الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في خطبتَي صلاة عيد الفطركلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من الطلّاب الجامعيّينكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلادبِهذا جُمِعَ الخَيرُ

العدد 1612 07 شوال 1445 هـ - الموافق 16 نيسان 2024 م

لَا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ

العامل الأساس للنصر مراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِن
من نحن

 
 

 

التصنيفات
كلمة سماحة الإمام الخامنئي لدى لقائه قادة ومنتسبي القوّة الجويّة
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

كلمة سماحة الإمام الخامنئي لدى لقائه قادة ومنتسبي القوّة الجويّة في جيش الجمهوريّة الاسلاميّة بمناسبة يوم القوّة الجويّة 08/02/2018م

بسم الله الرّحمن الرّحيم[1]


الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، لا سيّما بقية الله في الأرضين.

أرحّب بكم كثيرًا أيها الإخوة والشّباب، أبناء نظام الجمهوريّة الاسلاميّة الأعزّاء ، العاملين في واحدةٍ من أهمّ مواقع القوّة في البلاد ونظام الجمهوريّة الاسلاميّة وأكثرها حساسيّة. نتمنّى أن تكونوا موفّقين جميعًا إن شاء الله ومؤيّدين ومشمولين بلطف الله، وأن يكون مستقبلكم جميعًا أفضل من يومكم بكثير. وأتقدّم بالشّكر من القائد المحترم على الكلمة المميّزة والشّاملة التي ألقاها، وكذلك من هؤلاء الشّباب الأعزّاء للنّشيد الذي قدّموه والذي كان جيّدًا من حيث الشّعر والأداء. نتمنّى لكم جميعًا التّوفيق والتّسديد إن شاء الله.

19 بهمن.. يومٌ من أيّام الله
أستغلّ هذه الفرصة وأستعرض معكم أيها الأعزّاء جملة من النّقاط. يوم التّاسع عشر من بهمن ]الثّامن من شباط] يوم مهمّ للبلاد ومفخرة هامّة للقوّة الجويّة في جيش الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران، هذا صحيح. لذلك فإنّنا وإيّاكم نُحيي هذا اليوم ونكرّمه في كلّ عام، ونجلّ ذكراه ونجلس ونتحدّث عنه. النّقطة المهمّة هي أنّ التّاسع عشر من بهمن ليس مجرد ذكرى طيّبة ومجيدة فحسب، وهذا ممّا لا شكّ فيه، بل هو فوق هذا، رصيد وذخر إضافيّ إلى رصيد الثّورة. وهكذا هي أيام الله كلّها، وكذا الحال بالنّسبة للثّاني والعشرين من بهمن 11] شباط ذكرى انتصار الثّورة الاسلاميّة في إيران[. كلّ يوم من أيام الله هو من الأيام الخالدة في الذّاكرة والّذي تتألّق فيه تجلّيات من العظمة والإنسانيّة والتّضحية. وعندما تتكرّر ذكراها في كلّ عام ويجري الاهتمام بها، يُضاف رصيد إلى أرصدة الثّورة، وتتدعّم أركان الثّورة أكثر وتزداد قوّة. وعليه، فالتّاسع عشر من بهمن هو من هذا القبيل.

الثّورة كائن ينمو ويسمو ويتكامل
الثّورة كائن حي، أقولها لكم. ولديّ إن شاء الله في هذا الخصوص كلام سوف أقوله. ليس اليوم طبعًا، بل في المستقبل القريب إن شاء الله وفي مناسبة من المناسبات. الثّورة كائن حيّ. الّذين يتصوّرون أنّ الثّورة كانت بارقةً برقت وانتهت، بعيدون جدًا عن معرفة حقيقتها. لا، إنّها حقيقة حيّة، وكائن حيّ له ولادته ونموّه وقوامه وعمره الطّويل في حال من الحالات، وله أمراضه وموته ونهايته في حالات أخرى. هكذا هي الثّورة، كأيّ كائن حيّ آخر. ولأن الثّورة كائن حيّ فإنّ له تقدّمه ونموّه ورشده وكماله وقوامه. لاحظوا أنّ القرآن الكريم يقول: {وَمَثَلُهُم فِي الاِنجيلِ كزَرعٍ اَخرَجَ شَطئَه فَئازَرَه فَاستَغلَظَ فَاستَوى على سوقِه}[2]. أي إنّ مَثَل أصحاب الرّسول(ص)، والمجتمع الإسلامي -أي أولئك الثّوريّون- كمَثَل النّبات الّذي ينبت ويخرج من الأرض ويُفصح عن نفسه، ثمّ ينمو ويقوى جذعه تدريجيًّا ويرتفع ويكبر ويتحوّل شيئًا فشيئًا إلى موجود مستقر مبارك مثير للإعجاب. وما هو سبب إثارته للإعجاب؟ يقول بعد ذلك »يعجِبُ الزُّرّاع«. إنّه مدهش ومثير للإعجاب حتّى للشّخص الّذي زرعه. "ليغيظَ بِهِمُ الكفّار"، ويتسبّب في غيظ العدوّ. هكذا هي الثّورة. يمكنها أن تنمو وتسمو وتتكامل يومًا بعد يوم.

