الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في خطبتَي صلاة عيد الفطركلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من الطلّاب الجامعيّينكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلادبِهذا جُمِعَ الخَيرُ

العدد 1612 07 شوال 1445 هـ - الموافق 16 نيسان 2024 م

لَا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ

العامل الأساس للنصر مراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِن
من نحن

 
 

 

التصنيفات
المفهوم الحقيقي للدعاء
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ1.


في سبب النزول:
ذكر في سبب نزول هذه الآية أنه: سأل رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الله سبحانه، أهو قريب ليناجيه بصوت خفي أم بعيد ليدعوه بصوت مرتفع؟ فنزلت الآية2.


سلاح اسمه الدعاء:
بعد أن ذكرت الآيات السابقة مجموعة هامة من الأحكام الإسلامية، تناولت هذه الآية موضوع الدعاء باعتباره أحد وسائل الارتباط بين العباد والمعبود سبحانه. ومجئ هذه الآية في سياق الحديث عن الصوم، يعطيه مفهوما جديدا، إذ أن الدعاء والتقرب إلى الله روح كل عبادة. هذه الآية تخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب. إنه أقرب مما تتصورون، أقرب منكم إليكم، بل ونحن أقرب إليه من حبل الوريد3.

ثم تقول الآية: أجيب دعوة الداع إذا دعان. إذن فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي، لعلهم يرشدون. ويلفت النظر في الآية، أن الله سبحانه أشار إلى ذاته المقدسة سبع مرات، وأشار إلى عباده سبعا! مجسدا بذلك غاية لطفه وقربه وارتباطه بعباده.

روى عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "الدعاء يرد القضاء بعد ما أبرم إبراما فأكثر من الدعاء فإنه مفتاح كل رحمة ونجاح كل حاجة ولا ينال ما عند الله عز وجل إلا بالدعاء وإنه ليس باب يكثر قرعه إلا يوشك أن يفتح لصاحبه"4.
نعم، إنه قريب منا، وكيف يبتعد وهو سبحانه يحول بين المرء وقلبه5.

فلسفة الدعاء:
أولئك الجاهلون بحقيقة الدعاء وآثاره التربوية والنفسية، يطلقون أنواع التشكيك بشأن الدعاء. يقولون: الدعاء عامل مخدر، لأنه يصرف الناس عن الفعالية والنشاط وعن تطوير الحياة، ويدفعهم بدلا من ذلك إلى التوسل بعوامل غيبية. ويقولون: إن الدعاء تدخل في شؤون الله، والله يفعل ما يريد، وفعله منسجم مع مصالحنا، فما الداعي إلى الطلب منه والتضرع إليه؟!

ويقولون أيضا: إن الدعاء يتعارض مع حالة الإنسان الراضي بقضاء الله المستسلم لإرادته سبحانه! هؤلاء، - كما ذكرنا - يطلقون هذا التشكيك لجهلهم بالآثار التربوية والنفسية والاجتماعية للدعاء، فالإنسان بحاجة أحيانا إلى الملجأ الذي يلوذ به في الشدائد، والدعاء يضئ نور الأمل في نفس الإنسان. من يبتعد عن الدعاء يواجه صدمات عنيفة نفسية واجتماعية. وعلى حد تعبير أحد علماء النفس المعروفين: "ابتعاد الأمة عن الدعاء يعني سقوط تلك الأمة! المجتمع الذي قمع في نفسه روح الحاجة إلى الدعاء سوف لا يبقى مصونا عادة من الفساد والزوال. ومن نافلة القول أنه من العبث الاكتفاء بالدعاء لدى الصباح وقضاء بقية اليوم كالوحش الكاسر، لابد من مواصلة الدعاء، ومن اليقظة المستمرة، كي لا يزول أثره العميق من نفس الإنسان"6. وأولئك الذين يصفون الدعاء بأنه تخديري لم يفهموا معنى الدعاء، لأن الدعاء لا يعني ترك العلل والوسائل الطبيعية واللجوء بدلها إلى الدعاء، بل المقصود أن نبذل نهاية جهدنا للاستفادة من كل الوسائل الموجودة، بعد ذلك إن انسدت أمامنا الطرق، وأعيتنا الوسيلة، نلجأ إلى الدعاء، وبهذا اللجوء إلى الله يحيى في أنفسنا روح الأمل والحركة، ونستمد من عون المبدأ الكبير سبحانه. الدعاء إذن لا يحل محل العوامل الطبيعية. "الدعاء - إضافة إلى قدرته في بث الطمأنينة في النفس - يؤدي إلى نوع من النشاط الدماغي في الإنسان، وإلى نوع من الانشراح والانبساط الباطني وأحيانا إلى تصعيد روح البطولة والشجاعة فيه. الدعاء يتجلى بخصائص مشخصة فريدة... صفاء النظرة، وقوة الشخصية، والانشراح والسرور، والثقة بالنفس، والاستعداد للهداية، واستقبال الحوادث بصدر رحب، كل هذه مظاهر لكنز عظيم دفين في نفوسنا. وانطلاقا من هذه القوة يستطيع حتى الأفراد المتخلفون أن يستثمروا طاقاتهم العقلية والأخلاقية بشكل أفضل، وأكثر. لكن الأفراد الذين يفهمون الدعاء حق فهمه قليلون جدا - مع الأسف - في عالمنا اليوم"7.

