الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
الصّوم والوظيفة الاجتماعيّة
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

نحو تفعيل البُعد العملي للشّعائر التّعبديّة
قراءة في البُعد العمَلي وفي الوظيفة الاجتماعيّة لعبادة الصوم، كما يراها الباحث والأكاديمي المغربي الدكتور عبد الفضيل أدواري، مشدّداً على أنّ الجانب الرّوحي والنفسي في الأنسان هو الأخطر فاعليّة في حركيّته الحضاريّة، وبالتالي، لا يصحّ التنكّر له في سياق عمليّة التربية الاجتماعيّة والأخلاقيّة.

يحلّ شهر رمضان الفضيل على الأمّة الإسلاميّة، وحالها لا يبعث على الارتياح، ولا يدعو إلى الاطمئنان، فالأزمات الاجتماعيّة تتفاقم، والنكبات تتواصل، ومستويات قياس الفقر والتخلّف والأميّة في حدود مذهلة، ومظاهر الظلم والطغيان والتجبّر لا تخفى على ناظر، والفوارق الطبَقيّة بيّنة ظاهرة، وما يترتب عنها من مشاعر الحقد والكراهية في تزايد.

هذه الوضعيّة الكابوسيّة تستدعي من المهتمّين -مثقّفين ورجال دين وفاعلين سياسيّين واجتماعيّين- بذلَ المزيد من الجهد والتضحية المخلصة لإصلاحها وتجاوزها. وهي إذا كانت مهمّة معقدة ومتداخلة الجوانب والعناصر، فهي حتماً لا تتنكّر لمدخل تخليقي تربوي، تُولى فيه الأهميّة للجانب النفسي الروحي في الإنسان، وتُعطى فيه الأولويّة لهذا الجانب الأخطر فعاليّة في حركيّة الإنسان الحضاريّة.

ولعلّ مهمة هذه الأسطر أن تكون مساهمة متواضعة في لفت الأنظار إلى جانب مهمّ من مقوّمات البناء الحضاري الإيجابي في المجتمع العربي الإسلامي، ألا وهو عنصر الأخلاق الاجتماعيّة بما هي شرط حاسم لبناء المجتمعات. فلا يمكن للمجتمع أن يرتقي نحو مدارج الكمال الروحي والفكري، ولا يمكن تحقيق السعادة الإنسانيّة وتوفّر أجواء من الأمن والأمان، ما لم يَسلك سبلَ النهوض الأخلاقي والتربية الروحيّة المتكاملة.

ولا يخفى أن ممارسة الشعائر التعبديّة على صورتها الصحيحة، ووفقَ فلسفتها العميقة المتواشجة مع فلسفة الدين الحقّ، ومع مراميه الحضاريّة الخالدة وأغراضه الإنسانيّة الرحبة، تعدّ من أهم مقوّمات التربية والتخليق، ومن أهم عناصر البناء السليم للمجتمع القويم. ويُعدّ الصوم من أهم الشعائر التعبديّة التخليقيّة، وهو من أهم مقوّمات البناء الحضاري إذا تحقّق إدراكُه في حقيقته وجوهره. وما يلزم التنبيه إليه في هذا المقام هو أنّ الصوم يجب أن يدرَك في بُعده العملي وفي مراميه الإنسانيّة وغاياته الحضاريّة.

الغايات الاجتماعيّة للعبادات
إنّ صوم شهر رمضان كان من الشعائر الإسلاميّة التي لها قداسة خاصّة في وَعي وكيان كلّ مسلم، وهو إذا كان شعيرة تعبديّة فرديّة، وتكليفاً عينيّاً، فهو -أصالةً- ذو أبعاد عمليّة تتجاوز بُعده الفردي، ويمتدّ في علاقة أفقيّة لا تقلّ شأناً عن بعده التعبدّي الروحي، بالنظر إلى أنّ العبادات جميعها، لا تنفصل عن غاياتها الاجتماعيّة ومراميها البانية. فمثلما أنّ الصلاة مطلوبة في المساجد مع الجماعة ترسيخاً لمبدإ التواصل والتلاقي المستمر بين المصلّين، وتفعيلاً لمبادئ التساوي والتكافؤ بين الأفراد، ودرءاً لأحاسيس الفوقيّة والتكبّر ومشاعر العلوّ، وكذلك الزكاة فهي فريضة تؤخَذ من الأغنياء وتردّ إلى الفقراء، والحجّ يعد مهرجاناً سنويّاً وعالميّاً للمسلمين، يتشاورون فيما بينهم ويتدارسون شؤون دينهم ودنياهم، ويمارسون طقوسه بشكل موحّد إشعاراً بتساويهم وتشابههم في حقيقة إنسانيّتهم. فإنّ الصوم عبادة جوهرها تحقيق التواصل بين الأفراد وتنمية روح الإحساس بالجائعين والمحرومين من أبناء المجتمع.

