المجلس الأول

هِيَ لَيلَةٌ كَانَتْ بِرَغْمِ سَوادِهَا                      
رَاحَ الحُسَيْنُ السِّبْطِ يُصلِحُ سَيفَهُ                           
وَيقُولُ أُفٍّ يَا زَمَانُ حَمَلْتَ لِيْ                                 
وَالأَمْرُ لِلرَحمَنِ جَلَّ جَلَالُه ُ                                              
سَمِعَتْ عَقيلَةُ هَاشِمٍ إنْشَادَهُ                                      
وَتَقُولُ وَاْثُكْلَاهُ لَيْتَ مَنِيَّتِيْ                                           
اليَوْمَ مَاتَتْ يَابْنَ أُمِّي فَاطِمٌ                                              
فَأجَابَهَا: كُلُّ الوُجُوْدِ إلىَ الفَنَا                                           
شُدِّي العَزَائِمَ واستَعِدِّيْ لِلْعَنَا                                            
لَا يَسْتَقيْمُ الدِّيْنُ إلَّا فِي دَمٍ                                            
لَا تَجْزَعِيْ أُخْتَاهُ صَبراً واعْلَمِيْ                                         
لَا تَخْمُشِي وَجْهَاً عَليَّ إِذَا أتَىْ                                           
والخَيْلُ تَمْشِيْ فِي حَوَافِرِهَا عَلَى                                          
بَيْضَاءَ تَبعَثُ فِي الهُدَى تَغرِيدَا
فِيْهَا لِيَهْزِمَ بِالشِّفَارِ حُشُودَا
هَمّاً وَكَيْداً خَالَفَ التَنْكِيدَا
كَتَبَ المُهَيمِنُ أَنْ أَمُوْتَ شَهِيْدَا
فَأَتَتْهُ تَلْطِمُ بِالأَكُفِّ خُدُودَا
جَاءَتْ وَشَقَّتْ لِيَ فِدَاكَ لُحُودَا
وَاليَوْمَ أَصْبَحَ وَالِدِي مَلْحُودَا
إلَّا الَّذِي وَهَبَ الحَيَاةَ وُجُودَا
وَدَعِي الرِّسَالَةَ تَبْلُغُ المَقْصُودَا
مِن  مَنْحَرِيْ إنْ سَالَ يَخْضِبُ جِيْدَا
أَنِّي سَألْقَىْ فِي الجِنانِ خُلُوْدَا
حَتْفِيْ وَصِرْتُ عَلَى الثَّرَىْ مَمْدُودَا
ظَهْرِيْ وَتَحتَزُّ السُّيُوْفُ وَرِيْدَا

243


شعبيّ:

ويَّ الدهر يحكي ويذكر إله أفعاله
عرفت الحوراء مگصده بحكيه الگاله
گلها يزينب ليس مرتاعة اوتبكين
إنكان ما تبكي عليك اليوم يا حسين
خويه وصّيت مَنْ يا حسين بينا
وصّوا بنا گبل اليرّحلون
كفيلة حرم يا حسين تدرون
وگفت ابجانب خيمته كفيلة اعياله
دخلت اعليه وعيونه بمدمع تسيله
گالت بعد إلمن تخفِّي ادموعها العين
تبكي عليمن يا سبط طه وخليله
أومن تهجم الغارة علينا
وگبل العَلَى الرمضه تنامون


... يقول الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام: "بينما أنا جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها، وعندي عمّتي زينب تمرّضني, إذ اعتزل أبي في خباء له, وعنده جون مولى أبي ذرّ الغفاريّ (رض), وهو يعالج سيفه ويصلحه, وأبي


244


ينشد تلك الأبيات:

يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيْلِ              
مِنْ طَالِبٍ وَصَاحِبٍ قَتِيْلِ          
وَكُلُّ حَيٍّ سَالِكٌ سَبِيْلِيْ      
وإنَّمَا الأمرُ إلى الجَليلِ
كَمْ لَكَ بِالإِشْرَاقِ وَالأَصِيْلِ
وَالدَّهْرُ لَا يَقنَعُ بِالبَديْلِ
مَا أَقْرَبَ الوَعدَ مِنَ الرَّحِيْلِ..

فأعادها مرّتين أو ثلاثاً، فخنقتني العبرةُ فردّدتها ولزمت السكوت, وعلمت أنّ البلاء قد نزل، وأمّا عمّتي زينب فإنّها لمّا سمعت... لم تملك نفسها فَعَدَت تجرّ ثوبها, حتّى انتهت إليه ونادت "واثكلاه... ليت الموت أعدمني الحياة... اليوم ماتت أمّي فاطمة عليها السلام وأبي عليّ عليه السلام وأخي الحسن عليه السلام يا خليفة الماضين وثمال الباقين".

فنظر إليها الحسين عليه السلام وقال: "أخيّه لا يذهبنّ بحلمك الشيطان" فقالت: "بأبي أنت وأمّي... نفسي لك الفداء".
فردّت عليه بغصّة، وترقرقت عيناه بالدموع ثمّ قال: "لو تُرِكَ القطا ليلاً لغفى ونام".

فقالت: "يا ويلتاه، أفتغتصب نفسك اغتصاباً, فذلك أقرح لقلبي، وأشدّ على نفسي"، وخرَّت مغشيّاً عليها، فقام إليها الحسين عليه السلام وأسندها, حتّى أفاقت, فقال لها: "يا أختاه تعزّي


245


 بعزاء الله, فإنّ سكّان السماوات يفنون، وأهل الأرض يموتون, وجميع البريّة يهلكون"... إلى أن قال: "جدّي خير منّي... وأبي خير منّي... وأمّي خير منّي... وأخي خير منّي... ولي ولكلّ مسلم برسول الله أسوة".

