عن سيّدنا ومولانا وإمامنا ومقتدانا أبي الحسن عليّ بن موسى الرضاعليه السلام أنّه قال لصاحبه دعبل الخزاعيّ: يا دعبل، من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا حشره الله في زمرتنا، يا دعبل من بكى على مصاب جدّي أبي عبد الله الحسينعليه السلام غفر الله له ذنوبه البتّة.

ما أعظمها من دمعة وما أعظمها من أنّة وما أعظمها من مصيبة 


11


حلّت على الإسلام وأهله، وما أعظمها من ذكرى تطلّ علينا كلّ عام تبثّ فينا من جديد روح التضحية والوفاء والإيثار والإباء ورفض الظلم، وتذكّرنا بأعظم مظلوميّات التاريخ والإنسانيّة وتضخّ فينا دماءً جديدة من دم الحسينعليه السلام النابض الذي لا يزال حيّاً فينا، يستثير مشاعرنا ويشدّ من عزيمتنا ويضعنا أمام مسؤوليّة عظيمة من أجلها بذل الحسينعليه السلام دمه الذي هو أعظم دم "أشهد أنّ دمك سكن في الخلد واقشعرّت له أظلّة العرش" ونفسه التي هي أقدس نفس والتي هي نفس المصطفى محمدصلى الله عليه وآله وسلّم "حسين منّي وأنا من حسين".

ولهذا فقد بكت كلّ المخلوقات على هذه المظلوميّة ولم يبق حجر ولا شجر ولا مدر ولا وحش ولا جنّة ولا حور ولا ملائكة ولا أنبياء إلّا وبكى على الحسينعليه السلام ابتداءً من آدم وانتهاءً برسول اللهصلى الله عليه وآله وسلّم الذي بكى على الحسينعليه السلام يوم ولادته وفي مواضع ومواقف كثيرة، فكان يُقبٍّل نحر الحسينعليه السلام ويبكي ويُقبِّل ثغر الحسينعليه السلام ويبكي.

يقبِّل مواضع السيوف من جسد الحسينعليه السلام ويبكي.

ومن هنا كان بكاؤنا هذه الليالي على الحسينعليه السلام تعزيةً لرسول اللهصلى الله عليه وآله وسلّم ولأمير المؤمنينعليه السلام وللصدِّيقة الكبرى فاطمة


12


الزهراء عليها السلام التي كما ورد تبكي على ولدها الحسينعليه السلام إلى يوم القيامة. وحتّى في يوم القيامة فإنّ الزهراء عليها السلام تجوز على رؤوس الأشهاد يوم القيامة حيث ينادي المنادي غضّوا من أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليهما وآلهما، فتجوز الزهراء عليها السلامحتّى تصل إلى موضع فتنشر قميص الحسينعليه السلام وهو ممزّق من ضرب السيوف وطعن الرماح ثمّ تشهق شهقة عالية يرتجّ لها الموضع، ويبكي لها كلّ أهل المحشر ولسان حالها.
 

وين اليواسيني يا شيعة
وابن والده جنب الشريعة
وين اليواسيني بدمعته
وظلت ثلاث تيام جثته
ولا غسلت جسمه ودفنته

على حسين وأولاده ورضيعة
على العلقمي كفوفه قطيعة
على ابني الذي حزوا رقبته
أويلاه يبني الما حضرته
 


هذا البكاء فيه إسعاد لقلب فاطمة عليها السلام التي كما جاء في الرواية جاءها الحسينعليه السلام وهو في عمر الخمس السنوات يرتدي عمامة بيضاء جاءها باكياً قال: أمّاه إنّ جدّي كسر قلْبي، قالت: وكيف كسر قلبك؟ قال: رأيته يقبّل أخي الحسن في فمه وقد قبّلني أنا في نحري ولهذا كسر قلبي، فأخذت الزهراء


13


بيده وجاءت إلى رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلّم وأخبرته الخبر فقال: بني فاطمة إنّ ولدك الحسن يقتل مسموماً ويلفظ كبده من فمه، ولهذا قبّلته في فمه، وأمّا ولدك الحسين فيقتل مذبوحاً عطشانَ، ولهذا قبّلته في نحره فصاحت الزهراء أي وا ولداه واحسيناه، ثمّ قالت أبتاه، أو يقتل ولدي؟ وفي أيّ زمان يكون هذا؟ فقال في زمان خالٍ منّي ومنك ومن أبيه ومن أخيه فقالت يا أبتاه أو يقتل ولدي ولا نكون معه ومن يقيم عزاءه؟