ومَن يراجع كُتب الحديث والتفسير والأخلاق، يجدها مليئةً بالأحاديث والروايات الدالّة على أهميّة الروح الاجتماعيّة للعبادات بشكل عامّ.

وفي ما يتعلّق بالصوم، فإنّ ثمة توجيهات ترسم طريقاً للصوم ليغدو سلوكاً اجتماعياً للمسلم، فهو طقس تعبديّ لا يُقصَد لذاته، ولا تتوقّف فعاليّته عند حدود الفرد الصائم، بل ينبغي إدراكه في وظيفته الاجتماعيّة.

فقوله صلّى الله عليه وآله مثلاً: «لاَ تَحاسَدوا ولا تَناجَشوا وَلا تَباغَضوا ولا تَدابَروا ولاَ يَبعْ بَعضُكم على بَيعِ بَعضٍ، وكونوا عبادَ الله إخواناً. المسلمُ أخُو المسلمِ. لا يَظلمُه ولا يَخذلُه ولا يَحقرُه ..بِحسبِ امرئٍ من الشَّرِّ أنْ يَحْقرَ أخاه المسلمَ. كُلُّ المسلمِ على المُسلمِ حرامٌ. دَمُهُ ومالُهُ وعِرضُهُ». وقوله صلّى الله عليه وآله: «مَثَلُ المؤْمِنينَ في تَوَادِّهم وتَرَاحُمِهم وَتعاطُفِهم مَثَلُ الجَسَدِ. إذا اشْتكى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ وَالحُمَّى»، كلّها أقوال ترسم إطاراً واضحاً ينبغي أن تتحرك داخل حدوده كلّ العبادات في الإسلام. ويبدو الصوم أحدَ أبرز هذه العبادات الواجب إدراكها في بُعدها الاجتماعي الممتدّ.

من خطبته صلّى الله عليه وآله في استقبال شهر رمضان: «..أَيُّها الناسُ إِنَّه قَدْ أَقْبَل إِلَيْكُم شهرُ الله بالبرَكَةِ والرَّحمةِ...وتَصَدّقُوا عَلى فُقَرائِكُم ومَسَاكينكُم، وَوَقِّروا كِبارَكُم وارْحَموا صِغاركم وصِلُوا أَرْحامَكُم، واحفَظُوا أَلْسِنَتَكُم، وَغُضُّوا عَمَّا لا يَحِلُّ النظرُ إليه أبْصارَكُم وَعمّا لا يَحِلُّ الاستماعُ إليهِ أَسْماعَكُم، وتَحَنَّنُوا على أَيْتامِ النَّاس يُتَحَنَّنْ على أَيْتَامِكُم....منْ فَطَّرَ مِنْكُم صَائِماً مُؤْمِناً في هذَا الشَّهْر كانَ لهُ بذلكَ عندَ اللهِ عتقُ رَقبةٍ ومَغْفرَةٌ لما مَضَى مِنْ ذُنُوبه..». نلاحظ كيف تُهَيمن السّمات الاجتماعيّة بكلّ أبعادها الإنسانيّة على هذا الكلام التّوجيهي، وكيف تتلازم التّوصية بالصوم مع التّوصية بكلّ فعلٍ من شأنه أن يحقّق مساهمة اجتماعيّة نبيلة.