خصوصيّات ثورتنا ..فريدة!
 حسنًا، أنتم الشّباب ومعظم حضور هذه الجلسة منهم ، وهم أعزّائي وأبنائي، أكثركم لم تشهدوا تلك الأيام؛ لم تشهدوا الأيّام الأولى من الثّورة، ناهيكَ عن أيّام ما قبل الثّورة؛ لقد كانت ملحميّة ومفعمة بالحماسة، بيد أنّ متانة الثّورة وقوّتها وكيانها اليوم أكبر من ذلك اليوم. فالثّوريّون الّذين ملأ الإيمان بالثّورة قلوبهم، باتوا اليوم أكثر استقرارًا وصمودًا ووعيًا وبصيرة في سلوكهم لطريقهم، والتّطلّع لنقطة النّهاية، والهدف الّذي يصبون إليه. هكذا هو الوضع اليوم. لقد تقدّمت الثّورة إلى الأمام وتكاملت. لذلك قلتُ مرارًا إنّ التّغيير والتّحول هو من أساس الحياة الإنسانيّة، لذلك فهو من أساس الثّورة أيضًا. لكن أيّ تغيير وتحوّل؟ التّغيير والتّحوّل الّذي تبقى فيه الأصول والأركان ثابتة قوية. {أَلَم تَرَ كيفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَـلًا كلِمَةً طَيـبَةً كشَجَرَةٍ طَيبَةٍ اَصلُها ثابِتٌ وفَرعُها فِي السَّماّْءِ}[3]. الأصل ثابت والجذور متينة راسخة، والأركان والرّكائز الأساسيّة قويّة، والنّتائج والثّمرات والفروع متجدّدة يومًا بعد يوم ومتجلّية في عالم الحياة، وفي بيئة حياة الأفراد والمجتمع، وتمنح وتهب ثمارًا جديدة. هذه هي خصوصيّة الثّورة. وقد كانت لثورتنا هذه الخصوصيّة.

لو نظرتم في تاريخ الثّورات في العالم -وأقصد بها ثورات القرون الأخيرة لا ثورات الماضي البعيد والقرون القديمة، فليست لدينا معلومات كثيرة عنها، ولا شأن لنا بها، لكنّي مطّلع بدقّة على الثّورات الّتي انطلقت في القرنَين أو الثّلاثة الأخيرة، من قبيل استقلال أمريكا عن بريطانيا مثلًا، أو الثّورة الفرنسيّة الكبرى، أو ثورة أكتوبر السوفيّاتية وأمثالها، وصولًا إلى الثّورات الصّغيرة في بعض البلدان- سترون أنّ أيًّا منها لم تكن تتمتّع بهذه الخصوصيّات الموجودة في ثورتنا لتبقى أصولها ثابتة راسخة ولتُخرج الثّمار المتجدّدة من هذه الشّجرة الطيّبة المتجذّرة وتقدّمها للنّاس والمجتمع. لقد مضى على الثّورة 39 سنة وها نحن ندخل عامها الأربعين،  وهو حدث على جانب كبير من الأهميّة. هذا فيما يتعلّق بمسألة الثّورة.

