المحاضرة الخامسة: موانع الالتزام الديني

تصدير الموضوع:
قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ1.

الهدف:

الإضاءة على بعض العناوين التي قد تشكِّل موانعَ دون الالتزام والتي يجب التنبه لها.


281


المقدَّمة
والمراد بالموانع ما يؤدي إلى التهاون والاستخفاف بالأحكام الشرعية وصولاً إلى عدم الوقوف عند حدود الله تعالى التي حددها، سواءٌ أكان بالأخذ بالأقل أو الأكثر، فدقة الإلتزام بالحكم الشرعي تستلزم الإبتعاد عن جانبي الإفراط والتفريط والتي دعت إليها مدرسة أهل البيت عليهم السلام في وجه المدارس الأخرى والأحكام الشرعية بالتعبير القرآني هي حدود الله تعالى، الحدود التي ترسم للمؤمن دائرة تحركه وتحذره من تجاوزها ولو يسيراً.

قال سبحانه: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ2.

وفي آيةٍ أخرى يقول تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ3.

وحول تعريف الحد: وردفي تفسير التبيان: "وأصل الباب المنع. والحد: نهاية الشيء التي تمنع أن يدخله ما ليس منه، وأن يخرج عنه ما هو منه".


282


ولا يخفى أن هذه العناوين تختلف من شخضٍ لآخر، فالشيطان يدخل إلى حياةٍ كلّ واحدٍ منّا من نقاط ضعفه، إلا أن النقطة الأهم هنا أن التهديد ليس تهديداً بتضييع وقت أو إسراف في مال أو جرّ الإنسان إلى غضبٍ أو سلوكٍ سيِّئ، بل هو تهديد للدين كلّه وتضييع للالتزام وبالتالي خسارة كلّ شيء، فالشيطان يهدد، يوجه سهامه إلى الجذور والقواعد والأركان ليضعفها، وبالتالي يشكِّل تهديداً كبيراً لتمام البنيان. وعلى كل حال فإن أهمَّ هذه الأمور:
١- اتباع الهوى، قال تعالى: ﴿
فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ4، وقال عز وجل: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ5.

٢- صحبة أهل الكفر والعصيان،
قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا *


283


يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا6.

٣- عدم اتباع الوحي او تحكيم العقل
، قال تعالى: ﴿
وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ7.

٤- الجهل،
وعدم الوقوف على تعاليم الإيمان العالية، وإرشاداته السامية. قال الله تعالى: ﴿
بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ8.

وقال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ9.وقال: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ10.

٥- الحسد والبغي، كحال اليهود،
قال تعالى: ﴿
وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ11.


284


٦- الكبر، قال سبحانه وتعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ12.

٧- الإعراض عن الحق والتولي عنه،
قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا13، وقال تعالى: ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا *  مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا14، وقال تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا15، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ16.

٨- ردّ الإيمان،
وعدم قبوله بعد معرفته وبيان دليله،


285


وجحده بعد علمه، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ17، وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ18، وقال عز وجل: ﴿كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ19.

٩- الانغماس في الترف والإسراف في التنعُّم،
قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ20، وقال تعالى: ﴿
إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ21.

١٠- احتقار الحق وأهله،
قال تعالى عن قوم نوح عليه السلام: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ22.


286


١١- الفسق والخروج عن طاعة الله إلى طاعة الشيطان، قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ23.

١٢- قسوة القلب،
قال تعالى: ﴿
فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ24.

١٣- بغض ما أنزل الله،
قال تعالى: ﴿
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ25.

١٤- قبول الحق وعدم التكبر
، قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ26.


287


هوامش

1- سورة النساء، الآية 14.
2- سورة البقرة، الآية 187.
3- سورة البقرة، الآية 229.
4- سورة الشورى، الآية 15.
5- سورة الجاثية، الآية 18.
6- سورة الفرقان، الآيات 27 - 29
7- سورة الملك، الآية/ 10.
8- سورة يونس، الآية 39
9- سورة الأنعام، الآية 111.
10- سورة الأنعام، الآية 37.
11- سورة البقرة، الآية 109.
12- سورة الأعراف، الآية 146.
13- سورة الشورى، الآية 48.
14- سورة طه، الآيات 99 - 101.
15- سورة النجم، الآية 29.
16- سورة الزخرف، الآية 36.
17- سورة الأنعام، الآية 20.
18- سورة الصف، الآية 5.
19- سورة غافر، الآية 63.
20- سورة الأحقاف، الآية 20.
21- سورة الواقعة، الآية 45.
22- سورة الشعراء، الآية 111.
23- سورة يونس، الآية 33.
24- سورة الأنعام، الآية 43.
25- سورة محمد، الآيتان 8 ـ 9.
26- سورة القصص، الآية 83.