هذا الأمر يفرض أن يُعنى المسلم بما ومَن حوله، مثلما يُعنى بصومه، وأن يرى في صومه فرصةً لتحسين علاقاته الاجتماعيّة وإقامة التواصل الحَسَن مع الآخر.

إصلاحُ الذّات تمهيدٌ لإصلاح العلاقة بالآخَر
إنّ الصوم نافذة يطلّ من خلالها المسلم على غيره، وحلقة وصْل بينه وبين أفراد المجتمع، من خلال استحضارهم في لحظات جوعه وعطشه، وفي لحظات إفطاره وفرحه بتناول الطعام، وفي خَلَوات توسّله وأدعيته وقراءته القرآن الكريم، واعترافه أمام الله سبحانه، ما يجعل هذه العلاقة محكومة بالأجواء الروحانيّة التي تكون فيها الذات أكثر رقّة ولُطفاً، فتسرح نحو الساحة الاجتماعيّة الممتدّة ونحو الخارج للمشاركة في الحياة. إذ تصبح علاقات الأفراد في المجتمع مظهراً من مظاهر التعبّد. فعلاقةُ المسلم بغيره علاقة عضويّة تنشد التكامل، وتحقيقَ المجتمع المتآلف السائر نحو الوحدة المجسِّدة لمظاهر التوحيد.

عندما نلفي في سيرة نبيّنا صلّى الله عليه وآله أنّه «أجودُ الناس بالخَير، وكان أجودَ ما يكون في رمضان»، فإنّ ذلك يشير إلى حتميّة البُعد العمَلي للصوم، ووظيفته الاجتماعيّة، ويؤكّد ضرورة الامتداد الأفقي لهذه الشعيرة التعبديّة.

من هذا المنظور تتجاوز شعيرة الصوم مجرّد كَوْنها سلوكاً فرديّاً، أو طقساً تعبّديّاً محصوراً في دائرة الذات الضيّقة، ليبدو ذا غاية اجتماعيّة، حقيقتُه تربية الذات على الامتثال لحُسن السلوك مع الآخرين. وهو بذلك يشكّل أحد مصاديق الامتثال للخطابات التوجيهيّة التي احتلّ فيها الشأن الاجتماعي حيّزاً مهمّاً. يقول الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام مثلاً: «ولَوْ شِئْتُ لاَهْتَدَيتُ الطّرِيقَ إلى مُصَفَّى هَذَا العَسلِ وَلُبَابِ هذا القَمْحِ، وَنسَائجِ هَذا القَزِّ. وَلكنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَني هَوَايَ، وَيَقَودَني جَشَعي إِلى تَخَيُّر الأَطْعِمَةِ -وَلَعَلَّ بِالحِجازِ مَنْ لا طَمَعَ لهُ فِي القُرْصِ، وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ- أَوَ أَبيتُ مِبْطَاناً وَحَوْلي بُطونٌ غَرْثَى، وَأَكْبَادٌ حَرَّى؟.. أَأَقْنَعُ مِن نَفْسي بِأنْ يُقَالَ: هَذا أميرُ المؤمنين، ولاَ أُشَاركُهُم فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونُ لَهُم أُسْوَةً في خُشُونَةِ العَيْشِ؟ فمَا خُلِقْتُ لِيشْغلَنيِ أَكْلُ الطَّيبَاتِ كَالبَهِيمَةِ المْربُوطةِ هَمُّهَا عَلفُها، أَو المرْسَلَةِ شُغْلُهَا تَقَمُّمُهَا..».

إنّ الذات ترى قيمتَها الحقيقيّة، في الانشغال بالواقع وبحاجيّات الناس وبهمومهم، وفي مشاركتهم نوائبَ الدهر ومكارهَ العيش. كما أنّ الغاية الإنسانيّة الكبرى ليست في تمتيع الذات الفرديّة بما تطلب وترغب فيه، بل في تجسيد قِيَم الخير والصلاح في المجتمع، وفي القدرة على الخروج من سجن الذات الضيّق والانفتاح على الآخرين.

هكذا فالصوم لحظةَ تلتفت الذات إلى داخلها، لتكون مجرّد نقطة انطلاق لإقامة العلاقة النموذجيّة بالعالم الخارجي.

