الليلة العاشرة: مجلس الطفل الرضيع

القصيدة
 

أوَما رقَقْتَ بكربلا يا حرْملهْ؟
هذي سِهامُكَ صوَّبتْ كَبِدَ الْهُدَى
عينُ الكفالةِ أنتَ مَنْ أطفأْتَها
ورميتَ بالسَّهْمِ المُثلَّثِ مُهْجةً
حدِّثْ ففي قَلْـــبِ الربابِ تساؤلٌ
فيجيبُ لا أنسى حسيناً قادِماً
قالَ ارْحَمُوه وبَلِّلوا عطشَ الحشا
صوتٌ بهِ انفصَمتَ عُرى سُفْيانِهمْ
سدَّدتُ سَهْمِيَ لا أرى منْ نَحْرِهِ
وثكَلتُ والدَهُ بقَطعِ وريدِهِ
كالطَّيْرِ رَفَرفَ للحُسَينِ ببسمةٍ

ولما جنيْتَ بكتْ عيونُ البسْمَلهْ
بَلْ سطَّرَتْ في العَرْشِ آي "الزلزلهْ"
فلها البتولةُ في الجَنَائنِ مُعْوِلهْ
دمُها رقى في الخُلْدِ أعلى منزِلَهْ
(أوَمَا رققْتَ بِكَرْبلا يا حرْملَهْ)؟!
يَمْشِي وبيْنَ يديْهِ طِفلٌ ظلَّلَهْ
ما كانَ ينقصُ ماؤكمْ إِنْ بلَّلهْ
ما بينَ مدْبِرةٍ وأخرى مُقْبِلَهْ
إلا بياضاً ناصعاً ما أجْملَهْ!
إِذْ كانَ قَطْعُ نِزاعِهم أنْ أقْتُلَهْ
ودنَا إليْهِ يضمُّهُ فرققتُ لَــهْ


115


نعم، ‎ساعد الله قلب الحسين، أخذ ابنه عبد الله الرضيع ليسقيه شربة من الماء، بعدما جفّ لبن أمّه، فرمَوه القوم سهماً ذبحوه من الوريد الى الوريد!

شالْ ابْنَه الرَّضِيعْ احْسينْ
طِفِلْ حَرِّ العَطَشْ ماذِيهّ
يا شِيْعَة بَنيْ سُفيانْ
شِرْبَة مايْ اَرِيدْ اسْگِيهّ
هذَاَ الغاليْ عَبْدَاللهَ
صَبَّحْ تِرْتِعِشْ رِجْليّه
ما ظَلْ حيلْ بِوْليدي
يا ناسْ اوْ سِبَلْ إِيْديّه
بَسْ ايْدِيرْ لَيَّه العينْ
يِشْكِيْ ليْ لَهيبْ الـْ بِيّه
شَبِيْهّ المُصطَفَىَ جَدَّهْ
اوْ يِتْحَرَّمْ المايْ اعْليّه

تِبَسَّمْ هَاَلْطِفِلْ لَحْسينْ
رادْ ايْوَدْعَهْ وِ ايْناغيِهّ
اوْ لَنْ مالَتْ رُگُبْتَهْ اوْ صاحْ


116


وِ الدَّمْ فاضْ وِ امْغَطِّيهّ
ليشْ انْذِبَحْ عَبدَ اللهَ
اوْ شِنْهُو ذَنِبْ الـْ امْسَوِّيهّ

أمّا حال أمّه الرباب، ساعد الله قلب الأم! كأنّي بها تخاطبه:
(نعي فائزي)
نوم العوافي يالولد مستعجل تنام
فطموك يايمه الولد بالنبله اسهام

فطموك يايمه الولد بحضيني فطموك
بعدك ازعير يالولد و الماي حرموك
وللبين عبدالله برمح يوليدي سلموك
صغيرون يوليدي ولا كملت هالعام

نوم العوافي يالولد مذبوح مذبوح
بالنبله يمه يالولد بمهادك اتروح
خليت بقليبي الالم واحزان وجروح
وياك ضاعت مني يمه كل الاحلام

لَتظن اذوقه يالولد من بعدك الماي
عطشان ياييمه رحت يابعد دنياي


117


واشلون اشرب واهتني من عمت عيناي
خليت امك بالهضم والهم والالام

(أبو ذيّة)
امصاب الطفل كم مدمع به انصاب       يحقلي ابكل أرض مأتم به انصب
ســهم الصاب عبد الله به انصاب         دليلي وشـفت وياه المنيـــّه

(عاشوري)
يا ناس حتّى الطفل مذبوح       آه آه ودمه على زند حسين مسفوح
وين اليساعدني ويجي اينوح     آه آه قلبي على فرگاه مجروح

المصيبة
رُوي عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال: ‎"إنّي لجالس في تلك العشيّة التي قُتل أبي في صبيحتها، وعندي عمّتي زينب تمرّضني، إذا اعتزل أبي في خباء له، وعنده (جون) مولى أبي ذرّ، وهو يعالج سيفه ويصلحه، وأبي يقول:
‎يا دهر أفٍ لك من خليل       كم لك بالإشراق والأصيل
‎من صاحب أو طالب قتيل     والدهر لايقنع بالبديل


118


‎وإنّما الأمر إلى الجليل               وكلّ حيّ سالك سبيل
‎ما أقرب الوعد من الرحيل

فأعادها أبي مرّتين أو ثلاثاً حتى فهمتها فعرفت ما أراد، فخنقتني العبرة فرددت دمعتي ولزمت السكوت وعلمت أنّ البلاء قد نزل!