وبالطّبع، يعارض العدوّ هذه النّقطة تحديدًا. من هو المقصود بالعدوّ؟ المقصود به هو الّذي تضرّر من الثّورة. أولئك الذين كانت لهم هنا في هذه المنطقة البالغة الحساسية حكومة عميلة طيّعة، وكانت مقاليد أمورها بأيديهم، سياستها واقتصادها ودخلها ومواردها، هؤلاء فقدوا هذا الشّيء وتضرّروا، وعلى رأسهم أمريكا وبعض البلدان الأوروبية الأخرى كبريطانيا وغيرها. هؤلاء هم الأعداء. هدف العدوّ هو الحيلولة دون هذا الاستمرار والاستقامة والصّمود. وهم يبذلون شتّى المساعي لتحقيق هذا الهدف، ويستخدمون أيّة وسيلة يستطيعون استخدامها بدءًا بأشباه المفكرين الّذين يجلس بعضهم ويطرح ما يسمّونه أفكارًا  تتعارض مع أسس الثّورة، وقد تشاهدون مقالاتهم وكتاباتهم في بعض الصّحف أو وسائل الإعلام الإلكترونيّة وما شاكل. إنّهم يستخدمون هؤلاء ويمنحونهم المال ويقولون لهم تعالوا وأنتجوا فكرًا مضادًّا للثّورة ومعارضًا لأسسها؛ إلى المنظّرين المزيّفين الّذين يصنعون النّظريات، إلى الصّحافيين وأصحاب الأقلام المأجورة، إلى إمكانيّات الفضاء الافتراضي، إلى المهرّجين، وإلى كلّ ما يستطيعون فعله، وإلى كلّ ما يستطيعون توظيفه واستخدامه من أجل توسيع دائرة مخاطبيهم وجمهورهم. كلّ هذه الأعمال تنجز، وكلّها موجودة اليوم، وليس اليوم [فقط] بل منذ بداية الثّورة -أي منذ 39  عامًا- كلّ هذه الأعمال تُنجز، لكنّها تزداد يومًا بعد يوم؛ فالوسائل الموجودة اليوم لم تكن موجودة في السّابق، وهم يستفيدون من كلّ هذه الوسائل. سمعتم  بفتنة العام [88 [2009  ه.ش ، حيث كان من المقرّر أن تقوم إحدى الشّبكات الإنترنتيّة النّاشطة بإصلاحات سنويّة، فقالوا لهم: "لا تقوموا بالإصلاحات بل أرجئوها وأجّلوها لتخدمونا" فهم يستفيدون من كلّ هذه الأدوات والفرص، من أجل أن لا تتوقف خدماتهم لمنظمة الـ(سي آي اي) في أمريكا والأجهزة السّياسيّة الأمريكيّة.

.. 22 بهمن أكثر حماسةً وحرارةً؛ عامًا بعد عام
إنّهم يبذلون كلّ هذه الجهود، لكن فجأة يأتي الثّاني والعشرون من بهمن! وقد ركّز هؤلاء ثقل أعمالهم على المتلقّين والجماهير، يأتي الثاني والعشرون من بهمن وترون حشود الجماهير تنطلق في طهران والمدن وفي كلّ أنحاء البلاد شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، في الشّتاء البارد، على الثّلج وأثناء هطول الثّلوج والأمطار، يرفعون شعارًا واحدًا. أو يأتي التّاسع من دي مثلًا، فهكذا يكون الوضع. وإذا ما وقعت أحداث كالتّاسع من دي سنة 88 [30/12/2009] م أو التّاسع من دي في هذا العام [فالكلّ سينزل إلى الشوارع]. لاحظتم بأيّ حماسة واندفاع نزل النّاس في التّاسع من دي هذا العام إلى الشوارع! وذلك لأنّهم شعروا بوجود العدوّ ومؤامرته. هذه هي خاصّيّة الكائن الحيّ. عندما يشعر بوجود العدوّ يزداد حساسية ونشاطًا. التّاسع من دي وحضور الشّعب في كافة أنحاء البلاد، ومن ثمّ من الثالث عشر من دي إلى الثّامن عشر منه، وعلى مدى أربعة أيام أو خمسة أيام متوالية، انطلقت مظاهرات عفوية تلقائيّة في مختلف المدن. وقد قدّمتُ عرضًا إجماليًّا في التّاسع عشر من دي هنا في هذه الحسينية، عن هذا الحضور والمشاركة لشعبنا العزيز[4]. لاحظوا، هذا هو معنى الحيّ، وهذا هو معنى المتنامي! لم تؤثّر كلّ محاولات العدوّ ونشاطاته. والمحاولات ليست في الفضاء الافتراضيّ وما شاكل فقط، فهناك الحظر مثلًا، الحظر بالتّالي يؤثّر على حياة النّاس ويخلق مشاكل اقتصاديّة وقد أوجدها، وقد كبّلت هذه المشاكل أيادي النّاس جميعًا، لكنّ عشق الثّورة وحبها والارتباط بها وبالنظام الإسلامي يوجِد ردود أفعال كهذه.