فقال: بنيّ اعلمي أنّ الله سيجعل له شيعة يبكونه ويقيمون عزاءه إلى يوم القيامة، فقالت: يا أبتاه، إذن بماذا تثيب هؤلاء الشيعة؟ قال: بنيّ فاطمة، أمّا أنا فلا أدخل الجنّة إلّا وهم معي.

قالت: وأنت يا عليّ؟ قال: أمّا أنا فأسقيهم من حوض الكوثر يوم القيامة، قالت: وأنت يا حسن؟ قال: أمّا أنا فآخذ بأيديهم على الصراط وأدخلهم الجنّة.

قالت الزهراء: أمّا أنا فألتقطهم من بين النّاس كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الحبّ الرديء.

نظرت وإذا بالحسين واضع رأسه بين ركبتيه ودموعه جارية على خدّيه قالت: ولدي حسين، وأنت بماذا تثيبهم؟ قال: أمّاه أمّا أنا فمن زارني زرته (السلام عليك يا أبا عبد الله).


14


أقول: الحسين عليه السلام عزيز الزهراء عليها السلام ومهجة قلبها، ولهذا حتّى في شهادتها عندما أتمّ أمير المؤمنينعليه السلام تجهيزها وأدرجها في أكفانها وقبل أن يعقد الكفن نادى أولاده يا حسن يا حسين يا زينب هلمّوا لوداع أمّكم فاطمة، فأقبل الحسن عن يمينها ينادي: أمّاه بحقّ جدّي رسول الله كلِّميني، والحسين عن شمالها يصيح أمّاه أنا عزيزك الحسين كلِّميني.
 

يا يمه الليل كله ما أنامه
يا يمه بقينا من عقبك يتامه

يا يمه الدهر صوبنا بسهامه
 

قال أمير المؤمنينعليه السلام أشهد بالله لقد حنّت وأنّت وضمّت الحسن والحسين إلى صدرها وإذا بالنداء: يا عليّ إرفع الحسن والحسين عن أمّهما فاطمة فلقد والله أبكيا ملائكة السما هذا حال الحسن والحسين، وأمّا زينب فألقت بنفسها على صدر أمّها
 

يا يمه يا يمه يا يمه يا يمه
يمه أنا زينب عد من تخليني
يا يمه أنتظرك لمن يجي عاشور
أنت التباريني لو سلبوا الخدور 

يا يمه يا يمه يا يمه يا يمه
طفلة بزغر سني منك تحرميني
أنت التسنديني يم جثة المنحور
لو فرت أيتامي قلبي يظل


15


ولهذا زينب عليها السلام بيوم عاشورا توجّهت إلى أمّها فاطمة بعد شهادة الحسين
 

تقللها يمه يام الحسن يا زهرا تعالي
 

وشوفي كربلا شسوت بحالي
 

جواب الزهراء
 

يا يمه يا زينب أنا يمك مو بعيدة
أنا شفت حسين من حزوا وريده
ونوبن أدور كف عضيده
 

يمه أنا ثلاث تيام يمه ساكنة البيدة
يمه أنا نوبن أدور خنصر إيده
 


نعم حضرت الزهراء في مواقف عديدة في شهادة الحسين عليه السلام

ما أنا حاضرة يحسين يبني
ساعدني على ابني يالتحبني
وادور عزا ابني وين ما كان
وتلعب عليه الخيل ميدان

يمن ريت ذباحك ذبحني
أنا الوالدة والقلب لهفان
سمعتوا اليموت يظل عريان
 


جواب الحسين عليه السلام (على لحن سامحيني)

أحضنيني يمه برضاك عليَّ
أحضنيني قطّع أوداجي الدعيّة

أحضنيني ما اقدر أضمك باديّه
 

 

لَا بُدَّ أَنْ تَرِدَ القِيَامَةَ فَاطِمٌ
إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وَقَمِيصُهَا بِدَمِ الحُسَيْنِ مُلَطَّخُ
 


16