الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1105 - 01 شوال1435هـ الموافق 29 تموز2014م
الأنا وعبادة الذات في ثقافة القرآن الكريم

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

تحميل

محاور الموضوع
 
1- خطورة تحكّم الأنا بالنفس.
2- مراتب الأنانية ومراحلها في النفس.
3- كيف صوّر القرآن ظاهرة الأنا وعبادة الذات.
 
الهدف:
 

التعرّف على آثار الأنا وعبادة الذات على سلوك الإنسان.
 
تصدير:
 
قال الله تعالى في سورة الفرقان: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً .
 
خطورة تحكّم الأنا بالنفس:
 
الأنانية مرض أخلاقي يصيب الإنسان حينما يطلق العنان لغريزة حب الذات؛ بغريزة الأنا العمياء كبقية الغرائز، وخطر هذه الغريزة قد يفوق خطر كل غريزة لأنها تستخدم بقية الغرائز لإشباع نفسها فتتفجر غريزة الجنس وغريزة السيطرة وغريزة الغضب... وعلاجها قد يؤدّي إلى الحد من طغيان الكثير من الغرائز الأخرى في الإنسان ذلك أنّ التطرّف في حب الذات الذي يسمى بالأنانية أو عبادة الذات هو في الواقع مرض مسبّب لأمراض أخرى، فأينما وُجِدَ الأنانيون تحوّلوا إلى أزمة ومشكلة.
 
ومن الواضح أنّ هذه السلوك المرضي من مصاديق عبادة الذات التي تحدّث عنها القرآن في خطابه للرسول الكريم  صلى الله عليه وآله وسلم : ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيل. حيث يتحدّث القرآن الكريم عن قضيّة نفسية هي من أهم وأخطر القضايا في حياة الإنسان، وهي أزمة الأنانية وعبادة الذات. وذلك لأنّ معظم مشاكل الإنسان وأزماته النفسية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحالات الصراع والخلافات في المجتمع والأُسر والجماعات البشرية تعود إلى الأنانية وعبادة الذات.
 
علماً بأنّ حب الذات غريزة مركوزة في أعماق الإنسان، وهذا الحب والاعتناء أمر مشروع عندما يكون التعبير عنه صحِّياً وسلميّاً. فمن حق الإنسان أن يحبّ الخير لنفسه، ويُحقِّق لها التفوّق والمقبولية في المجتمع. غير أنّ هذا الحب للذات يتحوّل عند البعض إلى حالة مرضية، وعدوانية، واستحواذ على كل شيء، لئلاّ يرتقي الآخر إلى مستوى منافسته أو التفوّق عليه، بل تتحوّل الأنانية إلى عداء وانتقام إلى حدِّ القتل والافتراء والتخريب عندما يشعر هذا الأناني بتفوّق الآخر عليه اجتماعياً أو اقتصادياً أو علمياً أو...
 
مراتب الأنانية ومراحلها في النفس: إن الأنانية لها مراتب ثلاث في النفس:
 
الأولى: التمحور حول الذات: بمعنى أن يعيش الإنسان لذاته فحسب، فيوظّف كل طاقاته وإمكاناته وجهوده لصالح ذاته، وتحقيق الرفاهية لحياته الخاصة، ويرفض أن يصرف ولو جزءاً صغيراً من طاقاته لخدمة الآخرين. ومعنى أن يعيش الإنسان لذاته يعني أن يوفّر لها أكبر قدر ممكن من اللذات والشهوات والمصالح، فيعيش في دائرة مغلقة (دائرة الأنا) يعمل ليعيش ويعيش ليعمل.
 
بل قد تتحوّل ذات الإنسان الأنانية إلى قيمة عليا، يقيس بها كل شيء، فالإنسان الأناني يُخضع الأفكار والرؤى التي تعرض عليه، إلى مقاييس المصلحة الشخصية، والأمر الخطير في تقديس الذات هو تحوّل الذات إلى إله يعبد كما يقول القرآن الكريم: ﴿أرأيت من اتخذ إلهه هواه.
 
المرتبة الثانية: ظهور الأخلاق والصفات الأنانية: حيث ينتج عن عبادة الذات مجموعة من الرذائل الأخلاقية، منها:
 
1 التعصّب: الإنسان الأناني الذي يتمحور حول ذاته يصاب تلقائياً بمرض التعصّب؛ التعصّب للرأي، وللجماعة، والى كل شيء يمت إليه بصلة، ومهما كان رأيه خاطئاً، أو جماعته تسير على طريق خاطئ، ومهما كان رأي الطرف المقابل صحيحاً وواضحاً.
 
