الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
اليأس القاهر
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

تصدير:
عن رسول الله (ص): (هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله...)[1].
 
مقدمة:
إن من غير الخفي على كل ذي تجربة وعلم بالإنسان وأحواله النفسية وهذا ما تثبته الوقائع المعاشة في الحياة أن من عقبات طريق الإنسان نحو التطور والتكامل ذلك الشعور باليأس عن القدرة على النجاح في عملية بناء الذات وتكاملها المعبر عنها قرآنيا بالتزكية في قوله تعالى: (قد أفلح من زكاها)[2]. وفي كتاب الله الكريم الكثير من الآيات التي تشير إلى هذا الأمر. إلا أن أهم تحدٍّ يواجهه الإنسان في سيره وسلوكه هذا هو الخوف من الفشل وتهيب مكابدة المشاق التي تصادف الإنسان في عملية تزكية نفسه. فالمرض الخطير هنا نستطيع أن نصفه بأنه ضعف الأمل بإمكانية النجاح في جهاد النفس بل قد يصل إلى حد اليأس عن إمكانية ذلك.
 
اليأس القاهر:
إن الشعور بشئ من الحذر، والخوف من الفشل ومن المعوقات وضعف الثقة بالقدرات البشرية عند من يريد تحسين وضعه وتغيير واقعه نحو الأفضل هو شعور طبيعي له دور إيجابي في تحفيز قوى الإنسان واستنفار قدراته، لكن المرض القاتل هو أن يفقد الإنسان الأمل بإمكان النجاح حيث يشعر بكونه ضعيفاً قد غلبته عيوبه وأسرته ذنوبه، ولأن الله تعالى يريد للإنسان أن يكون آخذاً أهبته كاملة لمجاهدة نفسه أوضح له طبيعة المعركة وصعوبتها فقال: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه)[3].

فكأن الإية جاءت لتساعد الإنسان فتهيئه نفسياً كما تجهز قيادة الجيش جنودها فتصف لهم طبيعة المعركة وظروفها ومدى صعوبتها ومشاقها ليدخلوا الميدان ميدان المواجهة مستعدين ومتجهزين نفسياً ومعنوياً، على أنها في نفس الوقت تعدهم بالمؤازرة، وهذا ما جاء في قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)[4].

وأخبر الله تعالى أنه رغم أن الإنسان يواجه في هذه المعركة من كان من أشد أسلحته فتكاً التيئيس من إمكانية النجاح ويعضده في ذلك ضعف الإرادة وميل النفس نحو الراحة يأتي هذا الخبيث ليستخدم هذه العقبات والمعوقات وتلك المكابدات ليثني الإنسان عن مواصلة بل عن أصل إطلاق خطاه في ميدان جهاد النفس وتربيتها ولذا كان الوعد الإلهي القائل: (إن مع العسر يسراً)[5].
 
كيف يسر الله النجاح في عملية تزكية النفس:
أ‌-   ضمان التأييد الإلهي: وذلك جلي من جهتين ظهر الأول منها في قوله تعالى (لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)[6]، فالآية تشير إلى المعية الإلهية، وهي قوله تعالى مع المحسنين وهم الذين يجاهدون أنفسهم في الله تعالى، وثانياً اللطف التدبيري الإلهي من حيث تيسير الهداية وهي هنا الإيصال إلى السبل الإلهية.
 
ب‌- مضاعفة آثار الأعمال: قد ينظر الإنسان أحياناً إلى موقعه من الله فيراه بعيداً جداً نتيجة سكناه في ديار الغربة عن مواطن طاعة الله، وانغماسه في ظلمات المعصية لمولاه، إلا أن يد العناية الإلهية تأتي لانتشال الإنسان من غياهب ظلمات جب البعد والعصيان في بعض الأزمنة ومنها شهر رمضان وذلك من خلال مضاعفة نتاج العمل حيث جاء في المأثور: (إن شهر رمضان شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات ويرفع فيه الدرجات)[7].
وتتضاعف العناية الإلهية في محاولة استدراك سقطات العبيد ليصبح ممكناً للإنسان أن يعوض تقصيره في عمر كامل بليلة واحدة هي ليلة القدر بل يحصِّل فيها أفضل مما يحصِّل في عمر كامل يزيد على ثمانين عاماً (ليلة القدر خير من ألف شهر)[8].
 