وفي وصيّة الإمام عليّ عليه السلام إلى أُمرائه ووُلاته على الأمصار: «أَمَا بَعْد، فَإِنّ حَقّاً عَلَى الوَالِي أَلاّ يُغَيّرَه عَلى رَعِيّتِه فَضْلٌ نَالَه، وَلاَ طَولٌ خُصَّ بِه، وأَنْ يَزِيدَه مَا قَسَم الله لَهُ مِنْ نِعَمِه دُنُوّاً من عِبادِه وعَطْفاً عَلى إِخْوانِه..».

نلاحظ كيف ينبغي أن يحتلّ الآخر مكانة لافتة في اهتمام الإنسان، وكيف يتوجّب على صاحب الفضل والنعمة أن يتّخذها منطلقاً لتحسين علاقته بالآخرين. وفي تعبيره عليه السلام عنهم بـ «العباد» إشارة إلى ضعفِهم وحاجتهم إلى المواساة. كما أنّ في التوصيف تذكيراً لكلّ متميّز وصاحب حَظوة في المجتمع، بأنّه لا يخرج عن إطار العبوديّة لله، وأن الله تعالى هو مصدر النِّعَم جميعها، فلا يليق بالعبد المستأمَن عليها، أن يتنكّر لغيره.

من الأدعية المشهورة في شهر رمضان: «أللّهُمَّ أَدْخِلْ عَلى أَهْلِ القُبُورِ السُّرُور، أللّهُمَّ أَغْنِ كُلَّ فَقِيرٍ، أللّهُمَّ أشْبِعْ كُلَّ جائِعٍ، أللّهُمَّ اكْسُ كُلَّ عُرْيانٍ، أللّهُمَّ اقْضِ دَيْنَ كُلِّ مَدِينٍ، أللّهُمَّ فَرِّجْ عَنْ كُلِّ مَكْروَبٍ، أللّهُمَّ رُدَّ كُلَّ غَرِيبٍ، أللّهُمَّ فُكَّ كُلَّ أَسِيرٍ، أللّهُمَّ أَصْلِحْ كُلَّ فاسِدٍ مِنْ أُمُورِ المُسْلِمِينَ، أللّهُمَّ اشْفِ كُلَّ مَرِيضٍ، أللّهُمَّ سُدَّ فَقْرَنا بِغِناكَ، أللّهُمَّ غَيِّرْ سُوءَ حالِنا بِحُسْنِ حالِكَ، أللّهُمَّ اقْضِ عَنّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنِا مِنَ الفَقْرِ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ».

ففي هذا الدعاء التعليمي تركّز الذات في مطالبها على ما له صلة بالتواصل الاجتماعي، فنَجد أنّ الداعي معنيٌّ بإصلاح سريرته أو باطنه أوّلاً، بما هو أساس التعامل مع الخارج، ثمّ يبادر إلى طلب صلاح الظاهر بما هو عنوان العلاقة الاجتماعيّة والتواصل مع الآخرين. فالصائم يردّد بعد كلّ صلاة مفروضة هذا الدعاء الذي يُثبت ارتباطه بكلّ أفراد المجتمع، ويلتفت إلى كلّ مَن يعاني الفقر والجوع والمرض والدَّين، ويتذكّر كلّ مَن يعيش في كَرْب أو محنة، أو سجن، ويتعلّق قلبه بكلّ مَن اضطرته الظروف للغربة أو البُعد عن وطنه أو أهله، ويُثبت إحساسه ومشاركته الوجدانيّة لكلّ من يعيش همّاً أو مصيبة، فيكون قد أشركَ نفسَه ضمن الدائرة الإنسانيّة العامّة التي لا تَفاضُلَ بين أفرادها إلّا على أساس الصلاح والتقوى. فلا مجال للأنانيّة الاجتماعيّة أو للنّزعة الاحتكاريّة. وهذا ما يجعل الصائم جزءاً من بُنية اجتماعيّة وعضواً ضمن جسد أمّة مترابطة الأعضاء، إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعى له سائر الجسد بالسّهَر والحمّى. في الحديث: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَولَ الزّورِ والعَمَلَ به فَلَيْسَ لله حَاجةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»، وفي آخر: «وَإِذا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ..». فحقيقة الصوم في أن تأمن الجماعة ويسلَم الناس، فلا يَصِلهم أيّ أذى من قول أو فعل. وتلك غاية اجتماعيّة عمليّة تتحقّق عبر الصوم حين يُفهم في بُعده الوظيفي، وحين يغدو حركة تعبّديّة تمتد من الذات وتسير في اتجاه بناء المجتمع الإنساني القويم والمتماسك.