حسنًا، إذًا لنعدّ أيام الله هذه دعامة لمتانة الثّورة. وأقولها لكم، في هذه السّنة أيضًا وبلطف من الله وحوله وقوّته سيكون يوم الثّاني والعشرين من بهمن لهذا العام يومًا لافتًا يُبهر الأنظار. لأنّ الجماهير شعروا من خلال هذا الهراء الّذي يطلقه بعض السّاسة الأمريكان وغيرهم، أنّ العدوّ يترصّدهم في كمائنه ويستعدّ لشنّ هجماته؛ وليس الهجمات العسكريّة بالضرورة إنّما يترصّد لممارسة عدائه ـ وهم عندما يشعرون بذلك ينزلون إلى السّاحات. وفي هذا العام وبإذن الله وتوفيقه وبحوله وقوّته ستكون مشاركة الشّعب أكثر حماسةً وحرارة من أيّ وقت مضى. والجميع سيحضر بتوفيق من الله تعالى. هذه نقطة.

على طريق تحقيق أهداف الثّورة
هناك نقطة أخرى حول القضايا المبدئيّة لنظام الجمهوريّة الاسلاميّة. وقد سبق وقلت إنّ لديّ كلامًا حول هذه المسائل والأمور، وسوف أُدلي به إن شاء الله بعد فترة وجيزة. وأقول اليوم إجمالًا إنّ النّظام المنبثق عن الثّورة الاسلاميّة قد رسم لنفسه سياسات مبدئيّة. لقد اقترحت الثّورة الاسلاميّة نظامًا سياسيًا واجتماعيًا وحقّقته وطبّقته. ولهذا النّظام مبادئ وأصول قائمة على أساس الثّورة؛ من قبيل الاستقلال -الاستقلال الاقتصاديّ والاستقلال الثقافيّ والاستقلال السّياسيّ والاستقلال الأمني- وهذه أمور لم تكن متحقّقة في السّابق، ولم يكن أيّ من هذه الأمور موجودًا قبل انتصار الثّورة. وقد حقّقنا كثيرًا من التّقدم في هذا المجال، وبالطّبع لا يزال أمامنا عمل في بعض المجالات. الاستقلال موجود، والحريّة موجودة.

هناك [مسألة] تقدّم البلاد. فتقدّم البلاد على المستويات كافّة من المبادئ الأساسية للثّورة، ويجب أن يتقدّم البلد على مستوى العلم وعلى مستوى التّقنيّة، وعلى المستوى الأخلاقي، وعلى المستويات الماديّة، وعلى المستويات المعنويّة، وعلى المستويات المختلفة المتنوّعة. وقد تمّ أيضًا، تحقيق حالات جيّدة من التّقدم والتّطور على هذه المستويات. بالطّبع، هناك فجوة بين ما تمّ إنجازه وبين ما نريده وما يجب إنجازه، وينبغي ردم هذه الفجوة وطيّها.