مما تقدم نفهم الرد على من يقول أن الدعاء يخالف روح الرضا والتسليم، لأن الدعاء - كما ذكرنا - نوع من كسب القابلية على تحصيل سهم أكبر من فيض الله اللامتناهي. بعبارة أخرى: الإنسان ينال بالدعاء لياقة أكبر للحصول على فيض الباري تعالى. وواضح أن السعي للتكامل ولكسب مزيد من اللياقة هو عين التسليم أمام قوانين الخليقة، لا عكس ذلك. أضف إلى ذلك، الدعاء نوع من العبادة والخضوع والطاعة، والإنسان - عن طريق الدعاء - يزداد ارتباطاً بالله تعالى، وكما أن كل العبادات ذات أثر تربوي كذلك الدعاء له مثل هذا الأثر. والقائلون أن الدعاء تدخل في أمر الله وأن الله يفعل ما يشاء، لا يفهمون أن المواهب الإلهية تغدق على الإنسان حسب استعداده وكفاءته ولياقته، وكلما ازداد استعداده ازداد ما يناله من مواهب. لذلك يقول الإمام الصادق (عليه السلام): " إن عند الله عز وجل منزلة لا تنال إلا بمسألة"8. ويقول أحد العلماء: "حينما ندعو فإننا نربط أنفسنا بقوة لا متناهية تربط جميع الكائنات مع بعضها"9. ويقول: "إن أحدث العلوم الإنسانية - أعني علم النفس - يعلمنا نفس تعاليم الأنبياء، لماذا؟ لأن الأطباء النفسانيين أدركوا أن الدعاء والصلاة والإيمان القوي بالدين يزيل عوامل القلق والاضطراب والخوف والهيجان الباعثة على أكثر أمراضنا"10.

المفهوم الحقيقي للدعاء:
إن الدعاء إنما يكون فيما خرج عن دائرة قدرتنا، وبعبارة أخرى الدعاء المستجاب هو ما صدر لدى الاضطرار وبعد بذل كل الجهود والطاقات، أمن يجيب المظطر إذا دعاه ويكشف السوء11. يتضح من ذلك أن مفهوم الدعاء طلب تهيئة الأسباب والعوامل الخارجة عن دائرة قدرة الإنسان، وهذا الطلب يتجه به الإنسان إلى من قدرته لا متناهية ومن يهون عليه كل أمر. هذا الطلب طبعا يجب أن لا يصدر من لسان الإنسان فقط، بل من جميع وجوده، واللسان ترجمان جميع ذرات وجود الإنسان وأعضائه وجوارحه. يرتبط القلب والروح بالله عن طريق الدعاء ارتباطا وثيقا، ويكتسبان القدرة عن طريق اتصالهما المعنوي بالمبدأ الكبير، كما تتصل القطرة من الماء بالبحر الواسع العظيم. جدير بالذكر أن هناك نوعا آخر من الدعاء يردده المؤمن حتى فيما اقتدر عليه من الأمور، ليعبر به عن عدم استقلال قدرته عن قدرة الباري تعالى، وليؤكد أن العلل والعوامل الطبيعية إنما هي منه سبحانه، وتحت إمرته. فإن بحثنا عن الدواء لشفاء دائنا، فإنما نبحث عنه لأنه سبحانه أودع في الدواء خاصية الشفاء (هذا نوع آخر من الدعاء أشارت إليه الروايات الإسلامية أيضا). بعبارة موجزة: الدعاء نوع من التوعية وإيقاظ القلب والعقل، وارتباط داخلي بمبدأ كل لطف وإحسان، لذلك نرى أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) يقول: "لا يقبل الله عز وجل دعاء قلب لاه"12. وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "إن الله عز وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه"13.

شروط استجابة الدعاء:
دراسة شروط استجابة الدعاء توضح لنا كثيرا من الحقائق الغامضة في مسألة الدعاء، وتبين لنا آثاره البناءة، والروايات الإسلامية تذكر شروطا لاستجابة الدعاء منها:

1 - ينبغي لمن يدعو أن يسعى أولا لتطهير قلبه وروحه، وأن يتوب من الذنب، وأن يقتدي بحياة قادة البشرية الإلهيين. عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إياكم أن يسأل أحدكم ربه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة حتى يبدأ بالثناء على الله، والمدحة له والصلاة على النبي وآله، والاعتراف بالذنب، ثم المسألة"14.

