الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
العقيدة الإسلامية وتربية النفس الانسانية
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

منهج العقيدة في تربية النَّفس، أنّها تدعو إلى عدم كبت رغباتها لأنّ الكبت يقتُل حيويتها، ويُبدد طاقتها، فلا تعمل ولا تنتج، وفي الوقت ذاته لا تشجع العقيدة على إطلاق رغباتها بلا ضوابط، بل تحثُّ على اتّباع سياسة حكيمة معها، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «سياسة النفس أفضل سياسة»[1].

وعملية السيطرة على النفس تتحقق من خلال ضبط رغباتها وتوجيه نزواتها نحو الاعتدال، وتتحقق أيضا من خلال محاسبتها، قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «ليس مِنَّا من لم يحاسب نفسه في كلِّ يوم، فإن عمل حسنة استزاد اللّه تعالى، وإن عمل سيئة استغفر اللّه تعالى منها وتاب إليه»[2].

ولا بدَّ من الإشارة إلى أنّ العقيدة لا تحبذ اتّباع الوسائل الملتوية من أجل السيطرة على النفس، فعن طلحة قال: انطلق رجل ذات يوم فنزع ثيابه وتمرّغ في الرمضاء، وكان يقول لنفسه: ذوقي، وعذاب جهنّم أشد حرّا، أجيفة باللّيل بطّالة بالنّهار؟!

قال: فبينا هو كذلك إذ أبصره النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في ظل شجرة فأتاه، فقال: غلبتني نفسي، فقال له النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألم يكن لك بدٌّ من الذي صنعته؟»[3].

من هذا التوجه النبوي، نجد أنّه في الوقت الذي تشجّع فيه العقيدة كلّ محاولة صادقة من الإنسان للسيطرة على نفسه، نجد أيضا أنّها لا تُحبّذ اتّباع الأساليب غير العقلانية للسيطرة على النفس، فالنفس تحتاج إلى صبر وسياسة طويلة ورياضة خاصة لتقلع عن ضراوة عاداتها، كتلك الرياضة التي أقسم أمير المؤمنين (عليه السلام) على اتّباعها مع نفسه: «... وأيم اللّه ـ يمينا أستثني فيها بمشئية اللّه ـ لأروضنَّ نفسي رياضة تَهشُ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما، وتقنع بالملح مأدوما...»[4].

وإنّ الإنسان ليقف مبهورا أمام قدرة الإمام (عليه السلام) في السيطرة على نفسه، رغم أنّ الأموال كانت تجبى إليه من مختلف بلدان الخلافة الإسلامية أيام خلافته، ولقد أبرَّ بقسمه الذي قطعه على نفسه، عن حبة العرني قال: أُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بخوان فالوذج فوضع بين يديه ونظر إلى صفائه وحسنه فوجى باصبعه فيه حتى بلغ أسفله ثمَّ سلّها ولم يأخذ منه شيئا، وتلمّظ اصبعه وقال: «إنَّ الحلال طيّب، وما هو بحرام، ولكنّي أكره أن أعوّد نفسي ما لم أعوّدها، ارفعوه عنّي فرفعوه»[5].

وكان (عليه السلام) يجعل جريش الشعير في وعاء ويختم عليه، فقيل له في ذلك، فقال (عليه السلام): «أخافُ هذين الولدين أن يجعلا فيه شيئا من زيت أو سمن»[6].
 
الخوف والرجاء:
مما يمكن التأكيد عليه أنّ في النفس خطان متقابلان هما الخوف والرجاء، والعقيدة تعمد إلى كلا الخطين، فتبدد عن النفس كل خوف باطل وكل رجاء منحرف، وبدلاً من ذلك تُنمّي الخوف من اللّه من جانب، ورجاء ثوابه من جانب آخر قال تعالى: (... يحذرُ الآخرةَ ويرجُو رحمةَ ربهِ...)[7]، فليست نظرتها أحادية الجانب كأن تركز على جانب الخوف فتؤيس الإنسان من رحمة اللّه، أو تركز ـ بالمقابل ـ على الرجاء فتضعف في نفسه الخشية من اللّه.

يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «لو تعلمون قدر رحمة اللّه لاتّكلتم عليها وما عملتم إلاّ قليلاً، ولو تعلمون قدر غضب اللّه لظننتم بأن لا تنجوا»[8].

ويقول وصيه الإمام علي (عليه السلام): «إنّ استطعتم أن يشتدَّ خوفكم من اللّه وأن يحسن ظنّكم به، فاجمعوا بينهما، فإنّ العبد إنّما يكون حسن ظنّه بربّه على قدر خوفه من ربّه، وإنّ أحسن الناس ظنّا باللّه أشدهم خوفا للّه»[9].

وتجدر الاشارة إلى أنّ الناس «يختلفون في طباعهم وسلوكهم اختلافا كبيرا، فمن الحكمة في إرشادهم وتوجيههم، رعاية ما هو الأجدر بإصلاحهم من الترجّي والتخويف فمنهم من يصلحه الرجاء، وهم العصاة النادمون على ما فرّطوا في الآثام، فحاولوا التوبة إلى اللّه، بيد أنهم قنطوا من عفو اللّه وغفرانه، لفداحة جرائمهم، وكثرة سيئاتهم، فيعالج والحالة هذه قنوطهم بالرجاء بعظيم لطف اللّه، وسعة رحمته وغفرانه.

أما الذين يصلحهم الخوف: فهم المردة العصاة، المنغمسون في الآثام، والمغترون بالرجاء، فعلاجهم بالتخويف والزجر العنيف، بما يهددهم من العقاب الأليم، والعذاب المهين»[10].

وكان لأتباع مدرسة أهل البيت: الذين سكن خوف اللّه تعالى في نفوسهم وانعكس على جوارحهم، وزرع رجاؤه في قلوبهم، أروع الامثلة في هذا المجال، فروي عن أبي ذر ; أنّه بكى من خشية اللّه حتّى اشتكى بصره، فقيل له لو دعوت اللّه يشفي بصرك؟!، فقال: إنّي عن ذلك مشغول، وما هو أكبر همّي. قالوا: وما شغلك عنه؟! قال: العظيمتان: الجنة والنار[11].

من جانب آخر يُنمّي روّاد هذه المدرسة الإلهية شعور الرّجاء في النفوس، فمن وصايا أمير المؤمنين لابنه الإمام الحسن (عليه السلام): «أي بُنيَّ، لا تؤيّس مذنبا، فكم من عاكف على ذنبه خُتم له بخير، وكم من مقبل على عمل مفسد من آخر عمره، صائر إلى النار، نعوذ باللّه منها»[12].

* الأستاذ عباس ذهبيات – بتصرف يسير


[1] ميزان الحكمة 10: 134 عن غرر الحكم.
[2] أخلاق أهل البيت، للسيد مهدي الصدر: 351. والحديث في الوافي 3: 62 عن الكافي.
[3] المحجة البيضاء، للمحقق الكاشاني 8: 68 ـ مؤسسة الاعلمي ط2.
[4] نهج البلاغة، صبحي الصالح: 419.
[5] وسائل الشيعة 16: 508 ـ دار احياء التراث العربي.
[6] وسائل الشيعة 16: 509.
[7] الزمر 39: 9.
[8] كنز العمال 3: 144 / 5894.
[9] نهج البلاغة: 384.
[10] أخلاق أهل البيت، للسيد مهدي الصدر: 129 ـ دار الكتاب الاسلامي.
[11] روضة الواعظين: 285 في فضائل أبي ذر 2.
[12] تحف العقول: 66 ـ مؤسسة الاعلمي ط 5.

27-04-2017 | 12-39 د | 2217 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net