وهناك العدالة، العدالة الاجتماعية، ورفع الفوارق الكبيرة بين مختلف شرائح الشّعب. وحتمًا، نحن مقصّرون في هذا الجانب ومتأخّرون،  والأعمال التي كان يجب أن تُنجز في هذا المجال لم تُنجز. ينبغي أن نسعى بجدٍّ نحو هذا الهدف، واعلموا أننا بتوفيق من الله نسعى نحو هذا، ولن نغضّ الطّرف عن هذه القضية. هذا يُعدّ من الأركان الأساسية لنظام الجمهوريّة الاسلاميّة. والسّبيل إلى ذلك طبعًا مقارعة الظّلم ومحاربة الفساد. للعدالة معنى واسع ومجالات كثيرة جدًا، سواء على مستوى الوضع الدّاخلي للمجتمع نفسه، أو على المستوى الدّولي، وسواء في الأبعاد الاقتصاديّة أو في الأبعاد السّياسيّة. في جميع المجالات تبرز العدالة كقضيّة بالغة الأهميّة. كما أنّ العدالة قيمة مطلقة، بمعنى أنّ القيَم الأخرى كلّها نسبية بمعنى من المعاني، لكنّ العدالة قيمة مطلقة. إنّها ضروريّة على كلّ حال ويجب السّعي لها. ينبغي محاربة الفساد ومحاربة الظّلم. وهذه مهمّة صعبة جدًا بالطّبع. أشرت قبل سنوات إلى أنّ الفساد كالتنّين ذي الرّؤوس السّبعة الموجود في الأساطير. ففيها عندما تقطع أحد رؤوس التنّين ذي الرؤوس السّبعة سوف يواصل تحرّكه بستة رؤوس. لذلك فالقضاء عليه ليس سهلًا. وهكذا هو الفساد. فمغالبة [ملاواة] الّذين ينتفعون من الفساد داخل المجتمع والتصدّي لهم عمليّة صعبة جدًا. إنّها حقًّا كذلك، لكنّها من تلك العمليات الصّعبة التي ينبغي القيام بها حتمًا. ومن الأعمال التي يجب القيام بها بكلّ تأكيد. لقد انقضت تقريبًا كلّ فترة حكم الإمام أمير المؤمنين )عليه الصّلاة والسّلام)، وهو إمامنا ومقتدانا، في هذه القضيّة المهمّة، ولم تنتهِ طبعًا. وإذا كان ثمّة ظلمٌ وفساد لدى المديرين الحكوميّين لا سمح الله فيجب التصدّي بمزيد من الجدّ وبشدّة أكبر. على الأجهزة المختلفة، ومديري البلاد كافّة، وعلينا كلّنا في جميع أنحاء البلاد، التنبّه لهذه القضية وعدم التّغاضي عنها. يجب عدم التّغاضي عن الظّلم.

أمريكا.. أشدّ حكومات العالم ظلمًا!
وكذا الحال على المستوى الدّولي أيضًا. يجب فضح الظّلم الاستكباري وكشف حقيقته. الحكومة الأمريكيّة هي اليوم أشدّ حكومات العالم ظلمًا وأقساها وأبعدها عن الرّحمة. إنّها أشدّ ظلمًا من الجميع. ولقد شاهدتم داعش هذا كم هو سيّئ وظالم ومتوحّش، الحكومة الأمريكية أسوأ منه. الحكومة الأمريكية هي الجهاز الّذي أوجد الدّواعش، وليس داعش وحده، وسهّل لهم أعمالهم. بل كانت هي من أوجدهم. وهذا ليس ادّعاءنا نحن بل كلامهم هم أنفسهم. هذا الشّخص نفسه الذي يتولّى الآن منصب رئاسة الجمهوريّة في أمريكا طرح دومًا في دعاياته الانتخابية إيجاد داعش باعتباره أحد أعمال الدّيمقراطيين وهو الحزب المنافس له، وكرّر ذلك مرارًا، وهو على حقّ في ذلك، فقد كانت هناك وثائق ومستندات تُثبت ذلك، ولا تزال موجودة. هؤلاء أنفسهم من أوجد داعش، وهم الّذين آزروه ودعموه بالمال والسّلاح، ومن المحتمل أن يكونوا هم الّذين علّموا [عناصره] بعض الأساليب. تلك المجموعات الوحشيّة الأمريكيّة المرتبطة بالحكومة ـ من أمثال "بلاك ووتر" ـ يقومون بهذه الأعمال أيضًا، وهم يُجيدونها ويُتقنونها، وهم متخصّصون في هذه الممارسات الوحشيّة ضدّ الإنسانيّة، بل ربّما هم الذين درّبوا الدّواعش، وإلّا فأنّى لتعيس الحظّ الفلاني القادم من القوقاز أن يعرف مثلًا كيف يعذّب إنسانًا بإغراقه في الماء تدريجيًّا، أو بإحراقه تدريجيًا؟ من المحتمل أن يكون هؤلاء هم الذين علّموه.