أمّا عمّتي زينب، فإنّها لما سمعت ما سمعت، وهي امرأة ومن شأن النساء الرقّة والجزع، فلم تملك نفسها دون أن وثبت تجرّ أذيالها، حتى انتهت إليه، وهي تنادي: واثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمّي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن، يا خليفة الماضين وثمال الباقين!

‎فنظر إليها الحسين عليه السلام نظر رأفة ورقّة، وصار يسلّيها ويسكن قلبها، قالت: بأبي أنت وأمّي، استقتل نفسي فداك، فردّ الحسين غصّته وترقرقت عيناه بالدموع، فقالت: ردّنا إلى حرم جدّنا رسول الله، فقال: هيهات، لو تُرك القطا ليلاً لغفا ونام!

‎ فقالت: واويلتاه! أفتغتصب نفسك اغتصاباً؟! فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي، فقال لها الحسين: "أخيّة اتّقي الله، وتعزَّي بعزاء الله، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأنّ أهل السماء لا يبقون".

نعم، إنها ليلة صعبة على قلب زينب، ليلة الوداع!


119


(لحن لفى عاشور/ يا جبريل/ التغريد الحزين وألحان أخرى)
كم ليلة بأثر ليله                     مرّت عالقلب مُرّه
لكن ليلة العاشر                    أشد واصعب على الحوره

مكسورة گلب وصلَت
وخلّت راسها بصدره
نوبه تشمّه وتضمّه
ونوبه تصيح يا زهره
خويه موَدِع الليله
وعيني من البكا حرّه
يحرم ع العيون تنام
لو شافت دِمه نحره
يصبّرها أبو سكينه
وعن البلوى يحاكيها
باكر لو لفاكم جيش
يختي وصيّة نفذيها
عبايه فاطمة أمك
على رأسك دخلّيها
وان شفتي الشمر يمي


120


نادي يمه يالزهره
مرعوبه تهل دمعه
وعين تناظر المظلوم
دمعها يمسحه بكفّه
يختي اتصبّري بهاليوم
يَروح رويحتي زينب
ادري بالگلب مالوم
بجاه الزهره عذريني
الأخت دوم الاخو تعذره

ثم سمعت بقية النسوة، فجئن وبكين ونصبن المناحة، ثم إنّ الحسين عليه السلام أنبأهم بما يحلّ بهم من رزايا ومحن، وأوصاهم بتقوى الله وتحمّل ذلك بصبر واحتساب.

وكان للحسين عليه السلام وداع مع أخواته وإخوته وبناته وأبنائه، وكان له وداع خاصّ بطفله الصغير عبد الله، يطيل النظر إليه ويتأمّل محيّاه، وشبهه بجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا وداع.

ووداع آخر يوم عاشوراء، لمّا قُتل أصحاب الحسين وأهل بيته، ولم يبقَ معه أحد ينصره، وإذ بزينب تأتي إليه بطفله الرضيع بعد أن جاءت به إليها أمّه الرباب، وهي تقول: "هاكم رضيعكم يا آل محمد!".


121


(لحن الجفيري)
خويه رضيعك شيله
أمه بألم تدعــي لـــــه
واتسكته واتلوليــــــله
حال الطفل يفجع تره

يبكي تراه وماغفـــى
كبدة رضيعك ناشفة
واتشگگت منه الشفـه
حال الطفل يفجع تره

حالة لظى بي هــــــوه
مو بس ضمي ويتروّه
شوف الطفـــــل يتلوّه
حال الطفل يفجع تره

رقّ قلب الحسين لحال طفله الذي اصفرّ لونه من شدّة الظمأ، فأتى به نحو القوم ووقف منادياً: "يا قوم، قتلتم إخوتي، قتلتم أهل بيتي وأنصاري ولم يبقَ عندي سوى هذا الرضيع، يا قوم اسقوه شربة من الماء فقد جفّ لبن أمّه من شدّة العطش، يا قوم إن كنتم تخافون أن أشرب الماء فخذوه واسقوه أنتم".


122


اختلف القوم فيما بينهم، منهم من قال: إن كان ذنب للكبار فما ذنب الصغار؟ - ما ذنب هذا الطفل الرضيع - ومنهم من قال: لا تبقوا لأهل هذا البيت باقية (يعني لا ترحموا كبارهم ولا صغارهم)، فلمّا رأى عمر بن سعد ذلك صاح في حرملة: ويحك حرملة، اقطع نزاع القوم...

