الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1611 02 شوال 1445 هـ - الموافق 11 نيسان 2024 م

وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق



بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

يقول اللهُ تعالى في كتابه الكريم: ﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[1].

عظمة كتاب الله
إنّ القرآنَ الكريمَ هو المصدر الأوّل للشريعة الإسلاميّة المقدّسة، وهو كلام الله الذي أنزله على عبده ورسوله الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، وقد بلَّغه (صلّى الله عليه وآله) تبليغاً كاملاً، وأمر بحفظه وتدوينه وجمعه حال حياته، وهو الحبل الممدود من السماء إلى الأرض، وهو أحد الثقلين اللذَين أوصى بهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قبل ارتحاله عن هذه الدنيا لنأمن من الضلال، وجعله أمانةً في أعناقنا إلى يوم القيامة، قائلاً: «إنّي أُوشَكُ أن أُدعى فأجيب، فإنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتابَ الله عزَّ وجلَّ وعترتي؛ كتابُ الله حبلٌ ممدودٌ بين السماء والأرض، وعترتي أهلُ بيتي، وإنَّ اللطيفَ الخبيرَ أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يرِدا عليَّ الحوضَ، فانظروا بماذا تخلفوني»[2].

وإنَّ فضلَ القرآن الكريم على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، وقراءَتَه أفضلُ العبادة، وفيها جلاء القلوب من أدرانها، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّ هذه القلوبَ تصدأ كما يصدأ الحديد»، قيل: فما جلاؤها؟ قال: «ذكرُ الله وتلاوةُ القرآن»[3].

والروايات في بيان عظمة كتاب الله مستفيضة. لذا، على المسلم أن يسعى في رفع الموانع والعوائق والحجب الّتي تحول دون الاستفادة من القرآن الكريم وإزالتها.

هجران التلاوة
وإنّ من الأعمال العباديّة المهمّة التي يواظب المرء عليها بشكلٍ يوميٍّ في شهر رمضان المبارك تلاوةَ القرآن الكريم؛ لما في ذلك من ثوابٍ جزيلٍ وعظيم، أخبرنا به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قائلاً: «وَمَنْ تَلا فِيهِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ»[4]. لكن ما إن ينتهي شهر رمضان المبارك حتّى تضعف الهمم، ويبدأ البعد عن القرآن الكريم، حتّى يصل الحال ببعضِهم إلى هجرانه طيلةَ العام! على الرغم من أنّ روايات أهل العصمة (عليهم السلام) أكّدت وجوبَ تمسّك الإنسان به وتلاوتِه يوميّاً وعدم هجرانه، حتّى وإن كان عاملاً مُنشغلاً طيلةَ يومه، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما يمنعُ التاجرَ منكم المشغولَ في سوقِه، إذا رجع إلى منزلِه أن لا ينامَ حتّى يقرأَ سورةً من القرآن، فتُكتَبَ له مكان كلِّ آيةٍ يقرؤها عشرُ حسنات، ويُمحى عنه عشرُ سيّئات؟!»[5].

بل إنّ التلاوةَ القرآنيّةَ لها أثرها على البيوت والأماكن، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال أميرُ المؤمنين (عليه السلام): البيتُ الذي يُقرَأ فيه القرآن، ويُذكَر اللهُ عزَّ وجلَّ فيه، تكثُر بركتُه، وتحضرُه الملائكة، وتهجرُه الشياطين، ويضيء لأهلِ السماء كما تضيء الكواكبُ لأهل الأرض، وإنَّ البيتَ الّذي لا يُقرَأ فيه القرآن، ولا يُذكَر اللهُ عزَّ وجلَّ فيه، تقلُّ بركتُه، وتهجرُه الملائكة، وتحضرُه الشياطين»[6].

الهجران المعنويّ
هذا، وينبغي أن لا يُقتصَر فقط على التلاوة (اللسانيّة) لكتاب الله تعالى، بل ينبغي أن يسعى الإنسان ليصبح مسلكُه في الحياة الدنيا ومنهجُه قرآنيّاً؛ أي أن تنعكس آياتُ الكتاب على سلوكه، فتؤثّر في أعماله وأفعاله؛ فالقرآن الكريم يحمل في طيّاته قيماً ومفاهيمَ تربويّة عالية وسامية، وهو مشروع تحريرٍ وهداية، يقود المجتمعَ الإنسانيَّ نحو السموّ والتكامل، يقول تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾[7].

وذلك لا يكون إلّا من خلال التدبّر في القرآن الكريم والقراءة الواعية ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾[8]، وعندما سُئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا﴾[9]، قال: «بيّنه تبييناً، ولا تنثرْه نثرَ الدَقَل[10]، ولا تهذُّه هذَّ[11] الشعر، قفوا عند عجائبِه، وحرّكوا به القلوب، ولا يكونَنَّ همُّ أحدِكم آخرَ السورة»[12].

وقد عدّ الإمامُ زين العابدين (عليه السلام) آياتِه الكريمةَ خزائنَ، فينبغي النظر فيها والاطّلاع على ما أودِع فيها من كنوز معرفيّةٍ عظيمة، قال (عليه السلام): «آياتُ القرآن خزائن، فكلَّما فتحْتَ خزانةً ينبغي لك أن تنظرَ ما فيها»[13].