يجب أن يُفضَحوا وتُكشَف حقيقتهم!
وعلى الرّغم من أنّ أمريكا هي أقسى الحكومات في العالم وأبعدها عن الرّحمة، إلّا أنّها تدّعي الدّفاع عن حقوق الإنسان في إعلامها، وتدّعي الدّفاع عن حقوق المظلومين، وحقوق الحيوانات! هؤلاء بالتّالي يجب أن يُفضحوا،  ويُعرّوا، وتُكشف حقيقتهم وتُعرف على المستوى العالمي. كما يجب كشف الظّلم الّذي مارسوه ضدّ فلسطين. إنّهم يمارسون الظّلم والجور يوميًا ضدّ الفلسطينيّين. سنة، سنتان، عشر سنوات، عشرون سنة، سبعون سنة وهذا الظّلم مستمر، والأمريكان هم من كان يقف وراءه، ولا يزالون إلى الآن. هذه أمور يجب أن تُكشف وتُعلن إلى الملأ. كذلك الظّلم ضدّ اليمنيّين! اليمن الآن تُقصف يوميًّا. النّاس يُقصفون، والمحافل والمجالس تُقصف، وكذلك الأسواق، والبُنى التحتيّة للبلاد. من قِبل من؟ من قِبل حلفاء أمريكا الّذين يحظون بدعمها وتأييدها، والّذين تُؤمِّن لهم أمريكا السّلاح وتساعدهم. هم يشاهدون المشهد بكلّ وضوح فلا يَصدر عنهم أيّ اعتراض أو أبسط امتعاض. بالطّبع، يوجد بينهم بعض الأفراد من الكُتّاب الّذين يعترضون، لكنّ الحكومة الأمريكيّة لا تأبه لهم على الإطلاق. ثمّ نراها تذهب[5] وبكل وقاحة تضع بضع قطعات من الحديد وتقول: هذه قطع الصّاروخ الّذي أرسلته إيران للمجاهدين اليمنيّين! يطلقون ادعاءً لا دليل عليه. المجاهدون والمناضلون اليمنيّون محاصرون ولا يمكن إيصال شيء لهم، ولو كان بالإمكان إيصال شيء لهم لأعطيناهم بدل الصّاروخ مئة؛ إلّا أنّه لا يمكن إيصال شيء لهم، إنّهم مظلومون. "كن للظّالِمِ خَصمًا ولِلمَظلومِ عَونًا"[6]؛ إذا استطعت مساعدة المظلوم فساعده ،نحن صامدون. في خصوص قضية المقاومة قرّر الأمريكيّون استئصال جذور المقاومة في غرب آسيا، وكانوا واثقين أنّهم سيفعلون ذلك، فوقفنا وقلنا لن نسمح بذلك. وقد ثبت اليوم للعالم بأسره أنّهم أرادوا ذلك ولم يستطيعوا، وأردنا واستطعنا. هذا ما أدركه الجميع في العالم. ينبغي الوقوف بوجه الظلم. كان هذا عن الظّلم الخارجي، أمّا الظّلم الدّاخلي فهو أيضًا على نفس الشّاكلة، بل ربّما كانت له الأولويّة من بعض الوجوه.

نقطة أخرى يجب أن نذكرها هي قضيّة الشّعب والنّاس. من أعظم امتيازات نظام الجمهوريّة الاسلاميّة شعبيّة هذا النّظام، ومن أكبر امتيازاته شعبيّة هذه الثّورة وكونها ثورةً دينيّة، فقد كانت الثّورة الاسلاميّة ثورة دينية متناسبة ومعتقدات النّاس. كما إنّ النّظام الذي انبثق عنها كان نظامًا دينيًّا شعبيًّا. ولأنّ النّاس يؤمنون بالإسلام فقد نزلوا إلى الميدان، لذلك ترونهم يتوجّه أبناؤهم وشبابهم وأعزاؤهم إلى جبهات الحرب ويقاتلون ويكافحون ويُقتلون، فتتلوّع قلوب الآباء والأمهات لكنّهم يصبرون ويشكرون ولا يشتكون؛ لأنّ ذلك كان في سبيل الله ومن أجل الإمام الحسين (عليه السّلام). هذه من خصوصيّات الثّورة. الثّورة ثورة شعبيّة، وينبغي وضع النّاس والشّعب في كلّ الخطط والبرامج، في رأس لائحة الأولويّات.