ت‌- تهوين مشقة العبادة: حيث أشار المولى تعالى إلى ذلك إما عبر كتابه العزيز أو عبر ألسنة أوليائه، فنراه تعالى يهون المشقة، مشقة الصوم الواجب في شهر رمضان ليقول عن مدتها أنها: (أياماً معدودات)[9]، إذ يلفت بذلك الإنسان إلى أن عليه أن لا يجعل نظره منصباً على صعوبة الجوع والعطش ومكابدة الصيام بل عليه أن يقارن بين هذه المشقة المحدودة بثلاثين يوماً مع ما يترتب عليها من جوائز وعطايا ومواهب، ومن ذلك التهوين للمشقة بيان عظيم الثواب. هذا ما وصفته خطبة النبي (ص) في استقبال شهر رمضان، إذ إن تلاوة آية تعدل ختم القرآن في غيره، وكذلك في الصدقة، والإطعام وحسن الخلق ليغدو شهر الله سوقاً للتجارة مع الله تضاعف فيه الأرباح أضعافها في غيره.
 
ث‌- تقوية الإرادة: إن أهم ما يفتك به اليأس ويفته ويميثه كما يماث الملح، ويذيبه كما يذاب الثلج، هو الإرادة، ولعلها هي الهدف الذي يصوب عليه الشيطان وجنوده، فحينما يصبح الإنسان عديم الإرادة يكون في غاية الضغف، وبذلك يخرج من دائرة الأحياء، إذ إن عنوان الحياة هو العزم والإردة، فالعزم والإرادة مقومان للحياة بل مقومان لإنسانية الإنسان، فإذا تلاشت إرادة الإنسان يصبح مشلولاً، ومحل فعل الغير، بدل أن يكون فاعلاً ومؤثراً.

وبذلك يرتاح الشيطان وجنوده، إذ لا يعودون بحاجة إلى عرقلة خطاه وحرف سيره، لأنه باليأس عن النجاح لا يخطو ولا يتحرك بل قد لا يفكر بذلك، وقد يكون هذا مقدمة ليصبح الإنسان فاعلاً بالجانب السلبي أي معوقاً لغيره في سيره نحو التكامل وبذلك يصبح جندياً عند الشيطان!! يستدرج أقرانه من بني البشر إلى شراكه.

لكن يد العناية الإلهية أبت أن يكون الإنسان فريسة لهذا العدو اللئيم فجاء القرار الإلهي أولاً بتصفيد الشيطان (والشياطين مغلولة)[10].

وثانياً بالصوم الذي يأتي متدرجاً آناً تعد آن فساعة بعد ساعة فيوماً بعد يوم ليكتمل شهراً، فيوفر شعوراً عند الإنسان بإمكانية التغلب على أهوائه وميوله والتحكم بها ويحي به الثقة والأمل بالقدرة على الفعل والتغيير فيشحذ بذلك همته ولا يتراجع أمام العقبات والمشاق وتقوى إرادته ليستنبتها نجاحه في فريضة الصوم وأداء شروطها وقتاً إثر وقت.
 
وفقنا الله وإياكم لأفضل الأعمال في شهر الله تعالى.


[1] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 10، ص 313.
[2] - سورة الشمس، الآية 9.
[3] - سورة الإنشقاق، الآية 6.
[4] - سورة العنكبوت، الآية 69.
[5] - سورة الشرح، الآية 6.
[6] - سورة العنكبوت، الآية 69.
[7] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 10، ص 313.
[8] - سورة القدر، الآية 3.
[9] - سورة البقرة، الآية 184.
[10] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 10، ص 314.

02-06-2016 | 17-11 د | 1335 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net