الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
الحرية والعقل في الإسلام
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

ينطلق الإسلام في نظرته إلى الحرية من خلال رؤيته للإنسان، فالإنسان في الإسلام كل متماسك قادر على الاختيار والإرادة والفعل، تتجاذبه مجموعة من النوازع والرغبات المتنافسة في ما بينها، لأن كل قوة من هذه القوى والملكات تنشد كمالها، الذي لا تحده حدود، وإن كان ذلك على حساب الملكات والقوى الأخرى، وهذا بنفسه جار في أفراد المجتمع كذلك، حيث أن كل فرد من أفراده يبحث عن مصلحته الخاصة، ويريد إشباع رغباته، وإن كانت على حساب مصالح ورغبات الآخرين.

فلا بد من الاحتكام إذن، إلى قوة وملكة أخرى، تكون قادرة على الموازنة بين هذه النوازع والرغبات، سواء على المستوى الفردي والذاتي، أم على المستوى الاجتماعي في تنظيم علاقة الفرد بالمجتمع الذي يحيط به، على نحو يحقق التكامل بين القوى والنوازع المختلفة ويسير بها نحو شاطئ الأمان.

وهنا تبرز أهمية العقل، وخطورة دوره، في تحديد معالم الحرية التي لا بد وأن يمنحها لمجموع القوى والأفراد، لينتظم اجتماع الناس، وتعتدل شخصيات أفرادهم.

وهكذا ترجع مسألة البحث عن الحرية، إلى كونها محاولة اختيار الأصلح، سواء للفرد أم للجماعة، والعمل على تحقيقه، وإخراجه إلى عالم الفعلية، وهو موقوف على معرفته وتحديده، وبالتالي اختياره من بين سائر المحتملات.

إن اختيار الأصلح واعتماده، متوقف من ناحية أخرى على دراسة كافة الخيارات الممكنة والمتاحة، والتمييز بينها، مضافا إلى إدراك المصلحة الأساسية التي يحتاج إليها الفرد أو الجماعة، وهذا ما لا يتأتى لجميع الناس على السواء.

ذلك أن كل مفردة من مفردات الحياة تنتسب إلى مجال من المجالات، لا بد من الرجوع إلى أهله والخبراء فيه، والاستفادة من قدرتهم على تعيين الأصلح.

فمثلا الإنسان حر في أن يأكل ما يريد، إلا أنه ليس حرا في أكل ما يضره، ويؤدي إلى هلاكه، ولهذا نراه يرجع بشكل فطري وطبيعي إلى الطبيب، إذا كان مريضا، ليعينه على اختيار ما يناسبه، من الطعام، وهو نحو من تحديد حريته.

وهو حر كذلك في أن يفعل بسيارته ما يشاء، ولكنه ليس حرا في إعطائها إلى النجار مثلا، ليصلح له ما طرأ عليها من عطل ميكانيكي، بل يرى نفسه أنه بحاجة إلى أن يرجع إلى الاختصاصي ليصلح أعطالها، وهذا واضح.

ويمكن القول على العموم، أنه لا توجد حرية بالمعنى المطلق، دون ضابطة ولا حد، وإنما هي مرتبطة بعالم كل مفردة من مفردات الحياة، لا بد من معالجتها في ذلك العالم الذي تنتسب إليه، فهي إذن قيمة نسبية بهذا المعنى، إذ ما من حرية إلا ويقابلها عبودية وطاعة بمعنى من المعاني، وهذا ما يفسر قوله تعالى: ﴿أفرأيت من اتخذ إلهه هواه1، وقول أمير المؤمنين عليه السلام ( لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا)، انسجاما مع قاعدة أن الإسلام دين الفطرة، كما قال تعالى: ﴿فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون2.

ذلك أن إحدى أهم وظائف الدين الدنيوية، إصلاح شأن الإنسان على كافة الصعد والمستويات، والتي من أهمها تحقيق إنسانيته، في ما يتعلق بالكون والحياة.

وخلاصة القول أن الحرية في الإسلام قائمة على أساس الإيمان الراسخ بالله، وتحقيق الاتصال به تعالى، مما يعني رفض كل ما عداه من عبادة للذات أو للمال أو للثروة أو لغيره من الناس والزعماء، ولهذا فهي تحتضن الثورة على كل انحراف وتزييف في الفطرة الإنسانية، وسمو معناها، ولهذا فالإنسان في الإسلام مسئول عن حريته، ولا يحق له التفريط بها، بل هو مدان على تركها، لأن فيها تركا لإنسانيته وتخليا عنها، كما يدل عليه قول أمير المؤمنين عليه السلام المتقدم آنفا.

إن ملاك الحرية في الإسلام هو العقل، وهو القادر على تمييز مصالح الفرد والجماعة، وعلى تحقيق التوازن بين القوى والملكات النفسية، وكذلك بين أفراد المجتمع، وتنظيم شؤونهم، بما يحقق لهم اعتدال القوى، وتصحيح مساراتها، بما يخدم غاياتها ومستقبلها.

وعليه فيصح القول بأن الحرية في الإسلام هي حرية عاقلة ومسئولة.

* الشيخ حاتم اسماعيل


1- سورة الجاثية: آية: 23
2- سورة الروم: آية:30

25-11-2013 | 10-52 د | 2325 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net