يقول حرملة حكّمت سهماً في كبد القوس، ونظرت إلى الرضيع أين أرميه؟ في أيّ موضع من جسمه، لأنّه كان مقمّطاً بين يدي أبيه، وبينما أنا كذلك هبّت ريح، فكشفت النقاب عن وجه الرضيع، وإذا برقبته تلمع على عضد أبيه الحسين، كأنّها إبريق فضّة، فرميته فذبحته من الوريد إلى الوريد!

(عاشوري)

طفل هذا وشنو ذنبه يا ظُلّا                 آه آه عطشان الزغير وعينه مَتنــام
لچن هالگوم ردّوله بالاسهـا                آه آه وذبحَوا علي الاصغر بيد ابيّه
نفض من حس ألم وانشبحت العي          آه آه ودُموعه تستغيث ابوجــــه الحسين
اويلاه رگبتــه گسمـــوهـــا نصّيــــن      آه آه ابسهم مسموم راضعتــه المنيـــــــة

فلمّا رأى الإمام الحسين عليه السلام الدمّ يجري من نحر طفله، وضع كفّه تحت نحره، فلمّا امتلأت دماً رمى به نحو السماء، وقال: "هوّن ما نزل بي أنّه بعين الله!".


123


(نصاري)
تلگى حسين دم الطفل بيده      اشحاله الينكتل ابحضنه اوليده
شاله وملا چفه من وريده       ارماه للسم وللگاع ماخر

ولمّا عاد إلى أمّه، ورأت رضيعها مذبوحاً، صرخت: واولداه! واذبيحاه! ساعد الله قلب الأم! ما حالها وقد عاد إليها طفلها مذبوحا؟!

يبني يعبد الله يمحروم
يا من ابسم البين مفطوم

عگبك تراني امفارجه النوم
امساهره الليل واحسب نجوم
اشعندك ذنب يبني ويه هالگوم
لنحرك تگطعه ابسهم مسموم
ابدال الشرب ترويك بدموم
وصوبوا گلب امك المالوم
من يوم عني غبت لليوم
دمع البيابي عليك مسجوم
جمر الحزن بالچبد مضروم
وعليه طير الفاجعه يحوم
حگ ارضه واصبر على المقسوم


124


(لحن لفى عاشور/ يا جبريل نترجّاك/ تغريد حزين)
رضيعي ويا ضوه عيني گلب امك يحوم اعليك
يدور اعلى المهد ويريد يشوفك يمة ويناغيك
بس ابدال ضحكاتك سمع صوت الولي يناديك
ابوك حسين وبحضنه، إنت والدمه مسفوح

آه يامذبوح آه يامذبوح آه يامذبوح آه

اشفاك امن العطش ذبلت دمّك گام يرويها
يعبد الله اخذ وياك امك لاتأذيها
شوف الوالدة الثكلى ياابني من يداويها
يريت الموت خذاني بساع وونيني هالگضالي الروح

آه يامذبوح آه يامذبوح آه يامذبوح آه

يبني ازداد ونّي اعليك اكثر من شفت لحسين
انكسر گلبه على عمرك ودمعاته احرگتله العين
يشوفك منذبح بيده ويسمعلك بكا وونين
ساعة مابقى بعدك وشفته عالترب مطروح

آه يامذبوح آه يامذبوح آه يامذبوح آه


125


شاهد الرباب بعين قلبك ليلة الحادي عشر، عندما جنّ الليل أخذت الرباب طفلها المذبوح بعدما درّ لبنها، كأنّي بها تخاطبه بصوت حزين يفجع القلب:

(لحن الفراق)

يا حبيبي يبني ون ورد عليه
يا حبيبي يلرحت من بين ايدي
يا حبيبي شسوت بروحي المنية

تعال بحضني عبدالله يبني گلي وين تنام
بحضن امك ینور العین عسى تحلالك الاحلام

طلعت حايره بالليل رباب وتقصد الحومه
تعثر ويلي بالاجساد كلها مدرجه دمومه
تصرخ وين عبدلله ينار بچبدي مضرومه
يتعب رباي يا مدلل وشمعة عمري والايام

الله شلون حالتها تشوف اجساد عالغبره
بلا ايّا رؤوس عالتربان بدماها مغسّله كثره
جسد شافته بالحومه وطفل مذبوح من نحره
مهده صدر أبوالسجاد صار المنسجر بآلام


126


گعدت يمه مذهوله والونه تفت الروح
تعاين للنحر دامي وشافت هالولد مذبوح
تگله والدک یبني نعشه اعلی الأرض مطروح
اتهنه يابني بنومك يعبدالله بدلالک نام

(أبو ذيّة)

عيوني تسكب العبره بلا مهاد                 على الظلوا على الغبره بلا مهاد
طفلهم ما لحق يناهز بلا مهاد (بالمهد)       وهزّت رقبته سهام المنيّه

(تخميس)

ومنعطفٍ أهوى لتقبيل طفله        فقبّل منه قبله السهم منحرا
لقد ولدا في ساعة هو والردى     ومرّ في نحره السهم كبرا


127