ومن جميل ما يُروى من تأثير كلمات الكتاب الكريم على قلب الإنسان، أنّ رجلاً اسمه الفضيل بن عيّاض، وقد كان في أوّلِ أمره شاطراً [أي سارقاً]، يقطع الطريقَ بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنّه عشق جاريةً، فبينما هو يرتقي الجدران إليها، إذ سمع تالياً يتلو ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾[14]، قال: فلمّا سمعها، قال: بلى يا ربِّ، قد آن، فرجع، فآواه الليلُ إلى خربة، وإذا فيها سابِلة[15]، فقال بعضُهم: نرتحل، وقال بعضُهم: حتّى نصبح، فإنَّ فُضيلاً على الطريق يقطع علينا، قال: ففكّرتُ، وقلتُ: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقومٌ من المسلمين هاهنا يخافونني! وما أرى اللهَ ساقني إليهم إلّا لأرتدع. اللهمَّ، إنّي قد تبتُ إليك، وجعلتُ توبتي مجاورةَ البيتِ الحرام[16].

فالتلاوة، وإن كانت مطلوبةً بنفسها، إلّا أنّه إن لم يكن لها أثرُها في سلوك الإنسان، فتمنعه عن سبيل الشيطان وأهواء النفس، تبقى مجرّد ألفاظٍ ينطق بها اللسان، ولا تتعدّاه إلى خلجات النفس. وإنّ ترك التدبّر في آيات الله لهو درجة من درجات الهجران لكتابه الكريم.

علاقة الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرُّه) بالقرآن الكريم[17]
ولنا في علمائنا ومراجعنا أسوةٌ حسنة، فهذا الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرُّه)، وعلى الرغم من قيامه بالثورة المباركة، وبناء الدولة الإسلاميّة، ومواجهة الاستكبار العالميّ، إلّا أنّ ذلك لم يشغلْه عن القرآن الكريم، بل كانت له علاقة خاصّة به، ويجعل لتلاوته حيّزاً كبيراً في ساعات ليله ونهاره.

يقول السيّد أحمد نجل الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرُّه): «كان الإمامُ يتلو ما تيسّر من القرآن في سبعة أوقات كلَّ يوم، يُنهي فيها أربعةَ أجزاءٍ من القرآن، وهذه الأوقات هي:
11. قبل صلاة الفجر.
2. بعد صلاة الفجر.
3. في الساعة التاسعة صباحاً.
4. قبل صلاة الظهر.
5. عصراً بعد قيامه بممارسة رياضة المشي.
6. قبل صلاة المغرب.
7. بعد صلاة العشاء».

ويقول أحد العلماء: «طلبت يوماً من أحد المقرَّبين من الإمام، أن يخبرَني بما يفعله الإمامُ طوال نهارِه وليلِه، فقال -ضمن توضحِيه لفقرات برنامج عمل الإمام اليوميّ-: إنّه يتلو القرآنَ ثمانيَ مرّاتٍ كلَّ يوم، ويختمه كلَّ عشرة أيّام مرّةً على الأقلّ».

ولشهر رمضان خصوصيّة بالغة لدى الإمام (قُدِّس سرُّه) في ما يتعلّق بتلاوة الكتاب الكريم، يقول العلّامة الشيخ الناصريّ: «كان الإمامُ يقرأ في شهر رمضان عشرةَ أجزاءٍ من القرآن يوميّاً، فكان يختمُهُ بالكامل مرّةً كلَّ ثلاثة أيّام. وكان بعض الإخوةِ يفرحون لإكمالِهم ختمَ القرآن مرّتين في هذ الشهر المبارك، ثمّ عرفوا لاحقاً أنَّ الإمامَ يختمُه عشر مرّاتٍ أو إحدى عشرة ختمةً في هذا الشهر المبارك».


[1] سورة المائدة، الآيتان 15 - 16.
[2] الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص90.
[3] قطب الدين الراونديّ، الدعوات (سلوة الحزين)، ص237.
[4] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص155.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص611.
[6] المصدر نفسه، ج2، ص610.
[7] سورة إبراهيم، الآية 1.
[8] سورة ص، الآية 29.
[9] سورة المُزَّمِّل، الآية 4.
[10] الدقل: هو التمر الرديء، وينتثر من الشجر بأدنى حركة من الريح.
[11] الهذّ: سرعة القراءة.
[12] القاضي النعمان المغربيّ، دعائم الإسلام، ج1، ص161.
[13] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص609.
[14] سورة الحديد، الآية 16.
[15] السابِلة: المسافرون الّذين يسيرون على الطريق، كلٌّ على مقصده.
[16] البيهقيّ، شعب الإيمان، ج5، ص468.
[17] غلام علي رجائي، قبسات من سيرة الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرُّه) - الحالات العباديّة والمعنويّة، ص6 - 9 - 10.

09-04-2024 | 13-24 د | 303 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net