الفاعليّة الاجتماعيّة للتَّعبُّد
ولا يخفى أنّ الصوم بهذا البُعد الاجتماعي الخارجي، سوف يكون ترجمة عمليّة لمختلف الخطابات والتوصيات الاجتماعيّة التي كانت تصدر عن السلف تبغي إقامةَ المجتمع القويم المجسّد لقِيَم التآلف والتعاون والتحابّ. يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في وصيّته لابنَيه: «..وَكُونَا لِلظَّالِم خَصْماً وللِمَظْلُوم عَوناً.. أُوصِيكُمَا، وجَمِيع وُلْدِي وأَهْلي ومَن بَلَغَه كِتَابِي، بِتَقْوى الله ونظْمِ أَمْرِكُم، وصَلاَحِ ذَاتِ بَيْنكُم، فإنّي سَمعت جَدّكما صَلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: (صَلاَحُ ذَاتِ البَيْن أَفْضَلُ مِن عَامّة الصَّلاة وَالصِّيام). الله الله في الأَيْتَام فَلاَ تَغبُّوا أَفْوَاهَهم، ولاَ يَضِيعُوا بِحَضْرَتكُم. واللهَ الله في جِيرَانِكُم، فإِنَّهُم وَصِيَّةُ نَبِيّكُم.. وعَلَيْكُم بالتَّوَاصُل والتَّبَاذل، وإِيّاكُم والتَّدَابر والتَّقَاطُع».

وهذه سياقات تربويّة عامّة يغدو بموجبها الصوم نهجاً تواصليّاً، عبرَه يجسّد الصائم الروح الاجتماعيّة، وبموجبه يتمّ تعليم الناس أسسَ العلاقة التكامليّة بين بعضهم البعض في بناء المجتمع السليم والقوي والمتآلف. ويكون أساسه ترسيخ العقيدة في نفوس الناس، وتوجيه اهتمامات الإنسان نحو إصلاح العلاقة بينَه وبينَ الله تعالى أوّلاً، ثمّ الانطلاق لإقامة علاقات متميّزة ومتينة بين أفراد المجتمع. ومن ثمّة إمكانيّة الحديث عن فُرص النجاح والتميّز في كلّ المجالات والصُّعد. لأنّ الإنسان الصالح يبقى هو المحور وقطب الرَّحى في كلّ ذلك.

فيتبين أنّ الصوم عبادة فرديّة وشعيرة عينيّة تنطلق من الذات الخاصّة، لكنّها تمتد لتحقّق الفعل في المجتمع، وتتحوّل إلى سلوك متعدٍّ قوامُه التأثير في المحيط والعمل على إفادة الآخرين والتحرّك من أجلهم، ومراقبة الصائم لذاته لمنعِ كلّ شرٍّ أو أذى قد يصدر في حقّ الغير. إنّ الصوم بهذا الفهم يبدو ممارسة اجتماعيّة نافعة وفعلاً تعبّديّاً بانياً ومساهماً في بناء المجتمع القويم والمتماسك. عبادة لها آثار خارجيّة تساهم في نفع الناس وتحصيل الصلاح العام. عبادة ترفع لواءَ الله عزّ وجلّ والولاءَ المطلق لأوامره من أجل علاقة نموذجيّة بين الناس في المجتمع. وذلك أبرز مظهر من مظاهر الفاعليّة الاجتماعيّة للتَّعبّد.


* د. عبد الفضيل أدراوي

24-05-2017 | 14-57 د | 1368 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net