اعرفوا الشّعب وافهموا مطالبه
حسنًا، يُذكر اسم الشّعب وهذا ما يسمعه المرء مرارًا وتكرارًا، ومن الجيّد أن يعتمد المسؤولون في البلاد على النّاس والشّعب وأن يذكروا اسم الشّعب، وأنْ يعتمدوا على هذا العنوان فهذا حسن جدًا، غاية الأمر، أنّ عليهم أن يعرفوا النّاس والشّعب. جميعنا يجب أن يعرف الشّعب. لاحظوا أنّه خلال فترة نظام الطّاغوت -وأنتم لا تتذكّرونه، أما نحن فقضينا كلّ فترة شبابنا ونشاطنا ومساعينا في عهد الطّاغوت- كان هناك نمط من المفكّرين أو مجموعة من المثقّفين النّاشطين، وكانت لنا آنذاك صِلات بالكثير منهم. كانوا يذكرون اسم الشّعب في كلّ مناسبة، فما إن كان يُشرّع الباب للحديث حتى يقولوا "الشّعب، من أجل الشّعب، دفاعًا عن الشّعب" وأمثال هذا الكلام. في حين أنّهم كانوا مشتبهين. أي لا يمكن القول الآن إنّهم جميعهم كانوا كاذبين، بيدَ أنّ الأمر كان متشابهًا عليهم، فلم يكونوا يعرفون الشّعب، ولا هو كان يعرفهم. ولا كانوا يفهمون كلام النّاس، ولا هم كانوا يفهمون كلامهم. كانوا يكتبون كلّ هذه المقالات التّنويريّة في المجلّات والصّحف. وكان نظام الطّاغوت يعلم أن الشّعب لا يتأثّر بهذا الكلام، لأنّه أساسًا، لا يفهم كلامهم، إنّما كان هؤلاء ينسجون فقط بعض الأشياء، لذلك لم يكن يتشدّد معهم كثيرًا. وكنتُ قد شاهدتُ بنفسي في مشهد الكتب الشّيوعية الصّريحة تُباع في المكتبات ومحلات بيع الكتب بسهولة، أما الكتاب الإسلامي حول القضيّة الاسلاميّة الفلانية، أو حول فلسطين، أو عن قضايا من هذا القبيل فيُواجَه بشتّى صنوف الضّغط ويُمنع. والسّبب هو أنّ الشيء الّذي كان أولئك يكتبونه والكلام الّذي يقولونه لم يكن مقبولًا ومصدّقًا لدى النّاس أساسًا؛ لا هم كانوا يعرفون النّاس ولا النّاس كانوا يعرفونهم. عندما نزل الإمام الخميني عام 1962م إلى ساحة الكفاح كان يعرف النّاس والنّاس بدورهم كانوا يعرفونه، ويفهمونه ويتابعونه واندلعت الثّورة. إذًا، ينبغي معرفة النّاس.

اعملوا في سبيل الشّعب!
من هو الشّعب؟ الشّعب هو من أوجد ملحمة الثّاني والعشرين من بهمن. هؤلاء هم الشّعب. إذا أردتم فهم كلام الشّعب فاسمعوا ما الذي يقوله هؤلاء. الشّعب هم الذين انسحبوا جانبًا بعد أن نزل بعض مثيري الشّغب إلى السّاحة، وبعد أن شاهدوا شعاراتهم، وإن كانت لديهم اعتراضاتهم ومطالبهم. ثمّ في اليوم التّاسع من دي أتوا إلى السّاحة يرفعون شعاراتهم. هؤلاء هم الشّعب. فلا تشتبهُنّ في تشخيص الشّعب، ولتميّزوه من شعاراته وكلامه ولتعملوا من أجله. »مُخلِصًا لِلّهِ ولِوَجهِهِ الكريم«. لا تعارض أبدًا بين أن يعمل المرء في سبيل الشّعب وأن يعمل في سبيل الله. ولا نعني حيث نقول: اعملوا في سبيل الشّعب، أنّ العمل لا يكون في سبيل الله، لا، فالله تعالى أمرنا أن نعمل من أجل النّاس. لقد طلب الله منّا نحن المسؤولين أن نكون في خدمة النّاس، ونكون خدمًا للشّعب، وأن نعمل من أجلهم. يجب الإصغاء لكلام النّاس. وكلام النّاس فيه شكوى من الفساد ومن التّمييز. هذا هو كلام النّاس. الشّعب يتحمّل الكثير من المشاكل، إلّا أنّه لا يرضى بالفساد والتّمييز بالطّبع، ويشتكي منه. إنّ شكوى النّاس من الفساد ومن التّمييز، وهو ما ينبغي على المسؤولين ـ سواء في السّلطة التّنفيذيّة، أو في السّلطة القضائيّة، أو في السّلطة التّشريعيّة ـ متابعته بجدّ.