2 - أن يسعى الداعي إلى تطهير أمواله من كل غصب وظلم، وأن لا يكون طعامه من حرام. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "من أحب أن يستجاب دعاؤه فليطب مطعمه ومكسبه"15.

3 - أن لا يفترق الدعاء عن الجهاد المستمر ضد كل ألوان الفساد، لأن الله لا يستجيب ممن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله شراركم على خياركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم"16 ترك هذه الفريضة الإلهية (فريضة المراقبة الاجتماعية) يؤدي إلى خلو الساحة الاجتماعية من الصالحين، وتركها للمفسدين، وعند ذاك لا أثر للدعاء، لأن هذا الوضع الفاسد نتيجة حتمية لأعمال الإنسان نفسه.

4 - العمل بالمواثيق الإلهية، الإيمان والعمل الصالح والأمانة والصلاح من شروط استجابة الدعاء، فمن لم يف بعهده أمام بارئه لا ينبغي أن يتوقع من الله استجابة دعائه. جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وشكا له عدم استجابة دعائه، فقال الإمام: "إن قلوبكم خانت بثمان خصال:

أولها: إنكم عرفتم الله فلم تؤدوا حقه كما أوجب عليكم، فما أغنت عنكم معرفتكم شيئا.
والثانية: إنكم آمنتم برسوله ثم خالفتم سنته، وأمتم شريعته فأين ثمرة إيمانكم؟!
والثالثة: إنكم قرأتم كتابه المنزل عليكم فلم تعملوا به، وقلتم سمعنا وأطعنا ثم خالفتم!
والرابعة: إنكم قلتم تخافون من النار، وأنتم في كل وقت تقدمون إليها بمعاصيكم فأين خوفكم؟!
والخامسة: إنكم قلتم ترغبون في الجنة، وأنتم في كل وقت تفعلون ما يباعدكم منها فأين رغبتكم فيها؟
والسادسة: إنكم أكلتم نعمة المولى فلم تشكروا عليها!
والسابعة: إن الله أمركم بعداوة الشيطان، وقال: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا، فعاديتموه بلا قول، وواليتموه بلا مخالفة.
والثامنة: إنكم جعلتم عيوب الناس نصب أعينكم وعيوبكم وراء ظهوركم تلومون من أنتم أحق باللوم منه فأي دعاء يستجاب لكم مع هذا، وقد سددتم أبوابه وطرقه؟ فاتقوا الله وأصلحوا أعمالكم وأخلصوا سرائركم وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فيستجيب الله لكم دعاءكم "17.

هذا الحديث يقول بصراحة: إن وعد الله باستجابة الدعاء وعد مشروط لا مطلق. مشروط بتنفيذ المواثيق الإلهية، وإن عمل الإنسان بهذه المواثيق الثمانية المذكورة فله أن يتوقع استجابة الدعاء، وإلا فلا. العمل بالأمور الثمانية المذكورة باعتبارها شروطا لاستجابة الدعاء كاف لتربية الإنسان ولاستثمار طاقاته على طريق مثمر بناء.

5 - من الشروط الأخرى لاستجابة الدعاء العمل والسعي، عن علي (عليه السلام): "الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر"18. الوتر بحركته يدفع السهم نحو الهدف، وهكذا دور العمل في الدعاء. من مجموع شروط الدعاء المذكورة نفهم أن الدعاء لا يغنينا عن التوسل بالعوامل الطبيعية، بل أكثر من ذلك يدفعنا إلى توفير شروط استجابة الدعاء في أنفسنا، ويحدث بذلك تغييرا كبيرا في حياة الإنسان وتجديدا لمسيرته، وإصلاحا لنواقصه. أليس من الجهل أن يصف شخص الدعاء بهذا المنظار الإسلامي أنه مخدر؟!

* الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - بتصرّف


1- سورة البقرة، آية 186.
2- مجمع البيان، في تفسير الآية.
3- ق، 16.
4- أصول الكافي، ج 2، كتاب الدعاء (باب إن الدعاء يرد البلاء)، الحديث 7.
5- الأنفال، 24.
6- الدعاء، الطبيب وعالم النفس الشهير " الكسيس كاريل ".
7- الدعاء للكسيس كاريل.
8- أصول الكافي، ج 2، ص 338، باب فضل الدعاء والحث عليه، حديث 3.
9- آئين زندگي (فارسي)، ص 156.
10- ن. م. ص 152.
11- النمل، 62.
12- أصول الكافي، ج 2، ص 342، باب الإقبال على الدعاء، الحديث 1.
13- نفس المصدر.
14- سفينة البحار، ج 1، ص 448 و 449.
15- نفس المصدر.
16- نفس المصدر السابق.
17- نفس المصدر
18- نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 337

17-05-2013 | 17-38 د | 2472 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net