صاحت يا بدر عزنه وسعدنه
يا خويه للمدينة إسدر وردنه
جاوبها وتهل عبرات عينه
الدروب كلها اتلزمت علينه
يا خوية من تروح شيظل عدنه
گبل ما نصبح إلهاالگوم مغنم
امنين انرد يزينب للمدينه
خيل اعداي دارت بالمخيم

ليلة عاشوراء مضت عليهم بالأسى والحزن، فكيف بهم يوم العاشر, لقد أضحى وحيداً فريداً لا ناصر ولا معين، ولقد عزم على التضحية بنفسه في سبيل الله, وازداد شوقُه إلى لقائه، فجاء إلى خيمة النساء ليودّعُهَّن, راحلاً عنهنَّ, وقلبه كالجمر من لظى المصاب... (أيّ مصاب في قلبه؟ مصيبة ما يرى من أشلاء أنصاره وأولاده وبني عمومَتِهِ؟ أم مصيبة ترك حرائر الرسالة من بعده بلا كفيل؟ والمصائب شتىّ في قلب سيّدنا عليه السلام).


246


ينظر إليهنّ ويرى حالهنّ من البكاء, وهنّ لائذات بحميّهنّ, ويرونه يريد تركهنّ بعين الله, وهو إليه ذاهب، فلمّا نظر إلى زوجته الرباب, وفي حجرها طفله عبد الله الرضيع, تناوله الحسين عليه السلام من حجرها, ووضعه في حجره وهو يقبّله, فدمعت عينه لحاله, لمّا رآه قد أغمي عليه من العطش، فحمله على صدره ووقف أمام الجيش وقال: "يا قوم قتلتم إخوتي... قتلتم أهل بيتي... لم يبق عندي سوى هذا الرضيع، اسقوه جرعة من الماء, فقد جفّ اللبن عن صدر أمّه".
 

فَدَعَا الأَقْوَامَ يَالله مِنْ خَطْبٍ فَظيعْ                      
لَاحِظُوْا كَمْ أَشْبَهَ الهَادِي الشَّفِيْعْ                        
نَبِّئُوْنِيْ أَأَنَا المُذْنِبُ أَمْ هَذَا الرَّضِيْعْ
لَا يَكُنْ شَافِعُكُمْ خَصْماً لَكُمْ فِي النَّشْأَتَيْنْ

فاختلف الجيش فيما بينهم، منهم من قال: إن كان ذنب للكبار فما ذنب الصغار، ومنهم من قال: لا تبقوا من أهل هذا البيت باقية.
خاف ابنُ سعد وقوع الفتنة، فصاح يا حرملة, إقطع نزاع القوم، يقول حرملة: حكّمت السهم في كبد القوس، جعلت أنظر إلى الطفل أين أرميه، بينما أنا كذلك إذ هبّت ريح كشفت البرقع عن وجه الرضيع، فنظرت إلى رقبته تلمع على عضد أبيه الحسين عليه السلام, كأنّها إبريق فضّة, فرميته, فذبحته من الوريد


247


 إلى الوريد، قيل له: ويلك, أما رقّ قلبك لهذا الطفل، قال: بلى لقد رقّ قلبي في مورد واحد، قالوا وكيف، قال: لأنّ الرضيع كان مغمىً عليه من شدّة الظمأ، فلمّا أحسّ بحرارة السهم, أخرج يديه من قماطه, واعتنق رقبة أبيه الحسين عليه السلام, لمّا نظر الحسين عليه السلام إلى الطفل, تجري دماؤه من رقبته بسط كفّه, تحت منحره حتّى إذا امتلأت دماً، رمى بها نحو السماء, فلم تسقط منه قطرة على الأرض.

قال عليه السلام: "هوّن ما نزل بي أنّه بعين الله". ثمّ عاد به نحو المخيَّم, وقد أخفاه تحت ردائه، سكينة واقفة تنتظر على باب الخيمة, لمّا رأت أباها مقبلاً هرولت نحوه قائلة: أَبَه, لعلّك سقيت أخي ماءً, وجئتنا ببقيّته, فأخرجه الحسين عليه السلام من تحت ردائه مغسّلاً بدمائه.

هذا أخوك قد سَقَوهُ سهمَ بَغيٍ عِوَضَ الماءِ المَعين..
ما حال سكينة... ما حال الرباب... العلويّات...
 

وساعد الله حال زينب والحريم
لا أم اسماعيلها وام الكليم
والرباب امن انفكد منها الفطيم
شابهنها ابنوح واصياح وندب

248


هاي ابنها رد ليها امن الرضاع
او هاجر اسماعيل رد ليها ابساع
لاچن مصيبة رباب أعظم وأشد
شال ابنها احسين منها امن المهد
يا بني التسر گلبي بشرته
عطشان ولسانك دلعته
مكتفي أولا گلبها اتروّع او لاع
مرتوي من بارد الماي العذب
ما جرت سابگ مثلها على أم ولد
راح ردّه ابدم وريده مختضب
كسر خاطري مذبوح شفته
شنهو الذنب يا بني العملته

 

وَمُرْضِعَةٍ هَبَّتْ بِهَا لِرَضِيعِهَا
فَلَمْ تَرَ إِلَّا جُثَّةً فَوْقَ مَذْبَحٍ بِهَا
وَضَمَّتْهُ مَذبُوْحَ الوَريْدِ لِصَدْرِهَا
عَوَاطِفُ أُمٍّ أَثْكَلَتْ طِفْلَهَا صَبْرَا
عَلِقَ السَّهْمُ الَّذِي ذَبَحَ النَّحْرَا
وَمِنْ دَمِهِ المَسْفُوْحِ خَضَّبَتِ الصَّدْرَا

يا الله


249