إلى القوّات المسلّحة: إنّكم قادرون فاصنعوا!
أما عن القوات المسلّحة. فكلامي الأخير هو أنّ على القوات المسلحة أن تعمل على بناء ذاتها يومًا بعد يوم، وبناء شخصيّات أفرادها. فيبنون أنفسهم وذواتهم؛ أنفسهم كإنسان من الطّراز الإسلامي، وكعسكريّ من الطّراز الإسلامي. العسكريّ من الطّراز الإسلامي مؤمن شجاع مضحّ مدبّر يقف بوجه العدوّ بكلّ قوة، أمّا أمام الصديق فلا يرى لنفسه أيّ شأن، ولا يتكبّر. هذه هي خصوصيّة العسكريّ الإسلامي. ومثاله مالك الأشتر الذي كان كذلك مقابل العدوّ، أما في مقابل شابّ قليل الأدب في الكوفة -وقصّته معروفة- فعلى ذلك النّحو. شابّ لم يكن يعرف أنّ هذا هو مالك الأشتر فأهانه، ثمّ عندما علم ارتبك وركض خلفه فوجده قد سار نحو المسجد وراح يصلّي. فجاءه واعتذر منه، فقال له مالك إنّما جئتُ إلى المسجد لأدعو الله لك. هكذا يتعامل القائد العسكري، مالك الأشتر، ذاك المعروف في حرب صفين وما قام به من أعمال عظيمة، مقابل حدث شابّ غير مؤدب! هذا ما يعنيه بناء الذات.

وصناعة المعدّات. نعم، صحيح ما قاله القائد المحترم للقوّة الجويّة وهو أنّ القوّة الجويّة كانت أوّل جهاز في الجيش بدأ بصناعة المعدّات وجهاد الاكتفاء الذّاتي، وقد كانت ناشطة وفاعلة وجيّدة جدًا. لقد أنجزت القوّة الجويّة الكثير من الأعمال. وقصص ومجريات القوّة الجويّة كثيرة جدًا، وهذه واحدة منها. أنتم الّذين بدأتم البناء، فقد كان في قوّتكم حينذاك أشخاص ذوو همّة بدأوا العمل. ولا يزالون موجودين الآن أيضًا بحمد الله وتستطيعون أن تقوموا بهذه الأعمال. حدّثوا المعدّات واصنعوها، فأنتم تستطيعون ذلك، واستعداداتكم أنتم الشباب جيّدة جدًا. لقد قلتُ عن أحد هذه البلدان إنّ الشيء الوحيد الّذي يمتلكه هو المال، ولا يمتلك أيّ شيء آخر غيره، لا الدّين، ولا الأخلاق، ولا العقل، ولا القدرات، ولا المهارة، لديه المال فقط، هكذا هم البعض. قد لا يكون لديكم الكثير من المال، لكنّكم تمتلكون كلّ الأشياء الأخرى: تمتلكون الموهبة، والقدرات الفكريّة، والقدرة على الإبداع، والقدرة على البناء. إنّكم قادرون؛ فاصنعوا. إذًا، جدّوا واجتهدوا في بناء ذواتكم أي أنفسكم الّتي هي مقدَّمة على كلّ شيء، وأيضًا في بناء المعدّات، وأيضًا في بناء المؤسّسة. طوّروا مؤسّستكم ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا. واعلموا أنّ النّصر معكم إن شاء الله؛ ففي كلّ الأحداث والقضايا الّتي وقعت طوال هذه الأعوام حقّقت القوّات الثّوريّة النّصر بتوفيق من الله، وفي المستقبل أيضًا سيكون النّصر لكم وللشّعب الإيراني المقاوم رغم أنف العدوّ.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[1] في بداية هذا اللّقاء ألقى الأمير اللّواء حسين شاه صفي (القائد العام للقوّة الجويّة في جيش الجمهوريّة الاسلاميّة الإيرانية) كلمة بالمناسبة.
[2] سورة الفتح، الآية 29.
[3] سورة إبراهيم، الآية 24.
[4] لقاء الإمام الخامنئي بمختلف شرائح أهالي مدينة قم بتاريخ 09/01/2018 م .
[5] نيكي هيلي ممثّلة أمريكا لدى منظمة الأمم المتحدة.
[6] نهج البلاغة، الرسالة رقم 47  باختلاف بسيط.

21-02-2018 | 12-36 د | 1214 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net