2 التكبّر: ويعني أن يرى الإنسان نفسه أفضل من الآخرين، بسبب الاعتبار المضخّم لنفسه.
 
المرتبة الثالثة : السعي لإسقاط الآخرين:
 
هنا يتصوّر الأناني أنّ الآخرين هم سبب الحد من حصوله على المزيد من مستلزمات حب الذات، ويرى بقائه ورفاهيته وبروزه ونجاحه في إسقاط الآخرين، وتحطيم شخصياتهم، فيحاول أن يبني لنفسه شخصية ووجاهة على أنقاض الآخرين. ويلاحظ في سلوكه المظاهر التالية :
 
تضخيم سلبيات الآخرين.
 
الحسد: وهذا مظهر يصاحب الإنسان الأناني، حيث يندفع باتجاه حسد الآخرين، ويتمنى إزالة النعمة عنهم.
 
وضع العقبات والعراقيل أمام الآخرين: فحينما يعجز الإنسان الأناني عن إحداث الفشل في مسيرة الآخرين، وتحطيم انجازاتهم، ومكاسبهم عبر الحسد، فإنّه يلجأ إلى وضع العراقيل والعقبات في مسيرتهم، وتتحوّل مهمته في الحياة من تطوير ذاته إلى تحطيم الطرف المقابل.
 
كيف صوّر القرآن ظاهرة الأنا وعبادة الذات:
 
إنّ مظاهر التعبير عن عبادة الذات ومظاهر الأنانية كثيرة، وقد توعّد الله عبّاد الذات وأصحاب الأنا بالعذاب الشديد في عدة نماذج نذكر منها:
 
الأنا الشيطانية والسجود لآدم:
 
تحدثنا هذه الآية عن خطورة الأنانية وما سببته للشيطان الرجيم في عصيان الله تعالى والتمرّد على أوامره، قال تعالى في سورة الأعراف: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12)قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ وهنا اقترن العذاب المتمثّل في طرد إبليس من الجنة، والأنانية هي أم المعاصي بل وأوّل معصية .
 
وقوله: "قال أنا خير منه" يحكي عما أجاب به لعنه الله، وهي أول معصية عصي بها الله سبحانه فإن جميع المعاصي ترجع بحسب التحليل إلى الأنانية و منازعة الله سبحانه في كبريائه، وله رداء الكبرياء لا شريك له فيه.
 
الأنانية في قصة قارون:
 
قال تعالى في سورة القصص: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي.
 
الآيات المذكورة تفيدنا أن قارون كان غنياً ولديه الكثير من الكنوز والأموال، وكان يعيش حالة من الزهو والسرور المفرط والتعلّق بالدنيا والانغماس فيها، ولم يأخذ الآخرة بعين الاعتبار في سلوكه وقراراته، وهذا بطبيعة الحال يؤدّي إلى الفساد في الأرض، والمشكلة التي عانى منها قارون ومن حذا حذوه هي مشكلة الأنا التي جعلته يقول: إنّ هذه الأموال إنما حصل عليها بجهده الذاتي، وبقدراته العلمية، بعيداً عن اللطف والتوفيق الإلهي، ولو كان يعيش حالة الارتباط بالله تعالى والاعتراف بفضله عليه لما قال ذلك ولما طغى هذا الطغيان، فماذا كانت عاقبة قارون؟ يجيب على هذا السؤال القرآن الكريم:
﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ1.
 
الأنانية في القضايا الأسرية
 
قال تعالى في سورة النساء الآية (128): ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرً.
 
الشُّحّ هو البخل، معناه: أن الشح من الغرائز النفسانية التي جبلها الله عليها لتحفظ به منافعها، وتصونها عن الضيعة، فما لكل نفس من الشح هو حاضر عندها، فالمرأة تبخل بما لها من الحقوق في الزوجية كالكسوة و النفقة و الفراش والوقاع، والرجل يبخل بالموافقة والميل إذا أحب المفارقة، وكره المعاشرة، ولا جناح عليهما حينئذ أن يصلحا ما بينهما بإغماض أحدهما أو كليهما عن بعض حقوقه. وهنا نلاحظ أنّ هذا الشح في عدم الاعتراف بحقوق الآخر منطلق من حب النفس والأنانية التي تساهم في هدم قواعد الأسرة حينما يفكّر الرجل بحقوقه وينسى حقوق زوجته، وتفكّر الزوجة بمصلحتها وتنسى حقوق زوجها، فتمثل هذه الأنانية عقبة في طريق الإصلاح بين الزوجين، الذي يعني فشله احتمال الطلاق بما يحمل من مآس وآثار سلبية على الأطفال.


1- سورة القصص: الآية81.

14-08-2014 | 12-12 د | 3521 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net