المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله الميامين الأطهار، وجميع الأنبياء والمرسلين، وبعد...

يستعدّ الموالون والمحبّون في أقطار العالم سنوياً لإحياء ذكرى عاشوراء، بإقامة مجالس العزاء، واللطم الحسينيّ، وإبراز مظاهر الحزن والحداد في بداية شهر محرّم الحرام؛ هذا الشهر الحزين بمصيبة الإمام الحسينعليه السلام والسيّدة زينب عليها السلام وبقيّة الآل والأصحاب. ولم يكن هذا الإحياء وليد عادات أو أعراف أو تقاليد، بل كان دائماً استجابةً لتوجيه وإرشاد أئمّة أهل البيت عليهم السلام واقتداءً بسيرتهم وسلوكهم عليهم السلام في إقامة هذه المآثم، والحزن والبكاء على سيّد شباب أهل الجنة، فقد ورد عن الإمامِ الرضا عليه السلام: "كان أبي عليه السلام إذا دخلَ شهرُ محرَّم لا يُرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلبُ عليه حتى تمضي عشرةُ أيامٍ، فإذا كان يومُ العاشر ِكان ذلك اليومُ يومَ مصيبتِه وحزنهِ وبكائهِ"1.

وعن الإمام أبي جعفرٍ عليه السلام "... ثم ليندبِ الحسين ويبكِهِ، ويأمرُ مَنْ في دارِهِ ممّن لا يتقيه بالبكاءِ عليه...، وليُعَزِّ بعضُهم بعضاً بمصابِهِم بالحسينِ عليه السلام، قلتُ: وكيفَ يُعزّي بعضُنا بعضاً؟ قال: تقول: عظَّمَ الله أجورَنا بمصابِنا بالحسينِ عليه السلام، وجعلنا من الطالبين بثأرِه مع وليِّه الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من آلِ محمد"2.

بل صرّح أئمّتنا عليهم السلام بحبّهم لهذه المجالس وحثّوا صراحةً على إحيائها، روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال لفضيل: "تجلسون وتتحدّثون؟"، قال: نعم، فقال عليه السلام: "إِنَّ تِلْكَ الْمَجَالِسَ أُحِبُّهَا, فَأَحْيُوا أَمْرَنَا فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا"3.

وعن عليّ بن الحسن بن علي بن فضّال عن أبيه، قال: قال الرضا عليه السلام: "مَنْ تَذَكَّرَ مُصَابَنَا فَبَكَى وَأَبْكَى لَمْ تَبْكِ عَيْنُهُ يَوْمَ تَبْكِي الْعُيُونُ وَمَنْ جَلَسَ مَجْلِساً يُحْيِا فِيهِ أَمْرُنَا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوب"4.

ومن هنا، إنّ ما يقوم به الخطباء والقرّاء من رثاء وإحياء وإبكاء يندرج في هذا الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي تعرّضت له هذه الروايات.

ولا شكّ في أنّ عمدة ما يستند عليه القرّاء وخدمة المنبر الحسينيّ، إنّما هو على المادّة العزائيّة التي يتكوّن منها نصّ المجلس. ومن هنا، أحببنا في معهد سيد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ أن يكون لنا نصيب المشاركة مع إخواننا القرّاء في تقديم هذا الكتاب؛ ليكون عوناً لهم في مجالسهم التي يقرؤونها في الليالي العشر الأولى من المحرّم.

وقد تميّز هذا الإصدار بـ:

- إعداد المجالس الحسينيّة مقتصرين فيها على القصيدة والنعي، مع عدم وجود للموعظة أو المحاضرة، اعتماداً منّا على خبرة القرّاء الكرام في انتقاء الموضوع المناسب للمجلس.
- اختيار الأبيات الشعبيّة - العراقيّة - المألوفة والمسموعة، ذات العبارات الواضحة عموماً.
- اختيار قصائد جديدة غير مستهلكة في الغالب، لتضاف إلى جعبة القرّاء الأعزّاء.
- أضفنا بعض المراثي التي اعتاد بعض القراء تلاوتها أثناء أو بعد مجلس العزاء.
ونسأل الله تعالى أن يتقبّل عملنا ويحشرنا مع الحسين عليه السلام وأصحابه، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، إنّه قريب مجيب.


والحمد لله رب العالمين
معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ

هوامش

1- الحر العاملي، الشيخ محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام، إيران - قم، 1414ه، ط2، ج14، ص 501.
2- وسائل الشيعة، ج14، باب استحباب البكاء على قتل الحسين، ص509.
3- المصدر نفسه، ج 14، ص 501.
4- المصدر نفسه، ج14، ص 502.